* القاهرة - مكتب الجزيرة - على البلهاسي:
انتهى اجتماع الفصائل الفلسطينية في حوار القاهرة دون الاتفاق على مسألتي الحوار الأساسيتين وهما كيفية إدارة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي والاندماج تحت قيادة موحدة لها سلطة اتخاذ القرارات باسم الجميع. ولعل انتهاء الاجتماع دون الاتفاق على هاتين المسألتين يؤشر الى وجود صعوبات كثيرة تواجه الحوار الذي كانت جلساته في الاجتماع الأخير فرصة تاريخية من وجهة نظر الجميع لاتفاق الفصائل حول أساسيات العمل الوطني الفلسطيني في المرحلة المقبلة.الظروف الايجابية التي أحاطت بالحوار رغم قلتها الا انها كانت تدفع بالأمل نحو الخروج باتفاق على برنامج عمل مشترك بين الفصائل المشتركة في الحوار والتي أظهرت رغبة حقيقية في تحقيق نتائج طيبة رغم الهواجس والمخاوف التي أحاطت بها وظهرت في تصريحات قيادات الفصائل أثناء الاجتماع. على رأس هذه الايجابيات كان وجود دعم فلسطيني واضح من أجل انجاح الحوار ظهر من خلال دعوة القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية خلال اجتماعها الأخير في غزة كل الأطراف الفلسطينية المشاركة في حوار القاهرة الى بذل جهودها المخلصة من أجل التوصل الى برنامج مشترك للعمل الوطني وفق استراتيجية وطنية موحدة والعمل على تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتقوية جبهته الداخلية على أساس انجاز خطوات الاصلاح الوطني الديمقراطي.
بل ان المراقبين والمحللين رفعوا شعار «لا للفشل» في متابعتهم للحوار الفلسطيني في القاهرة محملين الفصائل ال«12» المشاركة في الحوار مسؤولية الفشل ومؤكدين أن هذه الفصائل أمام فرصة تاريخية في أول حوار فلسطيني شامل منذ 20 عاما بعد اجتماع فبراير 1983 خلال الدورة ال 16 للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انقسمت بعده الفصائل ولم يحدث أن التقت كل أطياف القوى الفلسطينية لبحث الوضع الفلسطيني كما حظي الاجتماع بوجود مبادرة مصرية بأن يودع الفلسطينيون عند المصريين اتفاقا مبدئيا لوقف الهجمات الى حين ابداء اسرائيل جدية في الالتزام وتقديم ضمانات لوقف العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين وذلك حتى تتحرك مصر نحو اسرائيل والولايات المتحدة في محاولة للحصول على الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ سبتمبر 2000 بالاضافة الى وقف الاغتيالات وبدء المفاوضات بين الجانبين لتحقيق تسوية سلمية للوضع المتأزم في الشرق الأوسط.أضف الى ذلك أن الفصائل نفسها أبدت رغبة حقيقية في الوصول الى اتفاق وحققت تقدما ملموسا على صعيد تقريب وجهات النظر خلال الاجتماعات السابقة.
وعبر حرص الاطراف الاثني عشر على المشاركة في الحوار في هذه الجولة عن ادراك فلسطيني حقيقي بخطورة الأوضاع التي تحيط بقضيتهم وضرورة توحيد العمل الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تواجهها خاصة وأن المنطقة تشهد جملة من التغيرات والتحولات على عدد من الأصعدة السياسية من شأنها أن تؤثر بالسلب على مسار القضية الفلسطينية وهو ما يتطلب لم الشمل الفلسطيني والاتفاق على قواسم مشتركة ازاء القضايا المصيرية المطروحة.
ورغم أن الحوار خرج بالاتفاق حول العديد من القضايا الهامة وعلى رأسها ضرورة استمرار الانتفاضة ودراسة احتمال وقف العمل العسكري مؤقتا الا أنها على أهميتها لم ترق الى تحقيق الهدف المطلوب من الحوار.
مشكلات الحوار
وفق رؤية كثير من المراقبين فان نقطة الخلاف الجوهرية في حوار القاهرة والتي تتجدد من اجتماع لآخر هي رؤية كل فصيل لكيفية المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي والخلاف حول جدوى العمليات الاستشهادية وبحث امكانية وقفها ولو مؤقتا.
حيث انها الورقة الرابحة في يد اسرائيل في إدارة صراعها مع الفلسطينيين والظهور أمام العالم بموقف المدافع عن نفسه ضد الارهاب الفلسطيني وهي وجهة النظر التي تجد دعما أمريكيا وصمتا أوروبيا رغم الجهود العربية المبذولة للتفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال.
ومنذ بدأ الحوار قي القاهرة بين فتح وحماس بشكل ثنائي كان مطلوبا منه الوصول الى اتفاق بين الفصيلين الأكبر حول مسألة أساليب العمل ضد الاحتلال وجغرافيته وواجه الحوار رفض الجانب الاسرائيلي منذ البداية تقديم ضمانات بوقف العمليات العسكرية وسياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين وهو ما صعب اتفاق الفصيلين خاصة حماس التي رفضت وقف العمليات الاستشهادية في ظل استمرار العدوان الاسرائيلي. وفي الجولة الثانية للحوار اجتمعت خمس فصائل فلسطينية فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وأسفر الاجتماع عن وجود صعوبة تواجه الاتفاق في ظل وجود منطلقات مختلفة لعمل هذه الفصائل وهو ما أبرز قصور الحوار في تركيزه على الجانب الأمني وإهمال الجانب السياسي حيث برزت تساؤلات حول موقع الفصائل والقوى الاقليمية الأخرى من هذا الحوار؟.
وهنا ظهرت الحاجة الى عقد حوار شامل بين مختلف الفصائل الفلسطينية من أجل بحث الخلافات بينها وطبيعة علاقاتها مع السلطة الفلسطينية وطبيعة الحل السياسي المقبول مع اسرائيل من خلال برنامج عمل مشترك وكان الحوار الأخير بين الفصائل الاثني عشر يدور حول هذه المحاور.
ورغم وجود خلافات حقيقية حول المسائل الرئيسية للحوار الا ان بعض الفصائل فضلت عدم الخوض في تفاصيل وتحاشي الدخول في مناورات ومزايدات حولها وجاءت بعض الموافقات والاستعدادت المعلنة للبعض الآخر مشروطة بشروط تبدو حرجة للأطراف السياسية الأخرى.وأظهر الجدل الطويل داخل الاجتماعات وخارجها حول مسألة تجميد العمل العسكري الفلسطيني والمقصود به العمليات الاستشهادية وجدواها السياسية استمرار الخلاف بين الفصائل حول أحد أهم محاور الحوار حيث ان الاتفاق على صيغة مشتركة بين الفصائل حول هذا الأمر يؤدي الى تعزيز وجود فصائل أخرى مثل حماس التي تقود الجناح الرافض لوقفها وهذه الفصائل الأخيرة ترى ان وقف العمليات سيؤدي الى تقليص دورها خاصة وأنها اكتسبت شرعيتها ووجودها السياسي داخل الشارع الفلسطيني من عملياتها المسلحة في حين أن وقف هذه العمليات سيؤدي الى اجهاض أي دور سياسي لهذه القوى والفصائل في المستقبل حيث لا تتفق برامج عملها مع قواعد اللعبة الجديدة.
والى جانب ذلك أجمعت الفصائل الفلسطينية على ضرورة استمرار الانتفاضة ودراسة إمكانية وقف العمل العسكري مؤقتا وذلك في انتظار البديل الاسرائيلي الذي ظل غائبا منذ بداية الحوار فلم تظهر اسرائيل أي تجاوب مع دعوات المشاركين في الحوار ولم تؤكد انها ستتعامل بالمثل اذا التزمت الفصائل الفلسطينية بوقف إطلاق النار وعمل هدنة ومع غياب المقابل الاسرائيلي وغموض طبيعة التحرك الأمريكي في المنطقة وجدت الفصائل صعوبة في الاتفاق على المبادرة المصرية بعقد هدنة مؤقتة لمدة عام لحين ابداء المقابل الاسرائيلي وفي حين وافقت فتح ومعها فصائل أخرى على المبادرة عارضتها حماس وفصائل أخرى حيث ترى الفصائل المعارضة البدء بتحييد المدنيين في الصراع بحيث يتوقف العدوان الاسرائيلي ضد المدنيين حتى يمكن المضي قدما على طريق المبادرة وان كانت المبادرة مازالت مطروحة للنقاش في الاجتماعات المقبله للفصائل.
أما المحور الثاني الذي لم يحسم بعد فهو اتفاق الفصائل على العمل تحت قيادة موحدة تمثلها السلطة الفلسطينية ليكون لها حق التفاوض باسم الجميع مع الاسرائيلين على وقف اطلاق النار وهو الأمر الذي قوبل بمجموعة من الهواجس والمخاوف من قبل بعض الفصائل في حين جاءت موافقة البعض الآخر مشروطة بشروط قد تبدو محرجة للسلطة ولعل ابداء حركتي فتح وحماس لأول مرة استعدادهما لبحث المشاركة في منظمة التحرير على أساس اعادة بنائها كان من أهم انجازات الحوار في هذا الاطار وهو الأمر الذي اتفقت عليه معظم الفصائل داعية الى ضرورة أن تكون فتح على استعداد لبناء وحدة فلسطينية حقيقية وليست شكلية أو مزيفة تشارك فيها الفصائل الفلسطينية ويكون لها دور في صياغة القرار السياسي الفلسطيني وضرورة أن تشارك كل القوى الرئيسية في القيادة وكان هناك اتفاق بين كل الفصائل على ضرورة إطلاق السلطة الفلسطينية سراح أحمد سعدات المعتقل تحت اشراف دولى في سجن فلسطيني في أريحا منذ ربيع 2002 وأشارت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى ان موضوع إطلاق سراح أمينها العام سعدات يتعلق بمجمل العمل الوطني الفلسطيني وليس فقط بالجبهة الشعبية.
ومع الاتفاق على مواصلة الحوار الأسبوع المقبل أصبح لزاما على أطراف الحوارمن الفصائل الفلسطينية ادراك خطورة الوضع والأخذ بعين الاعتبار المرحلة شديدة الدقة التي تمر بها المنطقة والتي تحتم تقارب ووحدة الصف الفلسطيني لمواجهة التطورات والتحديات القادمة ولعلها ستكون مسؤولية تاريخية بالفعل تتحملها كل الفصائل المشاركة في هذا الحوار التاريخي الشامل.
|