في دراسة كانت قد أصدرتها السفارة الأمريكية في صنعاء تحت عنوان: «المساجد الأمريكية» جاء فيها ان الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في الولايات المتحدة على الاطلاق، وأن عدد المساجد الأمريكية عام 2000م قد بلغ 1209، وان هناك مليوني مسلم يؤمون هذه المساجد من بين سبعة ملايين مسلم موجودون في الولايات المتحدة، وتقول هذه الدراسة الاحصائية الموثَّقة ان عدد المساجد في أمريكا عام 1994م كان 962 مسجدا وزاد عددها بما نسبته 25% عام 2000م ليصل إلى 1209 مسجد، وتؤكد هذه الدراسة ان هناك زيادة في متوسط حضور صلاة الجمعة من 150 فرداً عام 94م لكل مسجد إلى 292 فرداً عام 2000م، وان المترددين على هذه المساجد بين العامين محل الدراسة قد زاد من 485 فرداً إلى 1625 فرداً وأن متوسط اعتناق الإسلام بين الأمريكيين قياساً بالمساجد هو 16 فرداً لكل مسجد في العام الواحد، أي ان عدد المسلمين الجدد كل عام هو ما يقرب من عشرين ألفا في أمريكا، وتؤكد الدراسة أيضاً ان ثلث مرتادي المساجد هم من معتنقي الإسلام الجدد.
ماذا يعني ذلك؟ يعني في تقديري ان الإسلام في أمريكا كان بألف خير، وان انتشاره، من خلال الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قد أتى أكله، وحقق ما لم يحققه غيره من الأديان، وان هذا النجاح القياسي هو مؤشر علمي على اعجاز هذا الدين، وقدرته على التوسع واستقطاب الإنسان بمعدلات قياسية في أزمان السلام، وهذه حقيقة علمية تنقض أول ما تنقض مقولة بعض المستشرقين إن الإسلام لم ينتشر إلا بالسيف، أو الحرب «المقدسة» كما يحلو لهم أن يصفوا الجهاد، فضلاً عن ان تاريخ انتشار الإسلام نفسه في أصقاع المعمورة ينسف مثل هذه المقولة من أساسها، حيث إنه وصل إلى إندونيسيا أكبر الدول الإسلامية تعدادا للسكان مثلاً، وكذلك كل دول شرق آسيا من خلال التجار المسلمين سلما وليس حربا، وكذلك الأمر بالنسبة لدول وسط وغرب وجنوب افريقيا، وهذه المناطق بالمناسبة يُشكل سكانها المسلمون ما نسبته أكثر من 60% من مجموع المسلمين في العالم، أي ان الإسلام في النتيجة انتشر بالدعوة السلمية أكثر مما انتشر من خلال «الجهاد» بمعناه القتالي، هذه حقيقة علمية وليست مجرد ادعاءات.
والغريب ان مقولة: ان الإسلام لا ينتشر إلا بالسيف، لم يتهم بها المستشرقون الإسلام فحسب، وإنما نمت وترعرت للأسف في أذهان من يُسمون اليوم بأصحاب الإسلام الجهادي، حيث إن خطابهم الفكري، يختزل الإسلام كله في الجهاد، ويختزل الجهاد في القتال، بينما ان الجهاد بمعناه الواسع في لغة العرب لا يقتصر على الحرب والقتال فحسب، وإنما هو كما يقول ابن منظور في اللسان: «المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء»، لذلك، فالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، لا ينحصر فقط في الجهاد بمعناه القتالي، وإنما يمتد ليشمل الجهاد بمعناه الواسع والمتعدد في لغة العرب، حتى ان الرسول عليه الصلاة والسلام اعتبر ان الحج يدخل في مفهوم الجهاد أيضاً كما جاء في الحديث.
وفي تقديري ان أحدا على مر التاريخ لم يسىء للإسلام أكثر من إساءة هؤلاء التدميريين، أو من يسمون أنفسهم بالجهاديين، وهم عندما أقدموا على فعلتهم فيما عُرفَ بأحداث 11 سبتمبر في أمريكا، كانوا في الواقع يُمارسون بشكل أو بآخر، أكبر اساءة لانتشار الإسلام، ليس في أمريكا فحسب، وإنما للإسلام كدين وكقيم وكفرائض وكسمعة وكحضارة في كل أنحاء العالم، وأعطوا في الوقت نفسه لأعداء الإسلام الذريعة والدليل المادي لإظهاره بهذه الصورة الدموية التدميرية المشوهة، ليثبتوا مقولتهم القديمة إن الإسلام والحرب صنوان، إن الخلل في ذهنية هؤلاء لا يقتصر على عدم قدرتهم على قراءة «تاريخ» الاسلام وفهمه واستيعابه فحسب، وإنما يمتد إلى عدم قدرتهم على قراءة «حاضر» وواقع الإسلام في المجتمعات المعاصرة أيضاً، وهي كما أراها مشكلة وعي ثقافي في الدرجة الأولى نحن مسؤولون عنها إلى حد ما.
|