تحدثنا الأسبوع الماضي عن الحلم الذي يراود معظم الشباب وذوي الدخول المتوسطة وهو امتلاك مسكن! ولكن ما إن تتهيأ الفرصة لأحدهم حتى يبدأ ذلك الحلم يتضخم فتكون بدايته مسكناً صغيراً يؤويه مع أسرته، وما يلبث ان يتحول - ذلك الحلم - إلى واقع ليصبح تشييد (فيلا) ضخمة تتوفر فيها جميع المتطلبات الكمالية فضلاً عن الضرورية. وبات من المعلوم ان من يبني سكناً فهو في أزمة! أو كما قيل «العمار قطعة من نار!!».
ولعل ذلك يعود إلى طمع الإنسان بالمسكن الواسع فتجده يسعى ليحصل على قطعة كبيرة من الأرض. ومن ثم ينشئ عليها مسطحاً من البناء أكثر من احتياجاته الفعلية! هذا عدا المساحات المترامية داخل السور. ونحن نعلم ان المساحات الخارجية لا تناسب أجواءنا المناخية، فالشتاء قارس والصيف لافح! ولا يمكن الاستفادة من تلك المساحات المغطاة بالرداء الأخضر والتي تحتاج لعناية خاصة وأموال طائلة لأنها تستهلك كميات هائلة من المياه المحلاة! وبلادنا تشكو من شُحِّ المياه وتدعونا دائماً إلى الترشيد في استخدامه...
وثمة مشكلة تسيطر على اتجاه السكن لدى المواطن وتتمثل بالتقليد أو النمطية التي تظهر جلياً في البناء والتعمير، حيث لا بد من مجلس واسع خاص للرجال ويضاهيه مجلس للنساء ولكن بمساحة أكبر وأثاث أفخم على الرغم من ندرة اجتماع الطرفين بنفس الوقت إلا في المناسبات التي من أجلها أقيمت الاستراحات وبها تم الاستغناء عن الغرف المخصصة لتناول الطعام بيْد أنه لا يزال يُفسح لها مساحة واسعة في المنزل لتستوعب الطاولة والخزانة وما يتعلق بها من أواني الأكل... برغم قلة استخدامها حيث ان بعض الأسر تفتقد -للأسف- الاجتماع حول مائدة الطعام! وعلى الرغم من ضرورته إلا ان الملاحظ ان كل فرد في الأسرة يتناول طعامه بمفرده -على عجل- إما بالمطبخ أو في غرفته الخاصة! والمطبخ لك ان تتخيل المساحة الممنوحة له والمغطى جزء منها بالخزائن الفخمة التي تتخذ شكل شبه جزيرة! ويبقى هناك فراغ كبير لا يستخدم ويحتاج لإضاءة وتكييف وأرضيات مناسبة ومراوح شفط الأبخرة ويفتقد وجود ربة المنزل للاستمتاع به وبالأجهزة التي سهَّلت عليها العمل!! كما افتقد أفراد أسرتها لنفَسِها في الطبخ!!
أما في الأدوار العليا التي يتفنن المعماريون في اتساعها تلبية لرغبة المواطنين فهي إضافة إلى استهلاكها الكثير من الطاقة بالإضاءة والتكييف، فتجد كل فرد من أفراد الأسرة يمتلك غرفة خاصة به تحوي جميع الضروريات والكماليات! ابتداء من السرير وخزانة الملابس مروراً بأجهزة التلفزيون والكمبيوتر والهاتف، وطاولة للدراسة وأخرى لتناول الأكل، وانتهاء بالأجهزة الرياضية كدراجات السير والجري وتخفيف الوزن..
وهذا - حقيقة - لا يبشر بخير حين يكون هناك استقلال داخل الأسرة لاسيما للأبناء والبنات من نفس الجنس، ويحسن بنا الانتباه لتصحيح هذا الاتجاه بأن نُعلِّم أبناءنا وبناتنا أسلوب التعايش سوياً والبعد عن الأنانية التي تتمثل بعدم الرغبة في المشاركة بنفس الغرفة على ان تكون مخصصة للنوم أو الدراسة فحسب، أما باقي اليوم فيكون الأولاد تحت إشراف والديهم. وإبعاد جميع الأجهزة التي من شأنها ان تشعرهم بالحرية السلبية وتجرئهم وتسهل عليهم الانحراف أو ما شابهه وأغلب المشاكل الاجتماعية منشؤها الأسرة، ومن أسبابها الاستقلال الفردي في الغرف ونبذ الاجتماع الأسري! وقد يؤدي ذلك إلى العزلة التي تتمخض عنها أمراض نفسية تفتك بالأبناء!!
وبذلك يمكننا القول ان المنازل ذات المساحات الصغيرة والمناسبة لحجم الأسرة يتوفر فيها الجو الأسري الدافئ وتظهر فيها ملامح التعاون والحميمية ومسؤولية كل فرد تجاه الآخر، فضلا عن قلة التكاليف في الإنشاء والأثاث والصيانة وفواتير الخدمات العامة... وليتصور أحدكم لو ارتدى ثوبا مفرطا في الطول وفضفاضا فهل سيبدو شكله مقبولا أو سيحقق له الارتياح المنشود؟؟!!
ص.ب 260564
الرياض 11342
|