* س: - تناقشنا نحن جمع من الأسر في رحلة برية حول الإنسان هل هو «مخير أم مسير» وخرجنا بنتيجة عامة أنه مخير في حالات ومسير في حالات لكننا نريد التفصيل في هذا..؟
عبدالله بن ضيف الله القطامي
عبدالعزيز بن مسرور العتيبي
ضيدان بن سالم بن جبرين اليامي
حمود بن ضيف الله القطامي
سعد بن سلمان بن سعد الجهني
المدينة المنورة
* ج: - جميل مثل كون هذا يكون في زمن صعب يحلو لكثيرين اللهو والمتعة المجردتان عن كل حال وغاية عظمى دنيا وأخرى وإذا ما كان مع الأسر الكريمة:«مثل هذه الأسر» أولاد صغار من ذكور وإناث فلا جرم يتمثل هذا حيناً بعد حين بظهور علامات علمية عملية ببروز الموهوبين العاملين بعد الشب عن الطوق في مجالات صناعة الحياة العلمية والأدبية والثقافية بحكمة وعقل، فكون الولد يحضر جلسات علمية مركزة هادفة ذات قدر جيد من التحضير والاعداد فحقيق بمثل هذا «الولد» أن يكون فيما بعد شيئا مذكوراً يفيد أمته بجديد إضافي لم يسبق إليه.
هذه مقدمة عامة.
والمقدمة الثانية يحسن طرقها بشيء من الايجاز وتكلم هي: أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق مفطورين على: التوحيد وقبوله فطفل تضعه في صحراء مع الهوام والوحش سوف لن ينطق إلا كما ينطق الهوام والوحش لكنه يتجه عند الضرورات الى ما فطره الله عليه أصلا من التوجه إليه عند نازلة ما لا يدركها فتجده يرفع رأسه الى السماء ويُتمتم، كذلك تجد أعتى المنحرفين وأقسى الزائفين وأخطر الظالمين تجده يتجه صوب الله عند نازلة ما كموت ولد يحبه أو ذهاب تجارة شقي عليها أو اصابته بالسرطان مثلاً.
ولهذا انظر الله تعالى فيما حكى حال: فرعون وحاشيته بردهم الحق بكيد ومكر وقسوة وجبروت مبطن بدهاء وسعة حيلة قال سبحانه مبينا حقيقة الفطرة التي أخفوها {وّجّحّدٍوا بٌهّا وّاسًتّيًقّنّتًهّا أّنفٍسٍهٍمً ظٍلًمْا وّعٍلٍوَْا فّانظٍرً كّيًفّ كّانّ عّاقٌبّةٍ المٍفًسٌدٌينّ} ثم علل ذلك فقال جل من قائل :{ظٍلًمْا وّعٍلٍوَْا} .
وبين حقيقته بالذات فيما نزلت به الفاجعة ورأى الحق فقال علام الغيوب {فلما أّدًرّكّهٍ الغّرّقٍ} هكذا {قّالّ آمّنتٍ أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ الذٌي آمّنّتً بٌهٌ بّنٍو إسًرّائٌيلّ} لكن:لا.
المقدمة الثالثة:
ان الأصل كما أسلفت آنفاً في الإنسان أنه مفطور على قبول الحق والسعي إليه والعمل به ولو تعمق المرءُ في هذا لو تعمق في جو هاد مطمئن ثم هو يتبصر ويتجرد ويتنزه عن كل شهوة وشبهة سوف يدرك أمر هذه الفطرة في:نفسه/في خلقه/ في ماله/ في الأرض/ في السماء/ في الحياة/ وفي الموت/ في الصحة/ في المرض/ في إتيان من يحب/ في فقدانه من يحب.
انظر ماذا قال الخالق العليم سبحانه: {فٌطًرّتّ اللهٌ الّتٌي فّطّرّ النَّاسّ عّلّيًهّا لا تّبًدٌيلّ لٌخّلًقٌ اللّهٌ ذّلٌكّ الدَينٍ القيٌَمٍ وّلّكٌنَّ أّكًثّرّ النّاسٌ لا يّعًلّمٍونّ}.
هو كذلك:{فّطّرّ النَّاسّ } كل الناس.
{لا تّبًدٌيلّ لٌخّلًقٌ اللهٌ} نعم.
{وّلّكٌنَّ أّكًثّرّ الناسٌ لا يّعًلّمٍونّ} وهو الواقع.
ثم انظر ماذا قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.. جاء في مسلم:«خلقت عبادي حُنفاء فاجتالتهم الشياطين».
ثم انظر كيف بيَّن القرآن هذه الحقيقة وهذا من باب بيان سوء الصحبة أو غسيل المخ أو تجنيد الفكر أو الثقافة أو العلم المادي أو الرواية أو الشعر أو سوء التربية الباكرة، قال سبحانه :{وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّا لٌكٍلٌَ نّبٌيَُ عّدٍوَْا شّيّاطٌينّ الإنسٌ وّالًجٌنٌَ يٍوحٌي بّعًضٍهٍمً إلّى" بّعًضُ زٍخًرٍفّ القوًلٌ غٍرٍورْا وّلّوً شّاءّ رّبٍَكّ مّا فّعّلٍوهٍ فّذّرًهٍمً وّمّا يّفًتّرٍونّ} ثم انظر كيف بيَّن القرآن حقيقة التعاظم وكيف وضح دفائن التعالم بطمس الحق والتعالي عليه بظهور أنه: عاقل متواضع مسلم ملتزم لكن لا اقرأ:{وّمٌنّ النَّاسٌ مّن يٍجّادٌلٍ فٌي اللهٌ بٌغّيًرٌ عٌلًمُ وّلا هٍدْى وّلا كٌتّابُ مٍَنٌيرُ} ثم انظر الكبر والغرور وأحياناً التعدي والظلم {وّإذّا قٌيلّ لّهٍ اتَّقٌ اللهّ أّخّذّتًهٍ العٌزَّةٍ بٌالإثًمٌ } .
تجد هذا فيمن يرى أنه هو هو بلسان الحال أو المقال ولهذا تجد هذا العنف في مجال/ الفكر/ والثقافة/ والأدب/ يسطو على نتاج الآخر بلباقة ومهارة ولا يناقش إذا عورض بل يكل هذا الى غيره أو يصمت.
المقدمة الثالثة:
مصيبة الإنسان تعلقه بالجاه والسيادة ومصيبته أنه لهذا يتجاوز الحد الى الظلم فيستمر في هذا ثم يستمر حتى يصدق نفسه أنه المحق العادل المهم هنا بقاء سيادته وجاهه، وهذا سبب كبير لفقدان حقيقة طعم الحياة إلا من منظور واصل ضيق.
انظر ماذا قال الله:{وّقّالٍوا نّحًنٍ أّكًثّرٍ أّمًوّالاْ وّأّوًلادْا وّمّا نّحًنٍ بٌمٍعّذَّبٌينّ} غرور وطيش وتفسير للحياة من منطلق أعوج ضيق.
ثم اقرأ كذلك:{إنَّمّا أٍوتٌيتٍهٍ عّلّى" عٌلًمُ عٌندٌي} تعاظم ومركزية وجنون عظمة صدق نفسه أنه هو هو.
ثم يتوجه الخطاب الشرعي الى حقيقة طمس الفطرة عياناً بياناً فيقول أحكم الحاكمين {وّإذّا رّأّيًتّهٍمً تٍعًجٌبٍكّ أّجًسّامٍهٍمً وّإن يّقٍولٍوا تّسًمّعً لٌقّوًلٌهٌمً} وصف نفسي خلقي تركيبي يرى هذا الصنف أنه العظيم بلباس عظمة المركزية في مجال ما يذهب إليه مع تسفيه الآخر ولو باطناً، وكل هذا بسبب تضييع الفطرة بصفة ما وبسبب حب الذات ولو تجاوز هذا الظلم والتعالي على الله ولو بتأويل ساقط للهروب الى مراد النفس وحظها في الدنيا وكل هذا يحتاج الى تأمل دائم متأن صحيح صادق في حال تجرد تام وتفكر بدوران الأيام وعهود الحياة وحال الأمم.
ونتيجة ما سبق ان الانسان مخير في حياته فيما كُلف فيه وعليه يحاسب حسب قدرته فهو سوف يحاسب بعدم كمال التوحيد وسوف يحاسب بعدم العمل على: ركن وشرط «.. لا إله إلا الله محمد رسول الله» وسوف يحاسب بعدم أكله الحلال وسوف يحاسب باضلاله الناس بحال ما لأنه هنا يدرك ويعي.
ومثل هذا فسوف يحاسب على الظلم خاصة الشرك إذ هو أكبر الظلم والرياء وترك العبادات المفروضة لأنه يقدر على ذلك ومكلف.
فكل ما يقدر عليه يحاسب عليه إن تركه من المأمورات وكل ما يقدر عليه يحاسب عليه إن قام به من المنهيات ولن يحاسب المرء على كونه: قصيراً أو ولد أعمى أو سقط في بئر فمات أو حادث سيارة لم يكن له يد في هذا أبداً، أو كونه أعرجاً أو كونه مجنوناً أو ولد في بلاد كفر مثلاً.
فالعبد مُخير ويحاسب على هذا، ومسير كل يحاسب عليه.
قال سبحانه: {لا يٍكّلٌَفٍ اللهٍ نّفًسْا إلاَّ وٍسًعّهّا لّهّا مّا كّسّبّتً وّعّلّيًهّا مّا اكًتّسّبّتً} وتدبروا هذا بواسع من نظر جيد أمين نزيه حر كريم.
|