إن عملية التربية والتعليم لهي الأساس التي تقوم عليها حضارات الأمم، وتبنى عليها نهضة الشعوب، وبلادنا ولله الحمد والمنّة تعيش نهضة تعليمية كبيرة شملت جميع أرجاء هذه البلاد: شمالها وجنوبها شرقها وغربها حاضرتها وباديتها، فكان لزاماً على المسؤولين في وزارة المعارف ووزارة التعليم العالي إعداد خطط ومناهج مدروسة لنحيا جميعاً في تلك النهضة.
ولما للتربية والتعليم من النصيب الأعظم من اهتمام قيادتنا الرشيدة الاهتمام المادي والمعنوي - وما تشريف صاحب السمو الملكي ولي العهد - حفظه الله - لندوة: ماذا يريد المجتمع من التربويين.. إلا أكبر دليل على ذلك الاهتمام اللامحدود الذي تلقاه عملية التربية والتعليم في بلادنا. فكان لزاماً على المسؤولين عن التعليم في بلادنا ان يجتهدوا ويبذلوا كل غالٍ ورخيص في سبيل تنشئة جيل صالح مخلص محصَّن من كل فكر وافد هدام.
ونحمد الله عز وجل أن هيأ لشبابنا اليوم مناهج دراسية ذات صبغة إسلامية رشيدة تغرس في نفوسهم عقيدة التوحيد، وتربي في قلوبهم روح الفضيلة، وتنفرهم عن الرذيلة، وتذكي فيهم روح التسامح والخير، وتعينهم على نشر النور والخير في أرجاء المعمورة. ولما كان المعلم قائد العملية التربوية والمدير لدفَّتها، كان لزاماً على الدولة أن توليه عناية خاصة، وتخصه بمزيد اهتمام، وتفرغه تفرغاً تاماً لأداء مهمته العظيمة - مهمة الأنبياء والرسل - بعيداً عن كل ما يكدر صفوه، ويشغله عن أداء دوره المنوط به، فأجزلت له العطاء وأسدت إليه سابغ النعماء ومنحته تميُّزاً فريداً عن باقي موظفي الدولة. وإن ذلك لقليل في حق من يبذل كل ما بوسعه من أجل أن يُخرج لنا أجيالاً صالحة، تؤمن بربها وتخشاه، وتصدِّق بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم وتقتدي به، وتدين بالإسلام، وتنشر النور والخير في كل مكان.
أرأيت أشرف أو أجلّ من الذي
يشقى لينشأ أنفساً وعقولاً؟
ولكن...
إن المتأمل لما وصل إليه حال بعض شبابنا اليوم، ليأسف أشد الأسف لما وصلوا إليه من ضياع وتفسخ وذوبان في معطيات تلك الحضارة الزائفة، وإن الغيور منا ليبكي حرقة على تلك التصرفات اللامسئولة منهم، وان العاقل الحليم ليقف حيراناً مذهولاً من تلك المشاهد والحماقات التي نشاهدها كل يوم في مجتمعاتنا ومدارسنا وأسواقنا وشوارعنا.
وإننا لنتساءل مَن المسؤول عن ذلك؟ فإن من أولى خطوات علاج أي مشكلة كانت: الاعتراف بها، فلا بد من تشخيص الداء حتى نصف الدواء، ولا بد أن نضع النقاط على الحروف وأن نصارح أنفسنا عن أسباب ذلك الخلل حتى نشرع في علاجه قبل أن يستفحل الأمر ويعظم الخطْب فلا نجد سبيلاً للتخلص منه إلا الاكتواء بنيرانه.
* نعم مَنْ المسؤول عن وقوع بعض شبابنا اليوم تحت وطأة تجار المخدرات؟!
* مَنْ المسؤول عن تورط شبابنا اليوم في قضايا السرقات؟!
* مَنْ المسؤول عن وفاة أسر بريئة نتيجة لقيادة متهورة؟!
* مَنْ المسؤول عن اقتناء بعض شبابنا اليوم لسلاح لا يعرف منه إلا اسمه؟!
* مَنْ المسؤول عن توقيف بعض شبابنا اليوم في أقسام الشُّرط بين يدي المحققين؟!
* مَنْ المسؤول عن ظهور جرائم لم نسمع بها من قبل إلا في القصص الخيالية؟!
* مَنْ ومَنْ...
إن المجتمع واحد والمسؤولية مشتركة وعلى عاتق رجال التربية والتعليم النصيب الأكبر في توعية الشباب وحمايتهم من الوقوع في مستنقعات الرذيلة والهاوية.
إن أجهزة الأمن في بلادنا - ولله الحمد - تسعى دوماً لمنع الجريمة قبل وقوعها وذلك بقلع جذورها من منابتها، ولكن الوضع العالمي اليوم وما يمرُّ به العالم من الانفتاح والبث المباشر يحتم على المربين التعاون مع الأجهزة الأمنية في النهوض بالشباب وانتشالهم من مستنقعات الرذيلة وموارد الهلاك والأخذ بأيديهم للوصول إلى شاطئ النجاة، وذلك بتكثيف الجانب التوعوي فيهم وغرس العقيدة الإسلامية الصافية في قلوبهم، وزرع المراقبة الدائمة لله عز وجل في نفوسهم. فالشاب اليوم يمكث في دور التربية والتعليم للساعات الطوال وقلبه وعقله مهيأ لتلقِّي النصح والإرشاد لمن يحسن النصح والتوجيه فهو كالعجينة في يد العجان يصرفها كيف يشاء!
* ولكن مَنْ من المعلمين اليوم مَنْ يستقطع من درسه بعض الوقت لتوجيه سلوك الناشئة وأخلاقهم؟!
* مَنْ من المعلمين اليوم مَنْ يستقطع من درسه بعض الوقت ليبيِّن للناشئة خطر القنوات الفضائية على الفكر والأخلاق؟!
* مَنْ من المعلمين اليوم مَنْ يستقطع من درسه بعض الوقت ليبيَّن للناشئة خطر تلك التيارات المنحرفة والمذاهب الهدّامة على وحدة الأمة الإسلامية؟!
* مَنْ من المعلمين اليوم مَنْ شرح صدره لطلابه لتلقِّي مشاكلهم وسماع همومهم ومساعدتهم بحسب استطاعته؟!
إننا لا نستنقص في هذا المقام ما يقوم به معظم رجال التربية والتعليم اليوم من جهود جبارة وسعي حثيث في سبيل تربية النشء وتحصينهم ... ولكننا ننتظر المزيد.
نعم ننتظر المزيد، لأن آمال الأمة معقودة على نتاجكم، فهؤلاء الناشئة أمانة في أعناقكم وسوف تُسألون!
كونوا لهم خير موجِّه ومعين على أمور الخير، كونوا قدوة صالحة لهم يتعلمون منكم فضائل الأعمال والأخلاق.
احذروا أن يروكم على أعمال وفي أماكن لا ترضي الله عز وجل! فعليكم - أيها المعلمون - أن تقدروا أهمية «التعليم المصاحب» والذي يتم فعلاً دون انتباه من الطالب خلال تعليمه وذلك بسبب سلوككم وتصرفاتكم في مختلف المواقف فإن الناشئ يمتص روح معلمه وشخصيته فيجب أن تكون شخصيتكم مثالية وسلوككم قوياً لتكونوا قدوة حسنة لطلابكم ولتزرعوا الخير في نفوسهم ولتنالوا أجر الدنيا والآخرة. وفي الختام لا أنسى تذكير نفسي وتذكير زملائي - رجال الأمن - بعظم المسؤولية التي أنيطت بهم، وأن على عاتقهم أمانة ورسالة يؤدونها كلٌّ في مجاله وعلى قدر استطاعته لكي يتحقق لنا جميعاً ما نصبو إليه من الغاية الرئيسة والهدف النهائي لعملية التربية والتعليم في بلادنا ألا وهي تحقيق العبودية لله عز وجل في حياة الإنسان على مستوى الفرد والجماعة، وعن طريق تحقيق العبودية لله عز وجل تتحقق جميع الأهداف التربوية الصالحة للفرد والمجتمع.
(*) شرطة منطقة القصيم - مركز شرطة بريدة الشمالي
|