(ماذا يريد المجتمع من التربويين، وماذا يريد التربويون من المجتمع؟) محوران أساسيان وبالغا الأهمية للندوة التي يرعاها سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وهي خطوة جميلة وبادرة ممتازة من وزارة المعارف حينما رأت إشراك (المجتمع) في التخطيط ورسم الاحتياجات المستقبلية للعملية التعليمية في المملكة.
وبداية فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا قبل الإجابة عن الشق الأول هو مَن هم التربويون الذين سنطالبهم بما نريد؟ وأظن بداية ان هذا اللفظ سيعالج بالضرورة كل ما له علاقة بالتواصل مع الطالب سواء أكان ذلك أشخاصاً كالمعلمين والمديرين والعاملين في المنظومة المدرسية، أو العناصر المكملة للعملية التعليمية مثل المناهج والمباني وغيرهما، وهنا سأقف مع كل محور أجده هاما لأفرد له نظرتي ومطالبي كفرد من (المجتمع):
أولاً- المناهج: يبحث (المجتمع) في المناهج ان تكون مكملة لدور الأسرة في التربية الإيمانية الصالحة، وحلقة وصل تدرب الطالب على كيفية تلقي وتنفيذ أوامره الشرعية والتي تحقق أولا هدف خلق الخلق {وّمّا خّلّقًتٍ الجٌنَّ وّالإنسّ إلاَّ لٌيّعًبٍدٍونٌ}، وثانياً عمارة الأرض من خلال إكساب الطلاب للمهارات العلمية والعملية التي تضمن لهم حياة كريمة ولمجتمعهم استقرارا ونماء وتقدما يحافظ لأمتهم على موقعها المتميز بين الأمم.
ولعل قضية المناهج من أهم الأشياء التي يجب ان تتم العناية بها، ذلك لأنها تعج بجملة من السلبيات، لعل أهمها أنها تعتمد على (الحشو الكمي) دون ان تحقق الفائدة المرجوة، وبسبب هذه الكثرة والاستطرادات بات الطالب يكره المدرسة لأنها تضيف إليه عبئا جديداً، سواء داخل أسوار المدرسة والتي يمتد فيها يومه الدراسي إلى ساعات طويلة أو خارجها حينما يلاحظ انه مطالب بكمية كبيرة من الواجبات!! ولعل منظر طالب في الصفوف الابتدائية وهو يحمل حقيبته المليئة بالكتب بتثاقل وصعوبة أكبر دليل على ان الكم طغى على الكيف، وأحمد لوزارة المعارف قبل سنوات حينما دمجت بين مادتي (القراءة والمحفوظات) وهو ما ينتظر مع مواد أخرى، حيث ان عملية التعليم من خلال تجزئة المفردات كل منهج على حدة لم تحقق المطلوب، فالطالب مثلا في دروس اللغة العربية يصل الجامعة وهو لا يفرق بين المبتدأ والفعل.. بل لايعرف أنواع الجمع!! وأعتقد أنه لو تم تعليمه مواد اللغة العربية من خلال (الطريقة الاستقرائية) لكان أنفع وأجدى، فلو وحدت عدد من مواد اللغة العربية (القواعد، الإملاء، القراءة، الصرف، التعبير) في مادة واحدة، وفي مقرر واحد وفي ذات النصاب المقرر لمواد اللغة العربية بحيث تكون طريقة التعليم من خلال نص مكتوب يستخرج منه القواعد المطلوبة نحويا وإملائيا ويدرب عليه الطلاب في القراءة ومحاكاته إنشائيا، وهذا مثال فقط يمكن ان ينتهج مع بعض المقررات الأخرى بشرط ألا تكون بمعزل عن المختصين وأهل العلم، وهنا سيتمكن الطالب من الحصول على طريقة تعليمية مناسبة مغايرة للسابقة التي أجزم أنها أثبتت فشلها، وربما يحصل مع ذلك على تقليل في ساعات اليوم الدراسي.
ثانياً: المعلمون: ويوافقني كثيرون ان المعلمين يمثلون حجر الزاوية الأساس في العملية التعليمية، فهم عنصر مهم وفاعل من عناصر التربية للطفل ومن يتلقى الطالب على ايديهم قيماً ومبادئ حياتية راسخة تستمر معه لسنوات، من هنا وجب على المعلم ان يتحلى بالأخلاق المثالية التي تصنع منه قدوة مؤثرة في أذهان النشء. ومما يلاحظ في هذا الشأن ان الطفل الصغير يكتسب في أحيان من معلمه صفات غير حميدة كالإخلاف في الوعد والتمييز بين الطلاب ثناء ومعاقبة، ومما يؤخذ على غالبية المعلمين هو عدم إلمامهم بأسس ومبادئ التربية الحديثة والتعامل المناسب مع المراحل العمرية المختلفة حتى وإن كانوا قد درسوها من قبل، وهنا يأتي دور إدارات التعليم بضرورة (إجبارهم) على الحصول على دورات تربوية تقيمها إدارات التعليم من خلال الإدارات المعنية بالتدريب لديها وينفذها موجهون تربويون أو أكاديميون يتم الاستعانة بهم من الجامعات المحلية، بحيث لا تكون هذه الدورات اختيارية لمن أراد بل إلزامية، وأرى هنا أنه لو تم ربط مباشرة المعلم المعين حديثا بضرورة اجتيازه دورة قصيرة في كيفية التعامل مع النشء، وهذا لايعني أنه لايوجد متميزون في المجال التربوي.. ولكنهم مزحومون بأعباء النصاب وتعدد المناهج، وهو ما يجب أن تنتبه إليه وزارة المعارف، فاهتمامها يجب أن يكون (تربويا) أكثر منه (تعليميا) والمعلم لن يستطيع ان يعطي في هذا الجانب ما دام مزحوماً بنصاب مرتفع من المهم.. بل من الضروري تخفيضه!!
الأمر المهم في هذا المحور هو ان الوزارة تعمد في أحيان كثيرة إلى إخلاء المدارس من المبدعين من المعلمين، وذلك بحجة تكليفهم بأعمال إشرافية إدارية. والغريب ان المعلم المتميز الناجح هو من يرشح لذلك المنصب، بينمنا يبقى غيره ممن يشوب أداءهم الخلل بين الطلاب، ولو بحثنا عن السبب في قبول المعلم لمنصبه (الإداري) الجديد.. لوجدنا أنه هروب من الأنصبة المرتفعة والخاسر هنا.. ولا شك هم الطلاب والعملية التعليمية..!!
ثالثاً: المدارس: ومما يحمد لوزارة المعارف في السنوات الأخيرة هو حرصها على اعتماد المباني الحكومية المؤهلة للتعليم، وهي في ظني أحد أهم الأولويات التي يجب أن تراعى، فالمبنى المدرسي المؤهل والمهيأ مما يساعد على إراحة الطالب نفسيا، ورغم التوسع الكبير في بناء المدارس الحكومية إلا أن الاستفادة منها مازالت مقتصرة على اليوم الدراسي والذي لايزيد على خمس ساعات في أكثر الأحوال، وأرى هنا ان من حق (المجتمع) على (التربويين) هو ان يستفيد من هذه المنشآت التي كلفت الدولة الملايين، وأتصور ان مبادرة الوزارة في بعض المدارس فيما يعرف ب (مراكز الأحياء) يجب ان تعمم وتأخذ شكلا رسميا ويفرغ لذلك معلمون مخصصون يديرون هذه المراكز التي تستقبل الطلاب في الفترة المسائية، فالمبنى المدرسي المجهز بملاعب وقاعات وإمكانات ممتازة يجب ان تستغل، حتى لو كان ذلك من خلال رسوم مالية يدفعها ولي الأمر مقابل استقبال ابنه مساء تحفظه من عبث الشارع وخطورته، الأمر الآخر فيما يتعلق بالمباني هو أهمية تجهيزها بالتجهيزات الضرورية لسير العملية التعليمية وعدم ترك ذلك لاجتهادات المديرين والمعلمين، كذلك أهمية تحديد عدد معين لايزيد لطلاب الصف الواحد.
رابعاً: العاملون في مجال التعليم: كالمديرين والمرشدين وغيرهم، فأهم ما ينتظره المجتمع منهم هو أن يكونوا حلقة وصل بين المعلم والأسرة، ومعين على كشف واقع الطالب داخل المدرسة، ومما يؤسف له أنه في عدد من المدارس يتغيب الطالب لأيام ولا يجد من يسأل عنه، ناهيك عن ان بعض الطلاب قد يذهبون لأماكن غير المدرسة بينما تظن أسرهم أنهم موجودون في المدرسة، وهذا يكون بسبب ضعف قناة التواصل بين المدرسة والأسرة كما ان ولي الأمر الحريص المتابع لابنه لايجد ما يطمئنه على ابنه عند زيارته للمدرسة إلا أرقام تصله بشكل دوري بينما ما يبحث عنه هو تقييم لسلوكه وانضباطه وغيرها من التقييمات التربوية، وأعتقد ان تخصيص مرشد طلابي واحد في مدرسة تعج بالمئات غير منطقي، ولو اتبعت الوزارة مبدأ (مرشد طلابي لكل 100 طالب) بحيث يزيد عدد المرشدين مع زيادة الطلاب لأمكن المرشد من متابعة طلابه والاهتمام بهم سلوكيا وتعليميا، بل إن بعض المدارس كان عدد طلابها يفوق الألف طالب ولايوجد فيها سوى مرشد طلابي واحد..!! وفيما يتعلق بالمرشدين الطلابيين أرى أهمية تأهيلهم تربوياً وإخضاعهم لدورات مستمرة في كيفية التعامل مع الطالب، كما يجب ان تهتم الوزارة بقضية تحديد المهام داخل المدارس بحيث لا تضيع بعض المسؤوليات بين المديرين والوكلاء والمرشدين. ختاما، هذه الرؤية استقيتها من عدد من أفراد المجتمع علما أني ساهمت مع عدد من الاخوة الإعلاميين في صياغة ما يريده (مجتمع الإعلاميين) من (التربويين) في اللقاء التشاوري الذي شرفني مدير عام التعليم بمنطقة القصيم الاستاذ صالح التويجري في شهر رمضان بالدعوة لأكون من بين الحضور في المجالات التي رأت إدارة التعليم أنها تمثل المجتمع (المختصون الشرعيون، الأمنيون، الإعلاميون، الاقتصاديون، الأكاديميون، التربويون) وهي بادرة جيدة من المهم ان تستمر وتعمم في جميع المناطق، فهي تمنح رؤية علمية وعملية في التعامل مع الشأن التعليمي.
tmt280@yahoo
(*)بريدة
|