يتلاهف الرَّاكضون في البحث عن الأسرار الصَّغيرة خلف فشل، أو تأخر، أو إعاقة ناجح عن النَّجاح، أو قادر عن الوصول، أو موهوب عن البروز!!
والأسرار الصغيرة وراؤها أفعال كبيرة...
أيد تُحيك أنسجة الحجب لنجاح النَّاجح، وتقيم عوازل ستر عن الوصول لقدرات المقتدر، وتنصب جداراً سميكاً بين الموهوب وأسطحة النور...
نفوس تلوِّن هذه الأنسجة بدكن الإحساس، وتزخرف العوازل بألوان الظُّلمة، وترسم فوق الجدار مساربَ للضياع...
وصوت النَّاجح لا يصل من سراديب الطَّمس، ولا قدرة المقتدر لا تقوى على حجب الحقد، ولا موهبة الموهوب لا تحتمل اعتساف الحَكْر...
وتبحث همَّة الباحثين عن مدى وجود الرضاء في نفوس الناس، وينسى البحث عنصر الإنسان ذلك الذي يغوص في بشريَّته بجانبها الدَّاكن، ولا يخلص من قيود شرها، ونزعاته..
سمعتُ من يتساءل:كيف أرضى بعملي.. وفيه لا أجد منفذ حرية لقدراتي، ومواهبي، ولا حضناً لعطاءاتي ونجاحاتي...، ألا ترون الفئران وقد تسنَّمت؟ وأصبحت مواليدَ للجبال؟! ألم يقل العربي: تمخَّض الجبل فولد فأراً؟
قالت: كيف يمكن في هذه المرحلة المتداخلة أن يصفو الرضاء؟!
كلتاهما كانتا تتحدثان...
بينما وضعت كوب قهوتي على طرف مكتبي... وقلت لهما:
لن ينجح النَّاجح، ولا يصل المقتدر، ولا يبرز الموهوب إن وضع رضاه في كفَّة، والآخرين في كفَّة أخرى، فرضاء الناس «غاية لا تدرك».. تلك حقيقة ليست من عواهن الكلام، وهي محصلة تجارب احتكاك بطبائع البشر توصَّل لها الذين أطلقوها وأثبتتها التجارب على كافَّة الأصعدة وفي كلِّ المراحل التي يمرُّ بها الإنسان مع الإنسان... ربَّما يتحقق الرِّضاء عندما يرضى المرء عمَّا يفعل.. ولعمري هذه بذرة الشَّحذ في فتائل الانطلاق...
يبقى النَّجاح، وينتهي الفاعل...
يبقى الأثر، وينتهي البشر...
ربَّما أكون في تلك اللَّحظة قد منحتهما دافعاً للابتسام... فتنهَّدتا.. إيذاناً للرضاء.
|