* القاهرة - الجزيرة :
في حفل تم بحضور دولة رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد والسفيرين السعودي والأمريكي لدى جمهورية مصر العربية، تبرع صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة بمبلغ 10 ملايين دولار لصالح الجامعة الأمريكية بالقاهرة لتمويل إنشاء مبنى للدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية بالحرم الجامعي الجديد، وتأسيس وتشغيل مركز للدراسات والبحوث الأمريكية وهو الأول من نوعه في المنطقة والذي يموله الأمير الوليد.
وكان سمو الأمير الوليد قد اجتمع في وقت سابق من مطلع هذا العام بالرئيس المؤقت للجامعة الأمريكية بالقاهرة السيد توماس بارتليت Thomas Bartlett في مكتب سموه بالرياض، حيث بحثا الاحتياجات الخاصة بالجامعة وتم التوقيع معه مذكرة تفاهم لإنشاء المبنى الجديد وتمويله، وكذلك تأسيس مركز الدراسات والبحوث الأمريكية.
وستقوم السيدة سوزان مبارك بوضع حجر الأساس للحرم الجامعي الجديد في 5 فبراير 2003 في حفل رسمي يحضره سمو الأمير الوليد بن طلال.
ومن المتوقع ان يكتمل إنشاء الحرم الجامعي الجديد في عام 2007 «خلال 4 سنوات»، وسيضم المبنى الجديد والذي سيقام بالحرم الجامعي أقسام الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية، وقاعات للمحاضرات، ومكاتب لأعضاء هيئة التدريس، كما سيضم المبنى أيضاً مركزا متخصصا في الدراسات والبحوث الأمريكية الذي يعد أول مركز من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وسيتم تمويل تكاليف تشغيله من قبل سمو الأمير الوليد.
ويهدف المركز الجديد الذي سيطلق عليه وعلى المبنى الذي يحويه اسم الأمير الوليد بن طلال، يهدف لتقديم دراسات منهجية علمية، وأكاديمية عن المجتمع الأمريكي، وتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والسياسات الأمريكية سواء الداخلية أو الخارجية عبر التاريخ، والعلاقات العربية الأمريكية، كما سيوفر المركز المراجع العلمية اللازمة للباحثين والطلاب في هذا المجال.
وفي المساء شرف صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال حفل العشاء الذي أقامه معالي الأستاذ إبراهيم الإبراهيم سفير السعودية بالقاهرة وبحضور دولة رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد، وعدد من معالي السادة الوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي من سفراء ومسؤولين بالقاهرة، بالإضافة إلى لفيف من رجال الأعمال والصحافة والإعلام.
ويأتي تبرع سمو الأمير الوليد لإنشاء مركز البحوث والدراسات الأمريكية ضمن جهوده لتقريب وجهات النظر بين الشرق والغرب نظراً للحاجة الماسة في المنطقة العربية لتفهم المجتمع الأمريكي والسياسات الأمريكية، وسيتبع هذا التبرع مساهمة مماثلة لسمو الأمير الوليد بن طلال سيعلن عنها في حينها.
الأمير الوليد بن طلال أكد في عدة مناسبات ان تقريب وجهات النظر عن طريق الحوار بطريقة علمية وحضارية تعكس رقي وعمق وأصالة حضارتنا الإسلامية والعربية، كما يحرص سموه على تقييم المفهوم الغربي عن العالم الإسلامي والعربي وبالأخص الثقافة الإسلامية من خلال التحدث مباشرة إلى الغرب وايصال رسالته بطريقة سلسة ومفهومة، ويتجلى ذلك في دعوة سموه في أكثر من مناسبة إلى تقريب وجهات النظر حيث قوبلت دعوته بالتأييد والتقدير من جهات عدة حول العالم.
ومن مساهمات سمو الأمير الوليد في هذا المجال تبرعه بمبلغ مليون دولار لدعم صندوق المبادرة الثقافية العربية والذي يعنى بمخاطبة الغرب ووسائل الإعلام الغربية لتصحيح المفاهيم عن العرب والمسلمين.
كما تبرع سموه بتمويل فيلم وثائقي عن الثقافة السعودية والعربية، وقدم سموه نصف مليون دولار لدعم حملة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية المعروف بCair والتي تهدف إلى تزويد 16 ألف مكتبة عامة أمريكية بكتب موضوعية عن الإسلام والمسلمين، وحياة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
هذا ويدعم سمو الأمير الوليد بن طلال باستمرار جهد المعهد العربي الأمريكي الذي يرأسه السيد جيمس الزغبي والذي يسعى لايصال صورة صحيحة عن العرب في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي شهر يونيو الماضي، تبرع الأمير بن طلال بنصف مليون دولار لصالح صندوق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب للمنح التعليمية في أكاديمية فيليپس Phillips Academy بمدينة أندوفر Andover بولاية ماساتشوستس Massachusetts الأمريكية. ويعني هذا الصندوق بتقديم المنح التعليمية لنخبة من الطلاب المتميزين والمتوقع لهم مستقبل قيادي في حياتهم العملية والعلمية.
وإضافة إلى هذه البرامج التي دعمها سمو الأمير الوليد هناك العديد من البرامج التي يقوم سموه بدعمها وتشجيعها من أجل تقريب وجهات النظر والتواصل مع العالم الغربي وإبراز الجانب المشرق للحضارتين الإسلامية والعربية.
وفي الصفحات التالية تجدون النص الكامل لكلمة صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود والتي ألقاها سموه بهذه المناسبة:
دولة رئيس الوزراء، صاحب السعادة السفير الأمريكي، صاحب السعادة السفير السعودي، الدكتور بارتليت، أعضاء مجلس الأمناء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، السادة الضيوف، السيدات والسادة..
أتيت اليوم لأؤكد لكم التزامي برسالة الجامعة الأمريكية بالقاهرة بدعمها في دفع مساعيها المتميزة على صعيدين مهمين: الأول هو إنشاء مبنى جديد للدراسات الإنسانية والاجتماعية بحرم الحامعة الأمريكية بالقاهرة (HUSS) الذي صمم ليضم كل الأقسام الأكاديمية في هذين المضمارين، ويسعدني بصفة خاصة ان الأنظمة المنضوية تحت هذين المضمارين، العلوم الإنسانية والاجتماعية، أصبحا الآن قريبين من بعضهما البعض، كما أعتز بقيام مجلس الأمناء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة باطلاق اسمي على هذا المبنى.
أما المشروع الثاني الذي يسعدني تدشينه هو تأسيس مركز الدراسات والبحوث الأمريكية (CASAR) في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (AUS)، والذي سيكون الأول من نوعه في العالم العربي، وبمشيئة الله أتمنى افتتاح المزيد من المراكز المرادفة في أجزاء أخرى من العالم العربي وبما فيها بلدي.
ولطالما فكرت بأنه من غير المعقول ألا يكون هناك أي مركز أبحاث معتمد متخصص في دراسات الولايات المتحدة الأمريكية، وهي البلد الذي لازال له التأثير الأكبر على حياتنا في العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، والاجابة الوحيدة التي توصلت إليها هي احساسي بأن الكثيرين من العرب يعتقدون خاطئين بأنهم على معرفة جيدة بالولايات المتحدة الأمريكية.
فالكثيرون من العرب درسوا وسافروا وعاشوا في أمريكا، كما فعلت أنا، ومنهم من ولد هناك، كما ولد ابني، ومنهم من تزوج من هناك، وكثيرون أيضاً تأثروا بنمط الحياة الأمريكية وتبنوا بعض مظاهرها، وكما هو الحال في جميع بقاع العالم، فإن العالم العربي تشبع في عصر الانتشار التسويقي والنمو المضطرد للاتصالات بالكثير من المنتجات التسويقية الأمريكية التي غمرت أسواقنا الاستهلاكية وتغلغلت في حياتنا، فجميعها مألوفة لدينا: مؤسسات الأطعمة السريعة، ومطاعم البيتزا والهمبورجر، وهوليوود وأفلام التلفزيون ونجومها، وموسيقى البوب وأغاني الروك آند رول، وغيرها الكثير، وللأسف، فإن التعود على اتباع هذا النمط من الثقافة الأمريكية خلق تشويشا ووهما في الدراية بالعناصر التي شكلت هذه الثقافة كالتاريخ والمؤسسات والسياسات العامة للولايات المتحدة. إنني اتساءل كم شخصا في العالم العربي قرأ التقارير الفيدرالية أو الدستور الأمريكي، أو خطبة لينكولن في جيتزبورج، أو بعض الآراء الهامة للقضاة مثل جون مارشل أو أوليفر هولمز، كما نتساءل كم منهم على دراية ببعض تفسيرات التاريخ الأمريكي، أو التحليل الدقيق للحكومة كما قدمه السيد اليكسيس دو توكوفيل ولورد برايس، وكم منهم يعلم ماذا يمثل إعلان مونرو، أو حتى دور ووظيفة بنك الاحتياط الفيدرالي.
كما اتساءل أيضاً من منا في العالم العربي يعرف كيف تعمل الأحزاب السياسية الأمريكية وطريقة عمل مجموعات اللوبي، أو كيف تتفاعل حكومات الولايات المتحدة المحلية مع النظام الفيدرالي، أو كيف يشرع القانون في الكونجرس، أو كيف تعمل الرئاسة في أمريكا، الإجابة بالطبع واضحة، فهم قلة قليلة، وكيف نتوقع ان يكونوا كثرة وليس هناك ما يستحق الذكر فيما تتضمنه مناهجنا الدراسية عن الولايات المتحدة الأمريكية على جميع المستويات بما فيها الجامعات؟ حتى الذين درسوا في أمريكا عادة ما يفتقدون التأهيل الكافي في التاريخ والأدب وعلم الاجتماع والسياسة الأمريكية، وأجدهم في بعض الأحيان يعممون آراءهم السطحية وغير الدقيقة على السياسة والمجتمع الأمريكي ككل مما يثير العجب.
سيداتي سادتي، إن العلاقة بين العالم العربي والولايات المتحدة المتحدة على درجة كبيرة من الأهمية لكلا الطرفين مما يستوجب منع هذه المغالطات من الاستمرار، لذا فقد دعوت إلى تأسيس هذا المركز المتعلق بالبحوث والدراسات الأمريكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لمحاولة تصحيح الوضع الحالي، وفي اعتقادي فإن هذا المركز سيتعدى النشاطات الأكاديمية إلى برامج تتعلق بالمجتمع ككل من خلال ورش العمل والندوات ومحطات التلفزيون والمطبوعات المختلفة، وغير ذلك، فالعملية التعليمية يجب ألا تقتصر على السياسيين وأصحاب القرار فقط، بل لابد ان تمتد إلى الشباب لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تكون لديهم عن المجتمع والحياة الأمريكية.
والمهمة ليست بالبسيطة، وحتما تفوق قدرات شخص واحد، وحتى تكون فاعلة ومؤثرة، علينا ضم أكبر عدد ممكن من المواهب والموارد، أملي بأن ينضم إلينا ذوو النوايا الحسنة من العرب والأمريكان من كلا القطاعين الخاص والعام لتحقيق هدفنا.
ولكن إذا كانت المفاهيم الخاطئة عن الولايات المتحدة الأمريكية هي السائدة لدى الكثير في عالمنا العربي فإن الحال ينطبق على أمريكا وأوروبا في فهمهم الخاطئ للعالم العربي والإسلامي، ونحن نعلم ذلك منذ سنوات، ويتضح ذلك جليا في تعليقات الصحفيين والكتاب والسياسيين، وحتى عامة الشعب في الآونة الأخيرة، وبعض هذه التعليقات لا تقلل فقط من شأن ثقافتنا وحضارتنا بأكملها، بل تهمش وتسيء إلى المبادئ التي نؤمن بها، ولست بحاجة للاستشهاد بأسماء معينة لأنني على يقين بأنكم جميعا على معرفة بما أتحدث عنه.
وفي محاولة لدحض هذه الأفكار، أنشأت مؤخراً صندوق لمنح تعليمية في جامعة اكزتر Exeter في المملكة المتحدة لمساعدة طلبة بلدان الاتحاد الأوروبي وأمريكا للسفر إلى العالم العربي من أجل الدراسة والبحث، والهدف هو منح قادة المستقبل في مجتمعاتهم فرصة لتعميق معرفتهم وتفهمهم لمجتمعات العالم العربي والإسلام.
ولتحقيق ذلك، فتحنا باب النقاش مع عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إنشاء مركز مرادف لهذا الذي قمنا بإنشائه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنا، كما تعلمون، أؤمن بمدّ جسور الحوار بين الولايات المتحدة والعالم العربي وبالطبع فإن الجسر لابد ان يقوم على ركائز من الجانبين لدعمه، وبإنشاء هذا المركز بالجامعة الأمريكية بالقاهرة نكون قد قطعنا نصف الطريق، ونأمل إن شاء الله في اتمام هذا المسار على الجانب الآخر. قبل ان اختم كلمتي هذه، أود التنويه إلى ان هناك مغزى آخر أكثر أهمية مما يتصوره البعض من إنشاء هذا المركز، فتأملوا معي قليلا، ها أنا سعودي الجنسية وأحد أفراد العائلة المالكة السعودية أقوم بإنشاء أول مركز «ضمن مشاريع مستقبلية مماثلة» للدراسات والبحوث الأمريكية في مصر التي تعد أكثر البلدان العربية أهمية وتعدادا للسكان، وبعملي هذا أقوم بتأكيد العلاقة الاستراتيجية الثلاثية التي تجمع السعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية والتي يجب ان تستمر، فالعلاقات السعودية المصرية تاريخية ومعروفة والعلاقات التي تجمع الشعبين عميقة وتمتد إلى العرق والدم، فكلتا الدولتين عملت على تأكيد استقرار الأوضاع في المنطقة، الأمر الذي يعد أحد المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة منذ زمن بعيد. وللوصول إلى هذا الهدف المشترك، عملت هذه الدول الثلاث على تنظيم سياساتها لتجنيب منطقة الشرق الأوسط مخاطر كثيرة، وكما هو الحال بين أي أصدقاء وحلفاء مقربين، فإن الاختلافات لابد وان تظهر بين حين وآخر، ولكن دون التخلي عن أساسيات هذه العلاقة، فلكل من الدول الثلاث استقلاليتها التي لا تستطيع ان تستغني عنها، وشاء القدر ان يجمعهم معاً في «أفضل أو أسوأ الظروف، وفي أغنى الأحوال أو أفقرها»، فلا مجال للهروب من هذا القدر، وأفضل وسيلة لتجنب الحساسيات كما هو الحال في أي علاقة، هو ان يتعامل كل منهم مع الآخر باحترام وتقدير وبشكل عقلاني حتى يمكن اكتشاف القواسم المشتركة التي يمكن ان تشكل قاعدة صلبة لبناء علاقات دائمة ومستمرة، ولهذا السبب، فقد قررنا تأسيس مركز الدراسات والبحوث الأمريكية هذا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليكون أول مركز نقوم بإنشائه ضمن مشاريع مستقبلية مماثلة للحفاظ على هذه العلاقة على المدى البعيد.
|