* بغداد - د.حميد عبد الله:
يوم دخلت العلاقة بين الحكومة العراقية والحزب الشيوعي العراقي في طريق مسدود عام 1979 كان الدكتور مكرم الطالباني عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ووزيرا للنقل والمواصلات ضمن التشكيلة الوزارية التي تضم الى جانب البعثيين وزراء شيوعيين واكراداً ومستقلين.
وبينما غادر كوادر الحزب الشيوعي العراق بما في ذلك أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي ظل مكرم الطالباني محتفظا بمنصبه؛ ومحتفظا في الوقت نفسه بعلاقات طيبة مع قيادة حزب البعث ومع الرئيس صدام حسين شخصيا الذي كان آنذاك نائبا للرئيس.
عرض الطالباني مساعيه الحميدة لاصلاح ذات البين بين القيادة العراقية والحزب الشيوعي وكان وسيطا مقبولا من الطرفين، فذهب الى موسكو حاملا معه مساعيه ونواياه الطيبة التي كادت ان تسفر عن نتائج مرضية لولا ان الفرصة قد ضاعت ولم يعد التمسك بها ممكنا اثر تداخلات ما كان مقررا لها ان تكون.
ظلت الحكومة العراقية متمسكة بالوزيرالشيوعي لكن الرجل آثر ان يلزم منزله بعيدا عن الاحزاب والمناصب فاستقال من الوزارة.. ومن الحزب.. وظل طيلة ما يقرب من ربع قرن شخصية مرموقة.. ذات كلمة مسموعة.. ورأي رصين.. يسمعه الجميع باحترام.. ويتعامل هو مع الجميع بحيادية ولكن بحس وطني عميق.. ورؤية مؤداها ان مصلحة العراق هي أعلى من كل الخلافات والاختلافات.
الشيوعيون على علم بثورة 17 تموز
* سألت الدكتور الطالباني هل كان الحزب الشيوعي يعلم بنية حزب البعث للوصول الى السلطة في تموز 1968؟
نعم، كنا نعلم بذلك، فقد ابلغني المرحوم أحمد حسن البكر في حزيران 1968 بأن حزب البعث عقد العزم على الإطاحة بحكم عبد الرحمن عارف وأراد ان يعرف مدى استعداد الحزب الشيوعي للمشاركة في الثورة او معرفة موقفه منها على الاقل.
* وماذا كان موقف الحزب الشيوعي؟
رحبنا لكن بتحفظ؛ وسبب التحفظ يعود لما شهدته العلاقة بين الحزبين من خلافات عميقة عبَّرت عن نفسها بصفحات دامية في فترات معينة.
* ولماذا لم يفكر الشيوعيون بأخذ زمام المبادرة والقفز الى السلطة؟
لم يكن الحزب الشيوعي مؤهلا لذلك.. لأنه كان ضعيفا.. وكان تأثيره في الجيش محدودا.. ولا اعتقد ان الحظ سيحالفه للوصول الى السلطة لو أقدم على هكذا محاولة؟
* هل قرأت مذكرات الشيوعيين العراقيين؟
قرأت مذكرات زكي خيري وبهاء الدين نوري.
* وهل كانت دقيقة؟
مذكرات زكي خيري كانت مجرد استعراض تاريخي للأحداث من غير تحليل يتناسب مع دور زكي خيري وتاريخه الحزبي الطويل حيث أمضى اكثر من 60 عاماً في الحزب الشيوعي.. لكن مذكراته رغم ذلك.. كانت مفيدة. اما بها الدين نوري فان مذكراته مليئة بالمغالطات والمبالغات، فقد وصفني مثلا بأنني من (شيوعيي الصالونات) كما كان يصفهم مؤسس الحزب الشيوعي فهد، وقد أجبته بأنني امضيت أكثر من 13 سنة في السجون وليس في الصالونات وهذه الفترة هي أطول من العمر الحزبي لبهاء الدين نوري.. ثم ان مؤسس الحزب الشيوعي العراقي فهد هو الذي كسبني للحزب.
* بمناسبة ذكر.. فهد هل التقيت به شخصيا؟
نعم، التقيت به عام1943 في احد بيوت الكرادة، وأتذكر انه لم يدخل البيت من الباب بل قفز من السياج.. وكنت في حينها طالبا في الصف الثالث من كلية الحقوق وعندما تخرجت محاميا عام 1943 كنت من بين المحامين الذين دافعوا عن فهد ورفاقه في المحكمة.
بريما كوف والأكراد
* هل اطلعت على كتاب عامر عبد الله (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي) الذي يصف فيه انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه (ضرورة تاريخية)؟
نعم، قرأته.. ووصف عامر عبد الله ب(المرتد) وما زلت أراه هكذا.؟
* وما هي اسباب ارتداده برأيك؟
أعتقد ان عامر عبد الله أراد ان يجامل بريما كوف اللذين تربطهما صداقة طويلة.. وبريماكوف كما هو معروف احد عرابي البيروسترويكا التي أدت الى انهيارالاتحاد السوفيتي.. وكان قد عمل في العراق فترة طويلة في عقد السبعينات..؟
* وهل تربطك علاقة ببريماكوف ؟
- نعم، أعرفه عن قرب وقد قال لي عام1970 انه شاهد الوفد الكردي الذي جاء الى بغداد للتفاوض مع الحكومة العراقية يغادر مقر سكناه في القصر الابيض قافلا الى شمال العراق.. وقد طلب مني بريماكوف ان انصح مسؤولي الوفد الكردي ألا يغادروا بغداد جميعا، بل يبقى بعضهم ويذهب البعض الآخر لاستشارة مصطفى البرزاني وفعلا تحدثت مع ادريس ومسعود البرزاني اللذين كانا ضمن الوفد وقد وافقا وبقي عدد من أعضاء الوفد في بغداد بانتظار رد الملا مصطفى.
ماذا يريد الأكراد؟
* علاقاتك مع الشيوعيين العراقيين هل بقيت مستمرة أو انقطعت؟
- علاقاتي ممتازة مع جميع الأطراف.. والحكومة العراقية على علم باتصالاتي مع المعارضة ومع الفصائل الكردية والرئيس صدام حسين أمر بتزويدي بجواز دبلوماسي.. ولقاءاتي معه مستمرة؟
* متى التقيت جلال الطالباني آخر مرة؟
* ألا ترى ان جلال قد اندفع كثيرا في تأييده للأمريكان؟ ألا تعتقد ان دعوته لانشاء قواعد في شمال العراق تشكل إخلالا بوطنيته ؟
- جلال لم يدع الى إقامة قواعد امريكية.. ولم يصرح بدعمه للامريكان اذا ما ضربوا العراق.. لكن تصريحاته شوهت كثيرا.. وقد قال لي بصريح العبارة ان مشكلة الأكراد تحل بالحوار مع الحكومة العراقية فقط وليس مع أية جهة اجنبية.. وأعلن عن استعداده للحوار مع الحكومة فورا ومن دون شرط.. بل ان مسعود البرزاني وجلال الطالباني رفضا وجود عسكريين معارضين للحكومة العراقية على ارض كردستان.
* وما هي مطالب الأكراد؟
- الأكراد يريدون حكومة فيدرالية.. والحكومة تريد حكماً ذاتياً.. ولكن هذا لا يعني ان تقريب وجهات النظر بين الطرفين بات ضربا من المستحيل.. بل ان هناك الكثير من الحلول ومن بينها انشاء نظام أشبه بالنظام القائم في جيكسلوفاكيا السابقة، حيث هناك ثلاث صلاحيات.. صلاحيات للحكومة المركزية.. وأخرى للحكومة المحلية وثالثة للحكومة المشتركة.. وقد دعوت الى هذا المشروع وما زلت ادعو له..
التحدي الخارجي والوحدة الوطنية
* ما الخيار الأمثل للتعامل مع التهديدات الأمريكية؟
- أنا أصف وضع العراق أشبه بمن يحتمي بقلعة وهذه القلعة مهددة بخطر خارجي، عليه أولا ان يغلق كافة المنافذ في القلعة ليمنع تسلل الخطر الى داخلها، وأولى الثغرات التي علينا ان نغلقها هي حل الخلافات والتناقضات بين القوى الوطنية.. وذلك يتم عبر مؤتمر وطني تشترك فيه جميع قوى المعارضة الوطنية؟
* وهل هناك معارضة وطنية وأخرى غير وطنية؟
- نعم، لو أجرينا فرزا دقيقا لأطياف المعارضة لوجدنا ان بعضها يعمل ضمن خيمة الانتماء الوطني العراقي. وبعضها مرتبط بقوى الاستعمار.. وهذا المؤتمر كفيل بتحقيق وحدة وطنية رصينة ومتماسكة.. فليس هناك من خيار امام جميع القوى الوطنية سوى التخندق مع النظام الوطني في العراق في مواجهة الهجمة الاستعمارية الأمريكية على ان يكون الجميع شركاء في التضحيات وشركاء في الحقوق أيضا.
الأكراد من جانبهم أبدوا استعدادهم للحوار مع القيادة في العراق.. وهم مؤمنون ان الطريق الوحيد لحل القضية الكردية هو بالحوار الهادئ المعمق مع حكومة بغداد بعيدا عن تأثيرات القوى الأجنبية.. واعتقد ان بإمكان الحكومة العراقية توظيف المقاتلين الاكراد الذين يبلغ عددهم 700 ـ800 ألف مقاتل والاستفادة منهم كفيلق مدرب تدريباً عالياً في مواجهة القوات الغازية بعد ربط هذا الفيلق في وزارة الدفاع والاشراف عليه.
ان التناقض الرئيسي في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق لم يعد بين المعارضة والنظام السياسي، بل بين القوى الوطنية مجتمعة وبين الاستعمار، وعندما يتحول التحدي الى خطر داهم يهدد مصير الوطن فان كل التناقضات الثانوية تعلق ويتمترس الجميع في قلعة الوطن الحصينة إن شاء الله.
* هل الحرب باتت خيارا محتوما؟
الاستعمار بطبيعته يحتاج الحرب في كل المراحل، فإنتاج الاسلحة هو جزء من نشاط رأس المال، وهذا الرأسمال لا بد ان يجد له سوقا للتصريف مقابل الحصول على امتيازات ومغانم
|