اجرى الحوار جاسر عبدالعزيز الجاسر
هادي عمر مستشار سياسي واقتصادي، عربي أمريكي، بارز عمل مديرا عاما لحملة آل غور الانتخابية الرئاسية الماضية لشؤون الأقليات العرقية.
كما عمل في البنك الدولي مستشارا اقتصاديا وله خبرات طويلة في العالم العربي، ويعمل حاليا مستشارا سياسيا واقتصاديا مستقلاً، والسيد هادي يزور المملكة هذه الايام. ومن اجل معرفة الصورة في أمريكا من وجهة نظر أمريكية عربية، التقت «الجزيرة» به وسألته..
** بعد مرور أكثر من عام على احداث 11 سبتمبر، كعامل في المجتمع الأمريكي بصفة عامة وبصفة خاصة بين الأمريكيين العرب، هل ترون ان مساحات الكراهية التي بدأت بعد احداث 11 سبتمبر انحسرت، وماهي التابعيات ومستقبل العلاقة داخل المجتمع الأمريكي بين الاعراق المختلفة؟
دعنا نستعرض اولاً المعلومات الاساسية، كما تعرفون هنالك 3 ملايين أمريكي من اصل عربي.. مليونان منهم من المسيحيين العرب ومليون من المسلمين، اضافة الى حوالي ثلاثة ملايين مسلم من اصول اخرى، اصول افريقية، آسيوية، والأمريكيين الافارقة، يمنع القانون في الولايات المتحدة الاستفسار عن الدين، ولذلك لاتوجد معلومات دقيقة عن الأمريكيين العرب، وتوضح هذه الخريطة «المنشورة مع الحديث» اماكن تمركز العرب الأمريكيين وهي ولايات ميشيغن، فلوريدا، اوهايو، نيوجرزي، كاليفورنيا، ايلينوي، بنسلفانيا، فيرجينيا، وتسمى في الولايات المتحدة بالولايات المرجحة في الانتخابات الرئاسية، وهي نفس الولايات التي يتواجد فيها الأمريكيون العرب بأعداد كبيرة.
في انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2000، طلب مني آل غور، المرشح الرئاسي، ان اقوم بمهام المدير العام لحملته الانتخابية للأقليات العرقية، وشغلت منصب أعلى مسؤول عربي في حملة آل غور الانتخابية، في نفس الوقت، شغل صديقي خالد صفوري نفس المنصب في الحزب الجمهوري، من المؤكد ان لخالد علاقات جيدة داخل البيت الابيض الآن وداخل الحزب الجمهوري كما لدي ايضا علاقات جيدة داخل الحزب الديمقراطي، ما اود ان اخلص اليه هو ان الأمريكيين العرب قاموا بدور اساسي في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية الماضية، وقبل احداث 11 سبتمبر، تزايد تأثير الأمريكيين العرب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبعد احداث 11 سبتمبر مباشرة اتصل البيت الابيض بخالد صفوري طالبا منه ترتيب اجتماع بالأمريكيين العرب ليتحدث اليهم الرئيس بوش في المركز الاسلامي في واشنطن، وفي الواقع دعا الرئيس بوش معظم وسائل الاعلام الأمريكية القومية لكي يتحدث لعموم الشعب الأمريكي من المركز الاسلامي، ان الولايات المتحدة ضد العنصرية، وانا شخصياً لم اتوقع ابدا ان ارى في حياتي رئيسا أمريكيا يخاطب كافة الشعب الأمريكي من مسجد، وهذا يعد تطوراً كبيراً في الحياة السياسية الأمريكية.
مثال آخر، اثناء احداث 11 سبتمبر كنت اعمل في حملة المرشح لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، مارك وارنر، وجرت الانتخابات بعد شهرين فقط من احداث 11 سبتمبر، وقد سألني المرشح، ماذا استطيع ان اقدم لجعل حياة الجالية الأمريكية العربية والاسلامية مريحة في ولاية فيرجينيا، التي 2 في المئة من سكانها من اصل عربي 5 ،1 من المسلمين غير العرب، اقترحت عليه ان يتصل بهم في المساجد حيث يوجد في الولاية 37 مسجدا، وبالفعل قام المرشح وارنر بزيارة معظم تلك المساجد، واقترحت عليه ثانية، ان يقوم بشيء لم يسبقه اليه احد في التاريخ الأمريكي، وهو ان يخصص له موقعا على شبكة الانترنت باللغة العربية.
في رأيي، منذ احداث 11 سبتمبر، قام السياسيون الأمريكيون بجهد كبير للاستماع الى آراء وجهات نظر الأمريكيين العرب، كما انه كانت هناك صعوبات ونكسات للجالية الأمريكية العربية والمسلمة، في البداية، كان الأمريكيون العرب مسرورين جدا بالطريقة التي تحدثت بها ادارة الرئيس بوش ضد العنصرية، الا انه في العام الماضي، تكشف لنا الامر وأصابتنا خيبة امل من اجراءات وزارة العدل في استجواب الأمريكيين العرب، وقد قمنا باستطلاع للرأي في اكتوبر 2001، وظهر ان 90 في المئة من الأمريكيين العرب كانوا مقتنعين بأداء ادارة الرئيس بوش تجاه احداث 11 سبتمبر، وبعد عام، في اكتوبر 2002، انخفض التأييد الى 46 في المئة فقط، وهذا يظهر ان الأمريكيين العرب اصابتهم خيبة امل كبيرة من سلوك ادارة الرئيس بوش، وهي توضح، ما اسميه بالمحاسن والمثالب والفرص المتاحة، فقد شاهدنا اشياء ايجابية من ادارة بوش، مثل مخاطبة الشعب الأمريكي من المركز الاسلامي، كما شاهدنا، في نفس الوقت، اشياء اصابتنا بخيبة امل في ادارة بوش، مثل كثافة استجواب واعتقال العرب والمسلمين، اما الفرصة المتاحة فهي ان الأمريكيين العرب، ولاسيما قادة الرأي العام منهم، لم يتح لهم في الماضي المجال الكافي لنقل وجهات نظرهم لاعضاء الكونغرس، وهيئة موظفيهم حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط، كنا نستجديهم لاجتماع معنا والاستماع الى وجهات نظرنا، لكن الان هم الذين يتصلون بنا دوما للتعرف على وجهات نظرنا وآرآئنا، انقلبت الصورة تماما، ولا اقول، بالرغم من انهم يستمعون الينا، انهم ينفذون ما نقوله لهم، فعلى الاقل هم يستمعون الينا الآن.
** من دون الدخول في السياسات الحزبية، هل ترى في وجود تيار محافظ والى حد ما يميني التوجه يحكم امريكا يقف خلف هذه الحالة العدائية ضد العرب والمسلمين في امريكا؟
اعتقد، وللأسف، ان كثيرا من بيانات اليمين المسيحي كان لها اثر في نظرة الأمريكيين تجاه العرب والمسلمين، وفي نفس الوقت، هناك اثر معاكس لبيانات متكررة صدرت من الرئيس بوش ووزير الخارجية كولن باول بأن الأمريكيين العرب والمسلمين هم جزء من نسيج المجتمع الأمريكي، ولا يجب ممارسة اي نوع من التمييز ضدهم، واعتقد ان كليهما يؤثران على الوضع.
** لكننا نلاحظ ان المسلمين وحدهم هم المتأثرون بتسجيل اسمائهم، وتصويرهم واخذ بصماتهم عند دخول الولايات المتحدة، واجراءات ادارة الهجرة الأمريكية في مجملها موجه ضد طبقة معينة فقط؟
هذا صحيح، وهي سياسات ادارة بوش التي لاترضينا، لكن اذا ما لاحظتم ان جميع هذه الاجراءات هي اجراءات اتخذتها وزارة العدل الأمريكية، بيد انه في نفس وزارة العدل هناك قسم، قسم الحقوق المدنية، يعارض هذه الاجراءات، واقدم لك نشرة صادرة عن هذا القسم باللغة العربية والانجليزية، تطلب من العرب والمسلمين ابلاغ القسم عن اية تفرقة او انتهاك لحقوقهم من قبل اي شخص او موظف او حتى من قبل الحكومة الفدرالية.
** نتابع الآن ان الحملة الاعلامية، الى حد ما، خفت حدتها قليلا، لاسيما ضد المملكة العربية السعودية، هل هي كانت افرازاً لما حدث في 11 سبتمبر ونمو العداء الى حد ما ضد العرب والمسلمين في امريكا، او انه يندرج ضمن مخطط ما يسمى بمكافحة الارهاب، وهل هنالك دوائر وجهات لها مصلحة في ايجاد حالة من العداء بين امريكا والسعودية؟
اعتقد انه بسبب كليهما، اولاً: هي ردة فعل لأحداث 11 سبتمبر، فقد شعر الأمريكيون بأنهم هوجموا في ديارهم، تخيل ان شخصا ما دخل منزلك وقتل احد ابنائك، فقد تضع في اليوم التالي شبكة إنذار في منزلك، وفي نفس الوقت، اعتقد ان ما جعل هذه الاحداث تجلب بعض المصاعب في العلاقات السعودية الأمريكية هو عدم وجود، ولعقود طويلة، ما اسميه بالتواصل الايجابي النشط والتفاعل مع النظام السياسي الأمريكي من قبل السعوديين، ما اقصده هو ان رجال الاعمال السعوديين والمجتمع المدني السعودي لم يعملا مع الكونغرس والاعلام الأمريكي، وهو ما سمح بانقلاب النظام الأمريكي ضد علاقات المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
قامت السفارة السعودية في واشنطن بعمل جيد على مستوى علاقاتها بوزارة الخارجية والبيت الابيض، لكن، في رأيي، ذلك يشكل فقط 5 في المئة من العمل الذي يجب ان يتم، الدول التي لديها علاقات ناجحة مع الولايات المتحدة وقائمة على اسس قوية، مثل فرنسا، اسرائيل، المكسيك، لاتعمل الحكومة وحدها في تعزيزها وتقويتها، فالمجتمع المدني كله من مدرسين وصحفيين واطباء يعمل في شكل مواز في تقوية الروابط وعلاقات التبادل، اعرف ان آلاف الطلاب السعوديين درسوا في الولايات المتحدة، وعاد كثير منهم بعد اكمال دراساتهم الى وطنهم، لكن المشكلة هي انهم لم ينخرطوا ابدا في الحياة السياسية الأمريكية، وهذا هو مكمن الخطأ، مثلاً، فرنسا لديها برنامج لنشر اللغة الفرنسية، وهذا البرنامج موجود في كل البلدان، إلا ان اكبر برنامج لنشر اللغة الفرنسية موجود في الولايات المتحدة، لماذا، وفرنسا الدولة الاوربية والتي لديها علاقات طيبة مع امريكا؟ حتى فرنسا شعرت انه يجب الاستثمار في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
المشكلة هي ان العرب يقولون لدينا سفارة في واشنطن وهي تهتم بتقوية العلاقات، لكن مهم جدا ان تقوم علاقات على المستوى العام، على مستوى رجال الاعمال، اساتذة الجامعات، وأئمة المساجد، يجب ان يكون هنالك تعاون وعلاقات بينهم وبين الأمريكيين، وهذا امر ضروري، لماذا؟ علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة متطورة، لأن هنالك دائما طلاباً وصحافيين اسرائيليين يزورون الولايات المتحدة بشكل منتظم.
مثال آخر، في حملة آل غور الانتخابية، كنت اعمل في المكتب الرئيسي، زارنا صحفيون فرنسيون وصينيون وكوريون ويابانيون للاطلاع على سير الحملة الانتخابية، كما زارنا حوالي 15 صحفياً من اسرائيل ولم يزرنا ولا صحفي واحد من العالم العربي، يأتي الناس من كل اصقاع العالم ماعدا العالم العربي، لماذا؟ السفارات في واشنطن هي فقط التي تعمل على تطوير التعاون، كل فرد عربي ومسلم يجب ان يسأل نفسه، كيف لي ان أوثر على العلاقات.
** رياح الحرب تهب الآن على المنطقة وكل الدلائل تشير الى ان امريكا وبريطانيا وبعض الدول تضغط تجاه الحل العسكري، وبما انك تعيش في اجواء العاصمة الأمريكية في واشنطن، في تقديرك، ماهي فرص نجاح الحل السلمي أو الإصرار للجوء الى الحرب؟
أولاًَ: لا اتحدث هنا بصفة عضو داخل سياسة بوش، نعم انا اعيش في امريكا وانتمي للحزب الديمقراطي، وكل معلوماتي هي من الصحف ووسائل الاعلام الاخرى، لكن سأقدم لك قراءة الحزب الديمقراطي الأمريكي، يشعر كثير من اعضاء الحزب الديمقراطي، ان ادارة بوش تدفع نحو تصعيد الازمة كوسيلة لتحويل الانتباه عن المشاكل الاقتصادية والفساد في الشركات الأمريكية، وسمعت بعض الناس في الشرق الاوسط يقولون ان هذه وسيلة غير ديمقراطية، وردي هو ان هذه الظاهرة شيء عادي وغير مستغرب في العالم العربي ويستغل كثير من الزعماء العرب القضية الفلسطينية لتحويل انتباه شعوبهم عن المشاكل الداخلية، قد يكون الرئيس بوش تعلم من الزعماء العرب، بيد انني اعتقد انه في الوقت الحالي قد يكون من الصعب على ادارة بوش ألا تذهب للحرب، لماذا؟ لأننا نسمع ونقرأ في الصحف صباح مساء هجوم ادارة بوش على الرئيس صدام حسين وبالكثافة التي نراها ولا تذهب في النهاية للحرب قد يكون هذا امرا صعبا، كما يوجد في الخليج الان حوالي 150 الف جندي أمريكي، وهي تقوم بتغطية نفقاتهم يوميا، لكنني ارجع واقول ان الحرب ليست حتمية لكنها صعبة بعض الشيء على المستوى السياسي في الانتخابات القادمة.
** لكن ماهو موقف الشعب الأمريكي اذا لم يكن هناك سبب رئيسي يدفع بوش الى الحرب، ينفذ العراق الآن مطالب المفتشين وكل تقاريرهم ايجابية، اضافة الى معارضة من فرنسا وروسيا والمانيا وسوريا والصين، كيف يكون موقف الشعب الأمريكي ورئيسهم يصر على خوض الحرب؟
اعتقد ان عدم وجود مبرر مقنع هو سبب عدم وجود تأييد كاف للحرب في الولايات المتحدة، لكن المشكلة تكمن في ان الدول العربية اثناء العشرين سنة الماضية لم يقوموا بأي جهد او استثمار في العلاقات مع وسائل الاعلام وهيئة موظفي الكونغرس او لنقل آرائهم بصورة فعالة، ان بناء علاقات طيبة ومباشرة مع المجتمع المدني الأمريكي هو كما انك تزرع شجرة ولا تحصل على ثمارها إلا بعد عشرة او عشرين سنة واثناء كل تلك السنوات انت تقوم برعايتها، كان على الأمريكيين العرب ايضا بذل جهد اضافي ولابد ان نتعاون جميعا لتعزيز العلاقات.
** إذا ما أصر الرئيس بوش وتمت حرب فعلية، هل تعتقد ان تكون لها معارضات قوية كالتي نشاهدها الآن من مظاهرات في المدن الأمريكية، واذا طالت الحرب، هل يمكن ان تقود الى حالة شبيهه بفيتنام ثانية؟
علينا ان نتذكر قبل 12 سنة في حرب الخليج لتحرير الكويت، كانت هناك مظاهرات مناهضة للحرب حجمها اكبر بكثير من المظاهرات الحالية، وقبل اسبوعين من بداية تلك الحرب، قامت مظاهرة كبيرة في واشنطن شارك فيها نصف مليون شخص، حاليا لانرى مثل تلك المظاهرات، عادة في بداية الحرب، في الاسبوعين او الثلاثة الأولى، لاتجد معارضة قوية للحرب، وتتطور المعارضة للحرب غالبا بعد مضي عدة شهور على نشوبها، ولا اظن ان الحرب ضد العراق تستغرق كل تلك المدة، أقصى مدة قد تكون لستة أشهر، ومن قراءتنا لطبيعة شخصية المواطن الأمريكي، نرى انه لم تكن هنالك معارضة قوية للحرب في افغانستان التي استغرقت حوالي شهرين، وفي حرب الخليج السابقة حدث نفس الشيء، اعتقد ان مستوى صبر المواطن الأمريكي قد يمتد لبعض شهور.
|