الجامعة العربية ماتت في صدر كل عربي ولم يبق منها إلا أطلالها تلوح على مجرى النيل، وضع الجامعة العربية لا يسر القريب ولا حتى البعيد، الجامعة العربية تتفرج على أشلاء الجسم العربي وهو يتمزق قطعة قطعة.
الأمة العربية وصلت إلى وضع من التردي لم تصل إليه في تاريخها حتى في وقت الاستعمار لم تصل إلى هذا الوضع، فالاستعمار بث فيها روح المقاومة.
وفي وقت الاستعمار أنجبت الأمة أبطالاً يقاومون الاستعمار، وقادة يصنعون من أنفسهم آمالاً لشعوبهم، جميع الدول العربية تحررت من الاستعمار الغازي ولكنها لم تتحرر من التبعية.
الجزائر في عهد الاستعمار قدمت مليون شهيد وها هم الجزائريون بدون استعمار يذبحون بعضهم بعضاً.
فلسطين جرح ينزف تحقيق وعد بلفور ومازال ينزف في جسم الأمة العربية حتى هذه الساعة، ولم تجد من يضمد هذه الجراح، في كل يوم يزداد نزفه. شعبه يذبح في اليوم أربع وعشرين ساعة، وفلسطين قسمت إلى تل أبيب والقدس، والضفة الغربية وغزة. وتعد لها الخطط الجهنمية بتقسيمها إلى كانتونات كثيرة.
أطفال العراق يموتون جوعاً ومرضاً وكساحاً، شعب العراق يموت موتاً بطيئاً من طول الحصار وكثرة التهديدات، الأساطيل الغازية عنه على مرمى حجر.
هذا الزحف بحجمه الهائل وقوة بأسه لا يستعد للعراق فقط بل المقصود به الدول العربية الواحدة إثر الأخرى.
من العار الذي كان يغسله الأجداد في دمائهم أن تنتظم الدول العربية في الطابور إلى حتفها، كل دولة ترى الدولة العربية الأخرى سائرة إلى حتفها والعدو يقول للطابور: (NEXT).
من هذا التقييم للموقف والمراجعة للتاريخ والتنبؤ للمستقبل تحركت السعودية في مبادرتها لاصلاح الوضع العربي.
المملكة العربية السعودية تتقدم في هذه المبادرة والأمة العربية في حلكة العتمة، بل تسير إلى الهاوية. هذا المشروع يحث الدول العربية على الرفض الصريح والقاطع لغزو العراق أوأي بلد عربي آخر. وبالتأكيد لن يقتصر الأمر في الميثاق العربي إذا وقع الميثاق من كل الدول، على الرفض فقط، وان كنت أشك في أن يتم من كل الدول العربية، لأن تاريخ الجامعة العربية منذ انشائها لم يسجل ان اجتمعت الدول العربية على كلمة واحدة، بل بعضهم يحضر ليقول لا (ليفركش) الاجتماع.
وقد استثني اجتماع اللاءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم، عندما التئم شمل السعودية ومصر، وهذه اشارة عريضة لأهمية السعودية ومصر، فتوافقهما وتوحيد مواقفهما له الأهمية القصوى بتحديد مصير الأمة العربية،.
وذلك لما تتمتع بها كلتا الدولتين من بعد روحي وقومي وثقافة تضرب أطنابها في عمق التاريخ، فإذا قالت السعودية: نعم، ومصر: لا، حصل خلل كبير في وحدة الصف العربي، وكذلك سيحصل خلل أعظم في التئام الشمل العربي والإسلامي لو قالت السعودية: لا.
المبادرة السعودية في نظري أو هكذا أتمنى تنطوي على استراتيجية بعيدة الأهداف تتضمن حلولاً جذرية لأمراض الأمة العربية سياسية واقتصادية واجتماعية. بما تنطوي عليه من تكريس لمبدأ العدالة الاجتماعية، من شورية أهل الرأي والعزيمة والاختصاص، وحق التمثيل. واستنبات الأفكار الاقتصادية وتطبيقها على الواقع. ومراجعة مناهج التربية. والدفع بالأسرة أن ترتقي بالتنشئة الإسلامية والعربية والعالمية، والعمل على بناء القوة حتى لا يطمع في الأمة الغريب ولا يستحقرها الجار القريب.
فالمرحلة الأولى في الاستراتيجية العربية هي توحيد المواقف والرؤى من قبل القطبين الكبيرين في الوطن العربي.
المبادرة السعودية في نظري أو هكذا أتمنى تنطوي على استراتيجية بعيدة الأهداف. تتضمن حلولاً جذرية لأمراض الأمة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أما المرحلة الثانية فهي قدرة الأنظمة العربية على تعديل انحراف مسار أي من الأنظمة العربية إذا كان سيجر على كامل الأمة العربية الويل والثبور، واذا استطاعت الأنظمة العربية أن تقول لأي نظام يضر بتصرفاته مصالح الأمة قف عند حدك فستستطيع أن تقول للأجنبي مكانك لا تتحرك.
والمرحلة الثالثة وهي المهمة هي الوقوف كالبنيان المرصوص في وجه أي قوة خارجية تتدخل بالوكالة لحل مشاكل الأمة العربية، والأخذ بيد من حديد لاصلاح كل مشكلة تؤدي في النهاية إلى تدخل الغريب في شؤون البيت العربي.
وإذا لم يقف الوطن العربي وقفة رجل واحد قيادات وجماهير وعلماء دين ومثقفين مسلمين ومسيحيين وكافة القوى العربية على اعتبار المشروع السعودي ميثاق شرف كل عربي وعربية ومطلباً جماهيرياً قبل أن يكون مطلب قيادات ستتداعى الأمم على الوطن حتى يقول العربي: ليت أمي لم تلدني عربياً، وستتسع خريطة اسرائيل السياسية على كافة الوطن العربي حتى يباع العربي عبداً في سوق النخاسة اليهودية.
مشروع ولي العهد السعودي هو ميثاق العرب الشرفاء والأبطال الذين لا يريدون للجيوش العربية أن تتلبس عار الهزيمة ولا أن تتسربل ذل الأسر.
ولم يسجل للأمير العربي عبد الله بن عبد العزيز أن زايد على المواقف العربية أو تفاوض تحت الطاولة وخلف الستار، وليس مؤتمر لبنان عن ذاكرتنا ببعيد، فالأمير يقول نحن وليس أنا.
السعودية علاقتها قوية متينة مع أمريكا، تؤكدها المصلحة المتجذرة منذ سبعين سنة، وإن كثرت الأقاويل وأراجيف المرجفين، إلا أن السعودية لم تساوم على الحق العربي من أجل مصالحها الخاصة رغم أنها مشروعة، فكل ما حصل بين السعودية وأمريكا أو غيرها ممن لها مصالح مستديمة معها هي من أجل القضايا العربية الحساسة كفلسطين أو الكويت أو العراق أو غيرها.
وليس قطع البترول عام 1973 واكتفاء الشعب السعودي بالتمر وحليب النوق عن ذاكرة العربي ببعيدة.
ميثاق الأمير عبد الله يضمن حماية المصالح المشروعة وعدم التفريط بالمصالح والحقوق العادلة العربية ويسالم من يريد السلام ويرضى أن يعيش على هذا الكوكب بكرامته وحب الكرامة للآخرين، وليس بحبه للغطرسة والاستحواذ على قوت الشعوب.
وكل حرف في مسودة المشروع السعودي بمثابة العرى الوثيقة للبناء الوظيفي للعمل العربي المشترك، وهو سلك الحرير الذي ينتظم العلاقات فيما بين الدول العربية وفيما بينها وبين العلاقات العالمية ذات التأثير في العالم، خيار السلام العادل ا لشامل الذي يتكئ على قاعدة الحقوق العربية المشتركة، هو النواة الأولى في المشروع السعودي،.
ومن هنا جاء المشروع بعنوان «ميثاق لاصلاح الوضع العربي» فمبادرة العلاج تأتي أولاً من الحامل لفيروس المرض المزمن، والأمة العربية حاملة لفيروس التفرقة وبعثرة الشمل واختلاف الكلمة وضياع الهدف.
وهكذا تقدم الأمير عبد الله بآخر وصفة للعلاج ونرجو ألا يكون الك.
وما توفيقي إلا بالله.
|