أتيح لي أن ارافق جمعاً كريماً من رجال الأعمال يربو على ثمانين فرداً في رحلة تنقلوا خلالها عبر ثلاث مدن صينية رئيسية هي بكين وشينان وشنجن، فالمدينة الأولى تتسم بالصبغة السياسية والاقتصادية والثانية بالصبغة الصناعية والتاريخية أما الثالثة بالتقنية الحديثة والحداثة فارتوى الوفد بخليط من الاقتصاد والتأريخ ونماذج حية من الممكن.
ما تحقق في الصين في فترة وجيزة من الزمن لا تزيد عن عشر سنوات يكسر يقيناً نظريات الفترة الكافية، ونظريات المؤامرة، وفترة التهيئة وغير ذلك من الحجج التي لا يمكن قبولها إلا أن تكون عذراً لأخطاء عديدة متداخلة تراكمت عبر سنين متعددة، فإن كانت الفترة الكافية هي مطلب من مطالب التنمية فكم هي وإلى متى؟ ولماذا كانت قصيرة في تجارب دول أخرى مثل ماليزيا وكوريا والصين الآن؟ ونظرية المؤامرة يمكن تبنيها فقط إذا كان واقع الحال والذات الداخلية قد أديا ما عليهما من واجبات التنمية مثل الالتزام والجدية بالعمل والمثابرة والإخلاص وتحري الدقة وغيرها وبعد ذلك نرى المعوقات المبنية على نظرية المؤامرة أما فترة التهيئة، فقد طالت، ثم طالت وأخشى أن تدوم فيتم الالتقاء بالتهيئة دون التنمية.
أعود إلى تلك الرحلة الجميلة بصحبة إخوان أعزاء برئاسة الأخ الأستاذ/ عبدالرحمن الجريسي الذي وجدت فيه وزملائه الكرام حرصاً كبيراً على الاستفادة من التجربة الصينية، ودفع التعاون الاقتصادي بين البلدين خطوات عديدة تعكس اهتمام القيادتين في كلا البلدين لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية لما يخدم مصلحة الشعبين الكريمين اللذين قدما للبشرية الكثير من اوجه التقدم في حضارة عريقة امتدت آلاف السنين.
لقد كانت مدينة شينان نقطة انطلاق طريق الحرير البري الذي كانت القوافل تسلكه في طريقها إلى البلاد العربية لتحمل البضائع والثقافة، وتعود مرة اخرى وقد حملت بثقافة عربية عريقة مع شيء من البضائع، وعند ظهور الإسلام حمل المسلمون معهم دينهم الجديد إلى أرض الصين الصديقة كما أن هذه المدينة العريقة عاصمة لعدد من اباطرة الصين العظام الذين تعاقبوا على حكم الصين مدد غير يسيرة بدءاً من مؤسس الصين الامبراطور تشينغ، وحتى اسرة تانغ ومن تلاها من الاسر ولقد رأى الوفد الكريم تلك الصفوف من التماثيل الفخارية التي تربو عن ثمانية آلاف تمثال مصفوفة في صف بديع ومتناسق لتمثل بعضاً من الجنود الذين كانوا يحاربون مع الامبراطور «تشينغ» قبل أكثر من الفين ومئتين وخمسين عاماً صفت بشكل بديع يلفت نظر الرائي ويؤكد رسوخ الالتزام والنظام لدى هذا الشعب الصديق، الذي ساهم مساهمة فاعلةً في الحضارة البشرية، وفي جانب من المدينة بنيت منطقة صناعية متكاملة مزودة بجميع البنية التحتية اللازمة للنهوض بهذه المدينة، لاسيما ان الدولة، قد اخذت على عاتقها تنمية غرب الصين والسعي لجذب الاستثمارات إلى تلك المنطقة حتى يكون هناك توازن بين المناطق المتعددة حيث إن المقاطعات الشرقية قد سبقت نظيرتها الغربية في بعض مناحي التنمية لأسباب جغرافية وتاريخية.
لقد كانت زيارة هذه المدينة والتعرف على معالمها فرصةً جيدةً لنا جميعاً لنستفيد من منطقة مازالت تبني لبناتها لقيام صناعة حديثة لاهثةً للحاق بمن سبقها من مناطق اخرى، كما ان الوفد الكريم قد استفاد من تجربة تحمل درجة الحرارة المنخفضة جداً والتي كانت دون الصفر بنحو اربع درجات مما جعل البعض منهم يأنس بالبقاء في المركبة عند الخروج لزيارة بعض المعالم.
وفي مدينة شنجن كان الوضع مختلفاً عن ذلك الذي وجدناه في مدينة شينان، ففي مدينة شنجن كانت درجة الحرارة نحو عشرين درجة مؤية والخضرة تكسو أرضها الجميلة لتزيدها بهاء وحسناً، فهي مدينة قد نالت الدرجة الأولى في العالم في المحافظة على نظافة البيئة كما أن المسطحات الخضراء تمثل 45% من مساحة المدينة، وهي تعتمد في اقتصادها على التقنية الحديثة ودخل الفرد بها أكثر من خمسة آلاف دولار، وتصدر كل يوم من المنتجات بما قيمته مائة مليون دولار، وما يزيد المرء اعجاباً ان عمر هذه المدينة 22 سنةً فقط، فقد كانت النواة التي بدأت منها الانطلاقة الحقيقية للصين للتعامل مع الدول الاخرى في تناسق مدروس، وسرعة فائقة، بقيادة ربان ماهر وجنود مخلصين ومثابرين.ان المملكة العربية السعودية قادرة على الاستفادة من التجربة الصينية، ولعل زيارة هذا الوفد الكريم تكون نقطة انطلاق لعمل الكثير في المملكة لاسيما وانه يضم نخبة ممتازة وحريصة على الافادة من التجربة الصينية في ظل مناخ سياسي وأمني واقتصادي مستقر في بلادنا العزيزة،،،
| 
