ليس هذا العنوان لي، وإنما هو عنوان كتاب صدر في القاهرة للكاتبة خديجة النبراوي، تضمَّن أحاديث عن المرأة المسلمة وموقعها من «الحرية» التي تُرفَع شعاراتها في كل مكان بأشكالٍ مختلفة وألوان متعددة، ومنطلقات دينية وفكرية وثقافية متباينة.
ولا شك أن موضوع «حرية المرأة» من أهم الموضوعات التي تُطرح طرحاً قوياً في هذا العصر، وتُناقش من زوايا مختلفة، وتخضع لمعتقدات شديدة التباين والتعارض والاختلاف، بل إن «حرية المرأة» أصبحت في أحيان كثيرة من شعارات الاستهلاك السياسي التي يردِّدها مَنْ يتوقون إلى كسب أصوات النساء في حملاتهم الانتخابية على مستوى الدول، أو على مستوى المؤسسات السياسية والثقافية، والاجتماعية الأخرى.
وهنا يصبح هذا الموضوع جديراً بالعناية منا نحن المسلمين لأن له علاقةً قويةً بالأسرة وترابطها، وبالأخلاق وسلامتها، وبالمجتمع واستقراره، ولأن موضوع «حرية المرأة»، أصبح مباحاً لكلِّ متحدِّث وكاتب، يخضعه لقناعاته وأفكاره، ويطوِّع له النصوص الشرعية، ويفسِّر من أجله الظواهر الأسرية والاجتماعية التاريخية والمعاصرة تفسيراً يناسب معتقد الكاتب أو المتحدِّث وتوجهه الفكري. ونحن المسلمين في هذا العصر نعاني من مبادرة الآخرين في مناقشة القضايا، وطرحها بطريقتهم الملائمة لمعتقداتهم وأفكارهم، ومن تأخُّرنا في المناقشة والطرح تأخُّراً يضعف مواقفنا، ويجعلنا غالباً أصحاب دفاع وردودِ أفعالٍ لمبادرات الآخرين.
وهذه المشكلة عويصة، لا يخلِّصنا منها إلا إيجابية الطَّرح، والمبادرة به وتقديم ما لدينا من الفكر النيِّر، والرؤية الإسلامية الصافية إلى الآخرين، بموضوعية، وأسلوب حضاري يليق بثقافتنا الإسلامية الواعية، وبفكرنا الإسلامي الراقي، وبمسؤوليتنا في تبليغ الناس بما لدينا من الخير، وإنقاذ البشرية من نظريات فكرية واجتماعية تفقد صفة الشمولية، وتخرج عن الموضوعية، وتخضع لرغبات أصحابها وميولهم، إنَّ «حرية المرأة» من أخطر القضايا المطروحة عالمياً، لأنها سلاح ذو حدين، ومساحة مفتوحةٌ للجميع قابلة لإثارة الغبار والأتربة، ولإشعال النيران التي يتصاعد منها دخان كثيف يخنق الأنفاس، ويُعشي الأبصار.
وإنَّ مسؤولية المرأة المسلمة الواعية في هذا الموضوع كبيرة، خاصة إذا منَّ الله عليها بالعلم والمعرفة، والفقه في دينها، وسموّ الهدف ونزاهة الفكر، لأنَّّها بصفتها امرأة تستطيع أن تتحدَّث من داخل «المجتمع النسائي» عن حقيقة مشكلات المرأة وعن مفهوم «حرية المرأة» في شرعنا الإسلامي، فيكون حديثها مقنعاً لكثير من النساء اللاتي يتأثَّرْن بما يطرح من نظرياتٍ غربية أو شرقية عن «حرية المرأة»، ويخدعن بالبريق الذي يصرف الأبصار عن رؤية الحق.
الاستاذة «خديجة النبراوي» وجهت رسالةً واضحة إلى المرأة في هذا العصر في كتابها «المرأة في الإسلام، حرية أم عبودية» دعت فيها المرأة بصفة عامة، والمرأة المسلمة بصفة خاصة إلى الوعي الكامل بالأهداف غير النبيلة للذين ينادون بتجريد المرأة من كل مقومات حيائها، وحشمتها وأنوثتها الفطرية التي فطر الله المرأة عليها، وطرحت سؤالاً واضحاً تقول فيه: «أهناك حرية أعظم من الحرية المتدفقة من ينابيع الإسلام الفيَّاضة؟، أهناك مساواة تحلم بها المرأة أكثر من المساواة التي حققتها لها شريعة الإسلام؟». ثم أجابت عن سؤالها بمناقشاتٍ هادئة لمعنى الحرية الصحيح محذِّرةً من المؤتمرات التي تُعْقَد من أجل «المرأة»، وتدور المناقشات فيها حول إخراج المرأة من عالم فطرتها السليمة، وابعادها عن معالم حياتها الكريمة، بدعوتها إلى التحرُّر من قيود الالتزام المزعومة، ونادت المؤلفة المرأة المسلمة إلى الثبات على الحق، والوقوف بثقة أمام دعوات التحرير «المشبوهة».
إنَّ الكتاب يؤكد أهمية دور المرأة المسلمة المعاصرة في رسم دائرة الوعي الإسلامي لقضايا المرأة في هذا العصر.
إشارة:
ربَّ قصر باذخٍ مرتفع
لا يساوي عُشَّةً من خَصَفِ
|
|