هذا المحفل التراثي الفكري الأدبي الرائع الذي يقوم على تنفيذه سنويا «الحرس الوطني» تلك المؤسسة العسكرية الحضارية العريقة التي يقود موكبها الميمون الفارس الشهم، ابن الصحراء الأصيل، صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني، الذي تبنى فكرة هذا المهرجان، وجعلها على صدر هذا الكيان الكريم واقعا حيا فتي الحركة يحكي بألقه الحاد اصالة الماضي، ومجد الحاضر، وآمال المستقبل، على نحو تحول معه هذا المهرجان الفريد من نوعه الى معلم سنوي سعودي تنجذب اليه من اصقاع الدنيا في تلهف وشوق عقول وقلوب لا تزال تتكاثر عاما بعد عام.
لقد حضرت هذا المهرجان بصفتي الخاصة من قبل مرتين، ثم شرفت ان كنت احد المدعوين له عام 1421ه بصورة رسمية.
انني - حقا - معجب بفكرة هذا المهرجان ايما اعجاب، وانا ممن يؤمن ايمانا عميقا بجداوها على كافة المستويات، وبضرورة استمرارها والعمل الدائم على تطويرها.
خلال تواجدي في هذا المهرجان، ومن خلال متابعتي لأحداثه، وحضوري لانشطته تبلورت لدي مجموعة من الافكار والمقترحات حوله.
انني - هنا - من منطلق شعوري العميق بالواجب تجاه وطني ودولتي عموما، وتجاه هذا المهرجان الرائع والقائمين عليه خصوصا أسوق مجموعة من المقترحات التي لا ادونها هنا تزكية لها، ولكن لأنها اجتهادات مخلص يحركه الشعور بالمسؤولية تجاه وطنه الى ان يقدم له كل ما عنده مهما بدا في عينه وفي عيون الآخرين قليلا، وفيما يلي أبرزها:
المقترح الأول
آلية معالجة الموضوع المحوري المطروح للنقاش:
مما لاحظته على الموضوعات المطروحة للنقاش:
1- سعة هذه الموضوعات بحيث تتعذر معالجتها معالجة عميقة مجدية تنتهي في تلك الموضوعات الى نتائج محددة تشكل ثمرة عملية قابلة للتحول الى فعل ملموس، بل تظل موضوعات مفتوحة عائمة، أثيرت حولها بعض النقاشات فحسب.
2- تعدد الموضوعات المطروحة للنقاش مما يكرس تسطح التناول، واستحالة تحقق المعالجة الناضجة لتلك القضايا.
3- جزئية الطرح والنقاش، اذ يطرح الموضوع من وجهات نظر بالغة المحدودية، واحدة.. اثنتان .. ثلاث.. أربع على الاكثر.
4- دور الضيوف في معالجة الموضوع يتوقف عند مجرد الاستماع او المداخلة التي تتسم بالمحدودية والارتجال، وهي في كل الأحوال غير مأخوذة في الاعتبار في معالجة القضية المطروحة.
5- انتهاء كل محاضرة بأن يجمع كل متحدث اوراقه، ثم يمضي، وكأن شيئا لم يكن.
ان هذا يشبه - تماما - ما يسمعه الطلاب في مدرجات الجامعة، الذين يحضرون لمجرد ألا يسجلوا غيابا من قبل أساتذتهم او ما يسمعه الحضور من محاضرة في ناد ادبي لا يحفزهم الى الحضور سوى عضويتهم في النادي أو مجاملة زميلهم المحاضر.
إن «المهرجان الوطني» محفل ثقافي فكري علمي ادبي بالغ التميز، وضيوفه هم رواد حركة الأمة في هذه السياقات.
إن احتشاد هذه الطاقات المميزة ليس أمرا ميسورا ولا عاديا، انه حدث نادر القيام في مكان آخر، انه تجمع لابد سيكون بالغ الكلفة.
لهذا فليس من الحكمة ترك هذا الاجتماع السنوي المميز للنخبة من أبناء هذه الامة يمر مرور الكرام، ان من الحكمة - في نظري - ان يفاد منه الى اقصى درجة ممكنة، بما يوازي ما ينفق في سبيله من أموال، وبما يوازي ما يبذله المسؤولون في سبيل تحقيقه من جهود.
إن من العدل مع الذات، ومع الامة يجير هذا الاجتماع إلى اقصى درجة ممكنة لصالح الدور الريادي الذي تضطلع بحمله هذه البلاد في سياق أمتها العربية والاسلامية أو في السياق الانساني العام، ولصالح الامة التي ما من ريب انها في أمس الحاجة الى كل صوت يصف لها ملامح الطريق في متاهة هذا العصر، فما بالك اذا كان هذا الصوت يصدر من وطن الانطلاقة الاولى ليحمل الى مسامعها الصرخة الواحدة الواعية الموجهة اليها من اكثر ابنائها رشدا، واحدهم رؤية واشدهم إحساسا بالخطر.
لهذا فإنني ارى ان الامر يستدعي قيام المسؤولين عن هذا المهرجان باعتماد مجموعة من الآليات - التي يحسن تطويرها باستمرار - لتفعيل هذا الملتقى الثقافي لصالح هذه البلاد، ولصالح هذه الأمة الى ابعد حد ممكن، وفي هذا السياق يشرفني ان أطرح الافكار التالية حول آلية معالجة الموضوع المحوري المطروح للنقاش، لعل فيها ما يفيد:
أولا: اقتصار النشاط الثقافي على موضوع محوري واحد يتعلق بالامة العربية والاسلامية، سواء في سياقها الداخلي او في سياقها العالمي، على النحو المعتاد في السنوات الاخيرة، ولكن بشكل اكثر دقة وتحديدا.
مثال ذلك : ان يطرح موضوع: الامة ومنهجها الفكري بين المثال والواقع، فيركز الجهد الثقافي خلال ايام المهرجان على معالجة هذا الموضوع معالجة بالغة التركيز والكثافة والعمق على مدى عشرة ايام على الاقل - وبمعدل يومي لا يقل عن ثلاث ساعات، ولا مانع أن تخصص لها الفترة الصباحية ما بين الساعتين العاشرة صباحا والواحدة ظهرا، وذلك لتفريغ الفترة المسائية لاستيعاب النشاطات الاخرى.
وانما يخصص لهذا الموضوع كل هذا الزمن لضمان اشباعه بحثا ونقاشا على اعتباره لن يعاد للطرح مرة اخرى من ناحية، وانه لابد من الوصول فيه الى نتائج وتوصيات محددة من ناحية ثانية، وانه سيصدر ما يتوصل فيه من نتائج وثيقة نهائية تاريخية، يصدرها مفكرو وعلماء ومثقفو الامة عن المهرجان الوطني من ناحية ثالثة.
وللتمثيل فحسب، فإنه لمعالجة هذا الموضوع لابد من تحديد المحاور الاساسية فيه من قبل لجنة خاصة في المهرجان يتم تشكيلها مسبقا، ويمكن التركيز في هذا الموضوع بالذات على المحاور التالية:
أ - رسم معالم النموذج الفكري لهذه الامة، بتوازن وموضوعية.
ب - تشخيص معالج الواقع الفكري للأمة، تشخيصاً دقيقا يتسم بالامانة والموضوعية يبرزه كماهو.
د - تحديد آليات تجاوز هذا الواقع الى ذلك المثال بموضوعية.
ه - تحديد آليات التماسك مع ذلك الواقع.
وبهذا يكون قد تم علاج هذا الموضوع معالجة عميقة ألمت بجميع جوانبه، ومفضية في نهاية المطاف الى وصف العلاج، وتقديم الحلول الموضوعية الناجعة.
ثانيا: يتم تكليف مجموعة من المبرزين في هذا الميدان - يختارون بعناية ممن يحملون بمسؤولية ووعي واستقامة وسلامة منهج هموم امتهم - باعداد بحوث بالغة التركيز، تعالج هذا الموضوع - مثلا - بمحاوره الخمسة، وذلك قبل مدة لا تقل عن ثمانية أشهر من بداية فعاليات المهرجان.
ثالثا: يتم ابلاغ المنتدين بالاهداف من طرح هذا الموضوع، وآليات معالجته وتحويله الى وثيقة تاريخية، وذلك لشحذ هممهم، وتعميق احساسهم بالمسؤولية.
رابعا: توجه الى الضيوف - من أبناء الامة - بطاقات دعوة خاصة، يكشف من خلالها عن ذلك الموضوع، وعن المحاور التي ستجري معالجتها، وعن اسماء المنتدين المكلفين، وحثهم على تجهيز ما لديهم من رؤى مركزة للمشاركة بها في النقاش والمداخلات.
خامسا: يتم طرح عنوان موضوع المهرجان هذا عبر وسائل الاعلام قبل انعقاد المهرجان بوقت كاف لاكسابه المزيد من الاهمية، ولفت انظار الرأي العام اليه، وتهيئته لتلقيه، ولتلقي ما سيتوصل اليه من نتائج.
سادسا: يتم تخصيص يومين على الاقل لمعالجة كل محور، قابلة للتكثيف عند الحاجة.
سابعا: يتم القاء ما اعده المنتدون في علاج كل محور على حدة حتى تستكمل تماما.
ثامنا: يتم تسجيل المداخلات والنقاشات التي دارت حول الموضوع.
تاسعا: يتم تشكيل لجنة صياغة - حددت مسبقا - تقوم بدمج وتركيز ما توصل اليه الجميع في كل محور على حدة في سجل خاص مميز.
عاشرا: بعد الانتهاء من معالجة جميع المحاور يتم قراءة ما توصلت اليه لجنة الصياغة، وإجراء التعديلات ان وجدت.
حادي عشر: يتم التوقيع على هذا السجل من قبل ضيوف المهرجان من ابناء الامة.
ثاني عشر: يتم اعلان هذا كبيان ختامي تحت عنوان «وثيقة المهرجان..» ويتم نشرها في الصحف.
ثالث عشر: يتم اعداد كتاب يشتمل على تلك البحوث، ولا مانع من تضمين ما تخلل ذلك الموضوع من مداخلات مهمة، ويذيل بالبيان الختامي وينشر تحت عنوان :
«وثيقة المهرجان الوطني»..
الأمة ومنهجها الفكري .. المثال.. الواقع - الحلول
امضاء: نخبة من أبناء الأمة.
رابع عشر: يحسن إنشاء لجنة خاصة دائمة للعمل على نشر هذه الوثائق وايصالها الى الهيئات والمنظمات والحكومات العربية والاسلامية، لتكون بذلك قد قامت بإيصال صوت هذا المهرجان خاصة، وصوت الصفوة من ابناء الامة الصادر من اعماق مهبط الوحي ومهد الاصالة العربية الى مراكز السيطرة والتحكم في حركة هذه الامة لتكون وثيقة براءة تاريخية تبرىء ساحة هذه البلاد امام التاريخ، وتشهد لها بأنها ما ذخرت جهدا على اقل تقدير.
خامس عشر: على هامش هذا الموضوع المحوري «تحدد مساحات زمانية كافية لاستيعاب الانشطة العلمية والادبية والفنية وبرامج الزيارات الموازية.
إن من شأن هذا - ان طبق بدقة متناهية، وبسعي دائم مفيد من تراكم التجربة الى تطويره للأفضل - ان يحقق ايجابيات لا حصر لها، اسوق منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ - الابقاء التام على شخصية هذا المهرجان التراثي الثقافي، والمحافظة على هويته السعودية المميزة التي اكتسبها عبر السنين الماضية.
ب - تطوير هذا المهرجان والارتقاء به الى المكان الذي يكون فيه.
1- شاهد تاريخي موثق على هذا العصر عموما، وعلى واقع الامة خصوصا، وعلى واقع هذه البلاد على وجه اخص.
2- شاهد تاريخي موثق - بإمضاءالصفوة من ابناء هذه الامة - على الشخصية الاصيلة لهذه البلاد، وعلى مواقفها من القضايا العربية والاسلامية والانسانية، وعلى جهودها العملية في سبيل معالجة قضايا امتها خاصة، وقضايا الانسانية عامة في خضم هذا العصر الشرس.
3- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على معرفة ذاتها على نحو موثق.
4- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على معرفة دورها على نحو موثق.
5- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على معرفة واقعها في سياقيها الداخلي والعالمي على نحو موثق.
6- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على تعليل واقعها في مختلف السياقات على نحو موثق.
7- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة عى تجاوز واقعها في مختلف السياقات.
8- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على تلمس مواطن الخلل في بنائها ومعالجتها اولا بأول.
9- آلية بالغة الفعالية تساعد الامة على جمع كلمة مثقفيها، وقادة الفكر والرأي فيها من مثقفين ومفكرين وعلماء وادباء هم في الحقيقة صناع واقع الامة بشكل او بآخر.
10- آلية بالغة الفعالية في توظيف طاقات هذه النخبة على نحو أدق تنظيما، واشد تركيزا، وأكثر فعالية وتأثيرا في سبيل معالجة قضايا امتهم.
11- تحويل هذا الحضور الشرفي - المكلف - الذي ربما لا يتجاوز الرغبة في التنزه، وقضاء بعض الحاجات الخاصة من الرياض، والقيام ببعض الزيارات الشخصية عند السواد الاعظم من الضيوف - الى حضور فعال نشط حي مؤثر، ذي قيمة، يستحق الثمن الذي دفع من اجله.
12- سيكون هذا المهرجان بذلك منظمة معتبرة قادرة على المشاركة الفعالة في صياغة مستقبل الامة ورسم معالم مساراتها التالية بالاتكاء على خلاصة جهود صفوة العلماء والمفكرين والسياسيين والمثقفين من ابناء الامة نفسها.
13- اتاحة الفرصة - التي يعز ان تتاح - للصفوة من ابناء هذه الامة للحوار الهادىء الرزين المسؤول، الباحث عن الحلول العملية، الذي لا يفسده الانفعال ولا الغضب، ولا يتبخر في الهواء حول قضايا امتهم وهمومها، على نحو يفضي في النهاية الى تشخيص هذه القضايا، والوصول فيها الى مقترحات وتوصيات عملية محددة تعكس رؤية المتحاورين، وبالتالي موقف «المهرجان» من تلك القضايا على نحو موثق يمكن تحويله الى خطة عمل مستقبلي يقدمها ابناء هذه الامة من خلال هذه التظاهرة لامتهم.
14- سيبقى هذا المهرجان - بعد ذلك كله - منظمة سعودية المولد والملامح، عربية وإسلامية الانتماء والهموم.
المقترح الثاني:
الحد من تكرار استضافة الشخصيات الا في الحالات الاستثنائية:
من الملاحظ تكرار حضور الوجوه نفسها، ولا سيما شخصيات بعينها مع انه لا يلمس الكثير من هؤلاء اي نشاط من شأنه اثراء النشاط الثقافي، او انجازها من شأنه معادلة ما انفق على استضافتهم، اللهم الا اذا كان حضورهم هدفا في حد ذاته. إن من يتابع نشاط العديد من هؤلاء يجد انه ينحصر ما بين المطعم وبهو الفندق وزيارات الاصدقاء وقضاء الاغراض الخاصة.
ان قائمة المخلصين من مفكري ومثفي وعلماء هذه الامة، الجديرين بالاستضافة، والمتشوقين لحضور هذا المهرجان طويلة جدا، وثرية بالعقليات النشطة الحية التي تشكل ثقلا في صياغة الرأي العام هنا وهناك، المتحفزة للعطاء والمشاركة الايجابية المسؤولة في هذا المهرجان.
وارى انه من المطلوب وضع الآليات اللازمة لتصيد هذه الاسماء من هنا، وهناك كل سنة بما يناسب الى حد ما طبيعة الموضوع المطروح، ذلك لأن القائمة طويلة، والمهرجان ملتقى لعموم مثقفي ومفكري وعلماء هذه الامة، ومن حق من لم تتح له الفرصة لحضور المهرجان حتى الآن الاستضافة والمشاركة كسواهم، واذا كانت هناك شخصيات بعينها يحرص على استدامتها فلا بأس ولكن بعد مضي عدد من السنوات ما لم يكن لحضورها ضرورة منهجية وانعكاس فعال.
ان هذا المهرجان محفل ثقافي فكري حضاري جاد، او هكذا يجب ان يكون، وأرى ان يكون حضور الشخصية محكوما بمدى فعاليتها، وبمقدار إثرائها للنشاط الفكري والثقافي، ولا مكان هنا للمجاملة، فإن كان لابد منها فلتكن عبر منافذ اخرى غير هذا المهرجان، اما هذا المهرجان فهو مكان فعل جاد، ومركز صناعة مستقبل الامة، بما يستدعيه ذلك من عناية ودقة في اختيار الشخصيات الرزينة القادرة على معالجة هموم الامة بتوازن ومسؤولية.
المقترح الثالث: تعديل اسم المهرجان
«المهرجان الوطني للتراث والثقافة»:
محوران رئيسيان يقام تحتهما هذا المحفل السوي المميز:
لكن هناك محوراً ثالثاً لا يقل عن هذين المحورين في الأهمية، ومن العدل ان ينال من العناية والاهتمام ما يناله هذان المحوران، ولاسيما في هذا العصر بالذات، انه محور «العلوم».
من المناسب اذن ان يصبح اسم المهرجان.
«المهرجان الوطني للتراث والثقافة والعلوم».
انه بذلك يتيح لهذا المهرجان:
1- ان يكون نقطة استشراف للمستقبل والتطلع اليه من خلال محور «العلوم» كما كان نقطة التفات للماضي وربط الأواصر معه من خلال محور «التراث». وكما هو نقطة تشخيص للحاضر من خلال محور «الثقافة».
2- استيعاب مبتكرات العقول الوطنية والعربية المبدعة، ورعايتها، وتشجيعها، والعمل على اذاعة جهودها، وتحويلها الى منجزات حية تساهم بفعالية في عمليات البناء الحضاري والعلمي للأمة.
3- المشاركة الفعالة في تنشيط الحركة العلمية، ليس على مستوى هذه البلاد فحسب، بل على المستويات العربية والاسلامية والعالمية.
المقترح الرابع:
إيجاد مصادر تمويل بديلة:
من نافلة القول: ان «المهرجان الوطني للتراث والثقافة» - وبما بذل عليه المسؤولون من جهود مضاعفة على مدى بضعة عشر عاما - قد تبلور مع مرورالسنين ليغدو الآن معلما حضاريا ثقافيا يميز هذه البلاد ثقافيا، وتظاهرة سنوية ينتظرها العامة من ابناء هذا البلد والخاصة منه، ومن خارجه بشغف وتشوق، على نحو اصبح من المستحيل معه قبول فكرة توقف هذا المهرجان - لا سمح الله - تحت طائلة اي ظرف، لا من قبل مواطني هذا البلد فحسب، بل وعلى المستوى الاقليمي والعربي عامة.
لكن المحافظة على ديمومة هذا المحفل المميز من ناحية، والعمل على تطويره الى الافضل من ناحية ثانية في مختلف الظروف يتطلب إعادة النظر في اسلوب تمويل هذا المشروع الوطني المهم ماديا، وذلك عن طريق العمل السريع على ايجاد روافد تمويل مادية مستقلة خاصة، لا ترتبط بميزانية الدولة عامة، ولا بميزانية الحرس الوطني خاصة، ولا تتأثر بها.
المقترح الخامس
إنشاء «مؤسسة الأمير عبد الله بن عبد العزيز للتراث والثقافة والعلوم»:
نظرا الى:
1- ضرورة العمل على تطوير هذا المهرجان على كافة الاصعدة.
2- ضرورة العمل على إيجاد روافد تمويل مادية خاصة بالمهرجان لا ترتبط بميزانية الدولة ولا تشكل أي عبء عليها.
3- دور صاحب السمو الملكي الامير عبد الله بن عبد العزيز في تبني فكرة هذا المهرجان ورعايتها حتى وصلت الى ما وصلت اليه اليوم.
4- ضرورة تركيز جهود سموه واعماله الخيرة التي ما فتئت تتدفق في كل اتجاه سواء القائم منها او ما ينتظر ان يقوم بإذن الله تعالى، وتجميعها في هيكل تنظيمي واحد.
5- ضرورة تحفيز الحركة العلمية والفكرية والثقافية في هذه البلاد.
6- ضرورة تبني ورعاية وتشجيع المواهب الوطنية والعربية الخلاقة لدفعها الى المساهمة الفعالة في اذكاء حركة تطور هذه الامة لتأخذ مكانها اللائق بها في عالم اليوم.
7- ضرورة قيام منظمة تحمل اسم هذا الفارس العربي الشهم، وتستوعب وتحكي وتواصل جهوده المخلصة في حمل هم مجتمعه ووطنه وامته، بل والانسانية كلها.
لهذا فإنني ارى انشاء مؤسسة خاصة تحمل اسم:
مؤسسة الامير عبد الله بن عبد العزيز للتراث والثقافة والعلوم.
وليكن من أنشطتها ووظائفها ما يلي:
1- رعاية «المهرجان الوطني للتراث والثقافة والعلوم» والعمل الدائم على تطويره، وتأكيد فعاليته على المستوى المحلي والخارجي.
ب - العمل من خلال هذا المهرجان على:
1- المحافظة على منجزاته السابقة، ولا سيما ما يتعلق بعناصر التراث، والمنشآت القائمة الآن في قرية الجنادرية.
2- العمل الدائم على إذكاء الحركة العلمية والفكرية والادبية على المستويين المحلي والعربي، وذلك برعاية وتشجيع الطاقات المميزة، وتخصيص الجوائز المناسبة للمبرزين في تلك الحقول من ابناء هذه الامة.
3- تدعيم وتغذية الجهود التي تبذل هنا وهناك في سبيل تحفيز الامة الى المحافظة على أصالتها العربية والاسلامية والاخلاقية، وحمايتها من الذوبان، والحيلولة دون تلاشيها التدريجي في الآخر، ولا سيما في عصر يسمى عصر العولمة الشاملة، وذلك من خلال مجموعة من الآليات التي ليس هنا مجال لتعدادها.
4- العمل الدائب على توحيد الجهود المبعثرة التي يبذلها الغيورون من ابناء هذا الامة في سبيل معالجة أوضاع امتهم الدينية والثقافية والفكرية والسياسية والعلمية والحضارية، وايصالها من خلال صوت واحد الى مراكز القرار والسيطرة.
5- العمل الدائم على مواصلة تكريس الدور الريادي التاريخي لهذه البلاد المباركة في اطرها العربي والإسلامي والعالمي.
6- العمل على ايصال صوت هذه البلاد واضح النبرات، وايصال رسالتها التاريخية، وعلى مواصلة تكريس الدور الريادي الذي ما فتئت تمارسه بإصرار وحيوية منذ قرون في الاطر العربية والإسلامية والعالمية.
7- العمل - على المدى الطويل - على ازالة المسافات المكانية الفاصلة بين سكن ضيوف المهرجان مواقع الأنشطة المختلفة، وحصرها في قرية واحدة، وعلى تزويد تلك القرية بالاسواق والمكتبات والمعارض المتنوعة والمرافق الخدمية اللازمة لتكون بذلك مركز جذب تجاري وسياحي وعلمي وثقافي وفكري على مدى العام عامة، وخلال اقامة المهرجان خاصة.
8- يبقى للحرس الوطني الدور التنظيمي الكامل لهذا المهرجان والإشراف عليه.
المقترح السادس:
مصادر التمويل الدائم
لاريب ان التمويل المالي الدائم لمؤسسة تحافظ على ديمومة هذا «المهرجان»، وتعمل على تطويره وتفعيل دوره، وتزاول من خلاله الانشطة المنوه عنها آنفا بديمومة وفعالية، سيكون بالغ الكلفة، وسيحتاج سنويا الى نفقات مالية ليس من السهل توفيرها دائما.
لذلك فإنني أرى العمل على المدى المتوسط وحسب الطاقة المالية المتوفرة على رصد وانشاء اصول عقاريةثابتة للمؤسسة المقترحة، بحيث تكون هذه الاصول - بعد اكتمالها - وقفاً على هذه المؤسسة يشكل مصدراً ثابتاً لتمويل انشطتها ودعم حركتها الخيرة على المدى الطويل، على نحو يضمن لهذه المؤسسة المحافظة الدائمة على بقاء هذا المهرجان وتطويره، وعلى دعم أنشطتها الاخرى بشكل دائم، في الوقت الذي تكون فيه هذه القرية نفسها موقعا تمارس فيه هذه المؤسسة انشطتها بما فيها مساحة واسعة من انشطة المهرجان نفسه.
وفيما يلي تصور مبدئي لعناصر هذه القرية ومرافقها:
1- فندق استثماري كبير من فئة «خمس نجوم».
على ان يكون مهيأ للتعامل مع الزبون العادي، ومع الحجوزات للمناسبات الكبرى.
2- ملاعب متكاملة من الدرجة القانونية الممتازة.
3- قاعة طعام واستقبال مزدوجة كبرى لاستضافة الحفلات الخاصة والعامة.
4- قاعة ندوات ومحاضرات ومؤتمرات بمرافقها.
5- اسواق ومعارض تجارية متنوعة الاغراض بمرافقها.
6- قاعة معارض تجارية وصناعية وفنية وعلمية كبرى.
7- قاعات متاحف.
8- مسرح فني متكامل.
ولكي تتوافر لهذه القرية عوامل النجاح الاستثماري الاساسية فلعل من الملائم مراعاة ما يلي:
1- القرب الى اقصى حد ممكن من قلب المدينة حيث مناطق الحركة والكثافة التجارية.
2- التصاميم الفنية الملائمة الى اقصى حد ممكن للمستثمرين وللرواد على حد سواء.
3- خفض الاسعار الى ادنى حد ممكن - وبما لا يؤثر على دخول المؤسسة المقترحة - لتتناسب مع المستثمرين من جانب، ومع الرواد من جانب آخر.
4- سهولة الوصول الى هذه القرية من كافة ارجاء المدينة، وسهولة الحركة فيها.
5- توافر المرافق المهمة مثل دورات المياه والمواقف الآمنة.. والمطاعم.
6- وجود المسجد «المزدوج» في مكان القلب من هذه المنشآت، وضمان سهولة ووضوح الوصول اليه.
7- توافر الدعاية اللازمة لإشهار هذه القرية، ولفت الانظار اليها، والى الادوار التي تمارسها.
8- احتواؤها على مدينة ألعاب.
ان لإنشاء قرية من هذا القبيل - وان كانت مكلفة في البداية - مجموعة لا حصر لها من الايجابيات اسوق منها على سبيل المثال:
1- باستثناء منشآت ومحتويات قرية «الجنادرية» الحالية، فان الانشطة الثقافية والعلمية والفنية للمهرجان الوطني ستجري احداثها في داخل هذه القرية، وبحسب برامج دقيقة، بحيث يمكن لضيف المهرجان او سواه حضور جميع الفعاليات بيسر وسهولة، دون ان يكلف ذلك المؤسسة اي جهد مادي او سواه في تنقلات الضيوف اذ يتم التنقل - بين السكن وقاعات الاحتفالات والندوات والمحاضرات والاسواق والمعارض والمتاحف والملاعب والمسرح والمسجد - سيرا على الأقدام لوجودها داخل سور واحد.
2- تحقيق الامتاع السياحي جنبا الى جنب مع الامتاع الفكري والعلمي والثقافي لضيف المهرجان الوطني خاصة، ولرواد القرية من ابناء هذه البلاد وسواهم عموما على مدى العام، وخلال ايام المهرجان خاصة.
3- قدرة هذه القرية - بهذه المواصفات، وبتوافر الدقة المطلوبة في تنظيمها - على التجاوب مع محاور الحياة المعاصرة، الثقافة والعلوم والفنون والاقتصاد.
4- قدرة هذه القرية على استقطاب الانشطة الثقافية والعلمية والفنية والتجارية الخاصة والعامة على مدى العام بما يجعل منها بؤرة اشعاع ثقافي وعلمي وفني واقتصادي، لا على مستوى هذه البلاد فحسب، بل على المستوى العربي والعالمي.
5- مع وجود هذه المنشآت، ومع قيام هذه المؤسسة يتم فك ارتباط وجود هذا المهرجان بميزانية الدولة، ورفع ثقله عنها، بل ويصبح هذا المهرجان نفسه رافدا مباشراً لحركة اقتصادية وتجارية بالغة الحيوية تصب - في نهاية المطاف - في اقتصاد هذا البلد، وفي صالح ابنائه، وتوجد فرصا جديدة للعمل.
6- امكانية خصوبة عائدات المؤسسة الى الدرجة التي يمكنها معها مد نشاطاتها الى حقول جديدة تصب في نفس الاتجاه او توازيه.
7- تحقيق مبدأ «تدوير المال»، وذلك ان العائدات التي ستعود على المؤسسة من تأجير عناصر هذه القرية ومرافقها المختلفة سيستخدم في الإنفاق على نشاطات المؤسسة بما فيها نشاطات المهرجان الوطني التي تجري معظمها في هذه القرية.
8- امكانية افادة الجهات الرسمية في هذه البلاد من هذه القرية - بمقابل - في المناسبات الوطنية العامة، وفي استضافة الوفود والندوات والمؤتمرات العامة.
9- ضمان استمرار الفعل الثقافي والعلمي والفني والاقتصادي لهذه القرية على مدى العام.
10- ضمان مصدر تمويل يتسم بالنجاح والديمومة والاستقلالية والنمو للمؤسسة المقترحة بما يدعم حركتها، ويعزز نشاطها في سبيل تحقيق اهدافها الوطنية والعربية والاسلامية والانسانية النبيلة، وبما يلبي طموحات الفارس العربي الشهم، صاحب القلب الكبير، الامير عبد الله بن عبد العزيز رعاه الله وأدام عزه.
هذه مقترحات عامة مترابطة دفعني الى التفكير فيها، والى تدوينها هنا، شعوري المؤكد بالدور الرائد لبلادي، وبمسؤوليتي تجاهها من ناحية، وحبي النقي لأمير الصحراء، واحساسي العميق بنبل غاياته، واصالة رؤاه وتصوراته، وصدق غيرته على وطنه وعلى امته، ومقدار ما يحمله من احلام كبيرة لهما، اضعها بين يدي من يهمه الامر، لعل منها ما قد يفيد.
|