«1»
** يروي «جوزيف كامبل» في مقدمة تحريره كتاب «الأساطير والأحلام والدين» ط أولى مترجمة 2001م حكاية سريعة عن أحد شباب الفيزيائيين مِمَّنْ التقى بهم وسأله عن «درجة حرارة الغرفة..» فطالت «الإجابة» واستطالتْ.. وانتهتْ بأسئلة دون أجوبة:
* أي قسم من الغرفة تعني..؟
هنا حيثُ أنا..؟
أم هناك حيث أنت..؟
أم هنا عند النافذة..؟
** والخلاصة لدى الفيزيائي أن «ليس هناك شيء اسمُه درجة حرارة الغرفة»
** لا يبدو «الاستفهامُ» خاطئاً.. كما لا تبدو «الإجابة» كذلك.. ولكنه الفرقُ بين «السائل» و«المجيب» ينظران بمنظارٍ مختلف ويفكران بطريقةٍ مختلفة..!
«2»
** في إشكالات التواصل «الإنساني» «متاهة» ممتدة تضيعُ فيها الحقيقة بين طرفي الاتصال.. وهو ما تثبته كلَّ يوم حوارات «الفضائيات»، و«المنتديات» و«الاستفتاءات» بكل أشكالها..!
** استفهامٌ «بسيط» يتحول إلى إجابة «معَقَّدة» أو «مركَّبةٍ»، أو قضيّةٍ «شائكةٍ» لأننا ببساطة نضعُها داخل «أُطُرٍ» متداخلة تطمس ملامح السؤال واحتمالات الإجابة..!
«3»
** في المتغيَّرات المجتمعيَّة مناطقُ «رماديةٌ» لم نستطع تجاوز إشكالات «اللَّت» و«العجن» و«التعتيم» فيها لأننا نُغلِّب المنطق «الذرائعي» في الحوار بشأنها..!
** في نهاية «الخمسينيات» وبداية «الستينيات» الميلادية قررت «الدولة» إدخال «تعليم الفتيات» بصورة رسمية، وإنشاء «التلفزيون الحكومي».. وسجلت «خلافات» عميقة بين «المؤيدين» و«المُعارضين» لم تقتصر على إبداء الرأي المجرّد.. بل امتلأت «بالاتهامات» و«التشكيك» و«التحريض».. وانتهتْ باقتناعٍ كامل من الطرف «المناوئ» الذي أصبح المستفيد «والمتنفّذ» داخل هذين الجهازين الحيوييْن..!
** تجربتان.. امتدتا إلى تجارب مماثلةٍ هُنا وفي بلاد أخرى.. وكلها تثبتُ أن مشكلة «العقل العربي» تعلُّقُه بأطراف الموضوعات أو بهوامش القضايا، دون أن يركِّز جهده على استقراء «الهدف النهائي» أو «المصلحة العامة»..!
** مرّ البث الفضائي بمثل هذه «المشاكسات» لدرجة إطلاق أحكامٍ قاسية بحق من أذن لها في بيته.. وبعد زمن ليس طويلاً أدرك «الخائفون» أو «المخاصمون» أنها مثّلت فتحاً مهمَّاً لإيصال الرسالة «العالمية»، و«القومية»، و«الوطنية»، وأن بإمكان من شاء وصلاً أو تواصلاً ألاَّ يغيب «صوتُه» ولو جاورته أصواتٌ نشاز، وأن يبرز «صورته» ولو اختلطت بصورِ الكهوف الليلية المعتمة..!
«4»
** لعلَّنا استفدنا كثيراً من تجارب الرفض الأولى في سهولة مرور تجربة «الإنترنت» رغم أن سلبياتها أضعاف سلبيات الفضائيات، ورغم أن مخاطرها أشدُّ وأقسى وأنكى..!
** تغلَّب صوت «الحكمةِ» و«الهدوء» و«العقلانية».. فلم نسمعْ في مستخدميها بعض ما قيل في مستخدمي «الأطباق»، بل أصبحت المواقع التي تمثِّل الاتجاهات «الموضوعيَّة» وتلك التي تعكسُ «وسطيَّة» الأمة، هي الأشمل.. ولم تخلُ مجلة أو صحيفة أو نشرة أو محطة بل وحتى بعض الكُتّاب والكاتبات من صنع مواقع خاصة بهم، فزاد هامش التلقِّي.. وضاقت مساحات التبَرُّم والتشاؤم والانغلاق..!
«5»
** أسئلة «الشك» و«التوجس» لا تقف ولن تقف.. فقد تحول السؤال عن «حرارة الغرفة» إلى محاضرةٍ في «الميتافيزيقيا» ضاق به صدر السائل، وضاع معه وقت المسؤول، ولم تحضر الإجابة..!
** كانت غايةُ «السائل» أن يعرف إن كان مصاباً «بالحمّى».. أو أن الطقس «بارد».. ورغم ذلك فلم يستطع بمماحكة «المستفتي» تقرير الذهاب إلى الطبيب لارتفاع درجة حرارته أو الاطمئنان على صحتهِ والتهيؤ بملابس الشتاء..!
** إلى هذه الدرجة يدور بنا السؤال، وتقتلنا الإجابة.. ثم نستيقظ بعد أُمَّةٍ فإذا نحن قد رضينا بما أغضبنا، وصفّقنا لما صَفَعَنا.. وهو مؤشر يدلُّ على أن «مواقفنا» خاضعة للتأثر والتغيُّر دون «معايير» منهجيةٍ أو علميةٍ أو حتى ثقافية/سياسية/اجتماعية.. بل تبعاً «لرغبات» فردية أو «عواطف» اجتهادية تنفعل فترفض، وتتفاعل فتتنازل، وتدرك استعجالها أو خطأها فتوافق على رفع الرايات «البيضاء».. وأحياناً «الخضراء» حين تتصدر «الواجهة» بعدما اقتنعت بما عنه امتنعت..!
«6»
** من الموضوعات ذات الصلة التي تجاوز الحوار فيها الأسس «العلميَّة» المحدِّدة لأطُر الحوار الحديثُ في «المناهج» التعليمية..!
** اختلطت «الأصوات»، ولم نعد نعرفُ التمييز بين «مقرر» و«منهج»، وارتهنّا لأفكار مسبقة حول دوافع التغيير مع اتهامات جاهزة تنفي «الانتماء» و«الوطنيَّة» وتؤكد «الارتماء» و«التبعيَّة»..!
** منذ سنوات خلت وقبل أحداث 11/سبتمبر بأمد تناقل الناس دراسةً مطوَّلة أُعدَّت من قِبَل «وزارة المعارف» في عهد وزيرها السابق وكانت تتحدثُ حول «آلية» و«مفردات» التغيير المطلوب.. ولقيتْ أصداء إيجابيَّة من جانب، وسلبيَّة من جانب.. ثم توارت..!
** وجاءت الأحداث الأخيرة، وافترض كثيرون أن أيِّ حديث عن «المنهاج» أو حتى «المقرر» هو استجابة لضغوط خارجية هدفُها تنفيذ المخطط «الأميركي الصهيوني» في إطار خلق ملامح العالم الجديد..!
** جبهة تقابل جبهة دون أن يُتاح مجال لدراسة «التغيير» أو «التطوير» أو «الثبات» وفقاً لواقع «المخرجات» التي لا يجادل أبطالُ الجبهتين في أنها تدنَّت.. وأننا أمام واقع مؤلم ومستقبل مخيف بمثل هؤلاء الطلاب الذين سيقودون حركة البناء في الغد.. ربما إلى «خلف الخلف»..!
«7»
** في الاتجاه نفسه لا نزال نناقش جدوى تدريس «اللغة الإنجليزية» للأطفال، وكان الأجدى أن نتحاور حول جدوى تدريسها في المدارس المتوسطة والثانوية.. فالطفل الصغير «حتى سن الثانية عشرة» هو القادر على استيعاب كل اللغات.. ولو شئت تعليمه عشر لغات دفعة واحدة فسوف يتقنها كأهلها.. أما بعد ذلك ودون ممارسة عملية يومية للغة فإضاعة للوقت والجهد..!
** قابلوا من شئتم من طلاب وطالبات الثانوية والجامعة ممن درسوا «الإنجليزية» من المرحلة الإعدادية ولم يسافروا إلى الخارج وسوف تروْن عدم الجدوى.. وإذن فإما أن تدرس من «الروضة» وإلا فإننا نكرر «أخطاءنا» ونستنزف «إمكاناتنا»..!
** أما الخائفون على «الفصحى» فلعلَّهم يعلمون أن المهارات اللغوية لا تغطي على بعضها.. وأن مَنْ أتيحت له دراسة «اللّغات» بصورةٍ سليمة فسوف يتمكن منها ويُجيدها ولن تؤثر واحدة على أخرى..!
** إننا نتحاور حول «التجهيل».. لأننا نخاف من «أنفسنا» قبل أن نخاف من «منافسينا» أو «أعدائنا»..!
«8»
** تقف هذه الأربعاويّة عند محاولة إثارة نقاطٍ «بسيطة» مما اختلفنا «ونختلف» حوله، ولا تُحاول التجاوز لما هو أبعد.. فالمشكلةُ أصلاً هي هشاشة «البناء» الذي لا يقبل «الترميم»، وصلاحية «المبنى» الآيل للسقوط..!
** عمَّ ندافع..؟ ولماذا نندفع..؟ وهل أساساتُنا متهاويةٌ إلى درجة عدمِ «الهمس» بجانبها..!
** نخاف من «الوهم»، ويقتُلنا التردد، ويعمينا «التصنيف» و«الفرقة» وجاهزية «الاتهامات».. فهذا مغلق منغلق، وذاك حداثي أو علماني، وسواهما متطرف، والآخرون جهلة، أدعياء، مأجورون، وهكذا.. تضيع الأمة، ومستقبل الأجيال لأن لا أحد يريد أن يسمع الآخر بل يكتفي بما معه أو حوله من حجر..!
«9»
** لم يعرف صاحبنا حرارة الغرفة، ونحن مثله.. فلم نعرف بعد حرارة المشكلات..! «ليعود» السؤال مرة أخرى..!
** كم نحتاجُ من الوقت لنتجاوز هزائمنا..؟! و«يفتحُ» السؤال أسئلة:
** عن أي هزائم نتحدث.. هل الداخلية.. أم الخارجية..؟ أتلك التي سببها «الخوف».. أو التي أفرزها الوهن..؟ أو الهوى..؟ أو تآمر الأقارب والأباعد صدقاً أو وهماً.. وهل هي النازفة بجرح «الشقاق» الداخلي أم المرهقة «بالحروب» الخارجية..!
** الجوابُ يفرز أسئلة.. فكيف يجيءُ «المخرج» من هذه الدائرة أو الدوامة..؟
* الاستفهام بداية..!
|