حينما يهتم شعب بفنونه الشعبية فإنه يأتي بالدليل القاطع على أنه استكمل يقظته وأحس ذاتيته، وامتلأ بكيانه. باعتبار أن إحياء هذه الفنون إنما هو إحياء لانعكاسات الروح الأصيل، التي تتنفس عنها الأرض التي أنمته، وأن أبرز مميزات هذه الفنون إنما هو توكيد لخصائص مزاجه وطبعه وانطباعاته في التعبير عن الحياة .
إن الفنون الشعبية أو الفولكلور لدى شعب من الشعوب إنما هي تلك السلسلة الطويلة المتتابعة الحلقات من مظاهر تعبيره عن الحياة التي يحياها، وترتبط هذه السلسلة بتاريخ قيام وعي لهذا الشعب وتتناول عقائده وتقاليده، وعاداته.
وتتابع هذه الحلقات من القديم الموغل في أغوار الماضي ولكل حلقة طابع يضيفه عليها التطور العام.
ووسائل التعبير عن هذه الفنون هي الأدب بألوانه المختلفة.
ثم الموسيقى: فالتشكيلات الراقصة، فالنحت والتصوير والزخرفة، وبعبارة أخرى: إن هذه الفنون تؤلف حصيلة لظاهر التعبير عن الحياة الاجتماعية، التي عاشها الشعب منذ القدم حصيلة تتزاحم فيها العناصر الأصيلة لطبعه العريق الذي يحدده المناخ، وطبيعة الاقليم مع التيارات الدخيلة الوافدة بحكم الجيرة وتوثق التبادل التجاري والثقافي مع الخارج.
ولكن يقع أن تطغى التيارات الدخيلة الوافدة على عناصر الأصالة في هذه الفنون فتنكر من معالمها، أو تنزل الشحوب بألوانها وتفقدها الكثير من عراقتها، وذلك تبعاً لما يعرض للشعب من حالات الضعف وشحوب الشخصية وذلك بفعل غاشيات الأحداث السياسية، وأنظمة الحكم، فإذا افاق الشعب وامتلأ بذاتيته وتحرر من عبودية الجهل والاستعمار.. كان أول ما يهم به هو إحياء تراثه القديم في فنونه الشعبية وهو في هذا العمل مدفوع بانعكاس الحال الجديدة التي صار عليها إلى توكيد طبعه وإبراز شخصيته.
هذا والفنون الشعبية أصدق تعبير عن ماهية الشعب من فنون الفصحيات ، باعتبار أن الفنون الشعبية لا تنتسب إلى فرد من الأفراد، وإنما هي نتاج جماعي خرج تلقائياً هي تجارب فنية، أحستها الجماعات وعبرت عنها بالأسلوب المتداول من غير كد ولا عناء.
|