يسود اعتقاد خاطئ في مجتمعاتنا عن التخدير النصفي «فوق الأم الجافية» والمعروف بإبرة الظهر أثناء المخاض عند الحوامل، وزاد انتشار هذا الاعتقاد بين مجتمعات النساء وخصوصا أنه لم يكن مبنياً على تجارب علمية وإنما هي مجرد إشاعات ليس لها أساس من الصحة.
من المعروف أن لكل سيدة آلام خاصة بها أثناء المخاض «الولادة»، كما أن تحمل تلك الآلام تتفاوت من سيدة لأخرى، ولقد كانت هناك اختيارات عديدة لإزالة آلام الولادة مثل:
1- حقن مهدئ في الوريد أو في العضل، وهذا الإجراء كان يؤثر على جسم الأم والجنين ويجعلهما في حالة استرخاء تام مما يتعارض مع الدور الذي تقوم به الأم والطفل أثناء الولادة.
2- استخدام التخدير الموضعي من قبل الطبيبة المشرفة على الولادة وذلك لإزالة الألم في مناطق معينة أو لإجراء الخياطة بعد الولادة إذا استدعى الأمر، ولكن هذه الطريقة لا تزيل الألم الناتج عن تقلصات الرحم أثناء المخاض.
3- هناك اختيارات أخرى عديدة ولكنها غير منتشرة الاستخدام.
4- التخدير الجزئي «النصف السفلي من الجسم» وهذا النوع من التخدير يعطى من قبل أخصائي التخدير، وتعتبر هذه الطريقة الأكثر استعمالا لكونها الأكثر فاعلية في تخفيف آلام المخاض أثناء الولادة، وقد وصلت نسبة استعمالها في البلدان المتقدمة إلى ما يقارب 70-80% من إجمالي حالات الولادات، ومن النسبة المذكورة سابقا لاستخدام طريقة التخدير النصفي، يتبين لنا مدى الاعتقاد الخاطئ والذي أدى بكثير من الحوامل إلى الإحجام عن استخدام هذه الطريقة وتحمل معاناة آلام المخاض بدلا من المرور بهذه التجربة بكل يسر واسترخاء.
فباستخدام هذه الطريقة يقوم أخصائي التخدير باستخدام إبرة خاصة يتم وضعها في منطقة أسفل الظهر ومن ثم حقن المادة المخدرة بجوار الأعصاب المسؤولة عن الإحساس بالألم أثناء المخاض، حيث يتم تخدير الجزء السفلي من الجسم فقط، ومن ثم يتم وضع قسطرة صغيرة يتم حقن المخدر من خلالها أثناء المخاض وبعدها يقوم الطبيب بإزالة الإبرة.
ومن النادر جدا أن تصاحب هذه الطريقة خطورة، حيث ان طبيب التخدير يأخذ بعض المعلومات الهامة من السيدة الحامل، ويقوم أيضا بإجراء بعض الفحوصات والتحاليل قبل عملية التخدير، وبعد التأكد من أن هذه الطريقة تناسب المريضة، يتم حقن المخدر تحت مستوى النخاع الشوكي في منطقة الظهر وبالتالي لاتسبب أية خطورة للنخاع الشوكي أو حدوث شلل لا سمح الله كما كان الاعتقاد الخاطئ سابقا.
وقدأكدت عدة أبحاث بأن هذه الطريقة هي الأكثر أمانا للأم والجنين، وقد أجريت عدة دراسات ولكنها لم تثبت وجود تأثيرات سلبية لهذه الطريقة على التطور الطبيعي لعملية المخاض أو على طريقة الولادة كما كان المفهوم السائد وأنه في حال استخدام هذه الطريقة لا بد من الولادة بالطريقة القيصرية.
وكان أحدث هذه الدراسات التي أجريت مؤخرا على ما يقارب 1000 سيدة، ويرجع السبب الرئيسي بأن هذه الطريقة آمنة ولا يوجد لها أية تأثيرات سلبية كونها تعطى على جرعات بسيطة خلال عملية الولادة وهذا الإجراء لا يزيد من احتمالات حدوث ولادة قيصرية أو استخدام الأدوات للولادة.
ومن أهم مميزات التخدير بواسطة إبرة الظهر هو إبقاء الأم بوضع مريح وبدون آلام أثناء تقلصات الرحم، مع المحافظة على الطاقة الكافية لعملية الدفع أثناء الولادة، إذ إن هذه الطريقة تخدر العصب الحسي أما العصب الحركي فيبقى بكامل طاقته، إضافة إلى ميزة أخرى وتعتبر مهمة جدا وهي أنه في حال تحولت الولادة في أي مرحلة إلى ولادة قيصرية يمكن إجراؤها فورا بدون الحاجة إلى التخديرالعام، هذا بالإضافة إلى أن لهذه الطريقة علاقة مباشرة في التقليل من نسبة حدوث الولادات القيصرية خصوصا لدى السيدات اللواتي كن يلدن بالعملية القيصرية فبهذه الطريقة من التخدير سيكون لديهم فرصة جيدة ليلدن بالطريقة الطبيعية.
كذلك السيدة الحامل ومن المتوقع أن تلد توأمين، وأيضا في حالات إعتلان المقعد «أي وضع الجنين مقلوب».
ومن الميزات الهامة أيضا لطريقة التخدير بإبرة الظهر أنها تناسب الحوامل اللاتي لديهن أمراض مزمنة مثل أمراض القلب، وأمراض الجهاز التنفسي، كما هو معروف أن لكل عملية تخدير اختلاطاتها، كذلك يوجد بعض الاختلاطات لطريقة التخدير بواسطة إبرة الظهر، ولكنها تعتبر في مجملها مؤقتة وسهلة العلاج.
ونذكر هنا أهمها:
1-هبوط بسيط في ضغط الدم:
ويعتبر الأكثر حدوثا تصل نسبته إلى 17% إذا لم تؤخذ الاحتياطات اللازمة، ويمكن علاجها عن طريق السوائل والأدوية.
2- ألم في الظهر:
في الواقع حدوث مثل هذا العارض ليس له علاقة بهذه الطريقة. إذ إن نسبة حدوث ألم الظهر بعد الولادة تتراوح ما بين 3-45% سواء باستخدام إبرة الظهر أو بدونها، علما بأنه في حال حدوث ألم في الظهر بعد التخدير بهذه الطريقة فإنه لا يدوم أكثر من 24-48 ساعة وبعدها يزول.
3- ألم الرأس «الصداع»:
حوالي 40% من النساء يعانون من الصداع بعد الولادة، كذلك ليس لهذه الشكوى علاقة بطريقة التخدير، وقد يحدث صداع نتيجة لاستخدام هذه الطريقة وهي من المضاعفات التي لا تزيد نسبتها عن 61-7، وفي أغلب الأحيان يرجع حدوث المضاعفات إلى مهارة طبيب التخدير.
4- اختلاطات الأعصاب:
ويرجع حدوثها في معظم الحالات بسبب الحمل والمخاض، ولا تتجاوز نسبة حدوثها حالة لكل 10000 حالة.
5- عدم كفاءة التخدير:
وتحدث بنسبة 5,1- 5% وهنا أيضا تعتمد نسبة حدوثها على خبرة طبيب التخدير.
6- تكون خراج مكان الإبرة:
ونسبة حدوثها تتراوح من2,0- 2,1/ لكل 10000حالة.
لعلنا قد وفقنا في تصحيح المفهوم الخاطئ عن هذه الطريقة للتخدير أثناء عملية المخاض لتخفيف آلام الولادة.
كما نأمل أن نكون قد وفرنا المعلومات الواضحة والكافية لإجابة الإستفسارات حول التخدير بواسطة إبرة الظهر.
د. ماريا منصور صفير
أخصائية في التخدير للحمل والتوليد من أمريكا
مستشفى المركز التخصصي الطبي
|