للكلمات التي نقولها أثرٌ واضح في النفوس، ولها دورها في توصيل ما نحمل من الأفكار والمعلومات إلى الآخرين، ولا يمكن أنْ يتخلف دور الكلمات عن التأثير في حياة البشر، لأنها وسيلة مهمة لتحريك المشاعر، وإثارة الاهتمام، ونقل وجهات النظر، وإحداث التغيير الجزئي أو الكلي في مواقف الناس، وأفكارهم.
والكلمات تختلف قوة وضعفاً، صدقاً وكذباً، صلاحاً وفساداً، ويختلف أثرها في النفوس باختلاف توجهات أصحابها، ومقاصدهم، ومنطلقاتهم الدينية والثقافية والفكرية، ولذلك تكون بعض الكلمات نافعة ناصحة، وبعضها ضارة فاضحة.
وهنالك مصدر لقوة كل كلمة يقولها الإنسان، لا يمكن أن تكون الكلمة قوية ومؤثرة دونه، ولا يستطيع متحدث أن ينال موقعاً من نفس سامع دون ذلك المصدر القوي الذي يمنح الكلمات روحاً نافذة إلى أرواح الآخرين.
إنه «الصِّدق».. الصِّدق الذي يمنح كلماتنا قوة فاعلة لا يقف أمامها حاجز أبداً، ولا تخطئ به الكلمات مواقعها من قلوب الذين يستمعون إليها أو يقرؤونها، والصِّدق متعلق بقلب المتحدث وروحه، ومدى قناعته بما يقول وإيمانه به وإخلاصه فيه، وهو متعلق أيضاً بمدى تطبيقه لما يقول، وحرصه على تحويل كل كلمة يقولها إلى واقع عملي معاش.
هنا تصبح الكلمات ذات نفاذ قوي، وذات أثر فعال قد يكون مباشراً، ظاهراً في لحظة الاستماع إلى الكلمة، وقد يكون غير مباشر، ولكنه يعمل في نفس المتلقي بصورة فعالة تظهر مع الأيام.
قوة الكلمة، لا تنطلق من فصاحتها وبيانها فقط، ولا من قوة أداء صاحبها صوتاً ونطقاً وإلقاء فحسب، ولكنها تنطلق من «الصدق» الذي يعد وقودها الأول وتكون العوامل الأخرى مساعدة لزيادة تأثير الكلمة في المتلقين.
قوة الكلمة نتيجة لروح متوثبة، وقلب خافق، ولهجة صادقة، وتأتي بعد ذلك الفصاحة والبلاغة والبيان والأداء الجيد ليبلغ بتلك الكلمة أعلى درجات التأثير، ويعينها في بلوغ المدى الأقصى من نفوس أصحابها قبل نفوس المستمعين إليها.
نعم.. قد يستطيع المتحدث ببلاغته وبيانه وقوة أدائه أن يؤثر في النفوس ويحرك المشاعر، ويهز القلوب، ولكن ذلك كله سرعان ما يفقد أثره الكبير في النفوس عاجلاً أو آجلاً، ويبقى الصدق هو المؤثر الأعمق الذي يحدث التغيير في النفوس.
قوة الكلمة.. مهمة عظيمة، وسبب من أسباب التغيير والتوجيه، فإذا كان الخير هدفاً لصاحب الكلمة كان الإصلاح نتيجة لها.
إن الكلمة «كتلة» مكونة من الشعور، والفكرة والعقيدة والعلم واللغة السليمة وليست كلمة مجردة ينطق بها اللسان للتعبير عن موقف معين دون هذه العوامل التي ذكرناها، ولهذا كان أثر اللسان في حياة الناس كبيراً وسيظل كذلك ما دام على الأرض من يتحدث.
وحينما تحتدم الأحداث، وتتأزم المواقف، وتشتعل نيران الفتن، تصبح الكلمة ذات أثر كبير جداً سلباً وإيجاباً، وهنا يأتي دور قوة الكلمة النافعة الناصحة وتأتي مسؤولية العلماء والمفكرين والدعاة المصلحين، ومسؤولية المتحدثين وأصحاب الأقلام، وتظهر - بجلاء - قيمة الصدق الذي يمنح الكلمة قوة، وينفث فيها روحاً مؤثرة في أرواح من يستمعون إليها.
والكلمة القوية، لا تعني العنف في الحديث، والقسوة في الرد، والغلظة في الحديث، كلا، بل إن أضعف الحالات التي تكون عليها الكلمة هي حالة القسوة والعنف والغلظة، وإنما تعني «الكلمة القوية» الصدق والعمق وسلامة االفكرة، وصفاء الشعور فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن «سباباً ولا لعاناً، ولا فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخَّاباً في الأسواق»، ومع ذلك فما كانت تخطئ الكلمة التي يقولها مكانها من القلوب.
ربما تهمس بكلمة قوية بصدقها في أذن إنسان غير مستقيم، وتكون أنت صادقاً في توجيهه، فيكون أثرها سريعاً ومباشراً.
«قوة الكلمة» بالصدق، والأمة بأمس الحاجة اليوم إلى الكلمات الصادقات في عصر التقلبات.
إشارة:
إنما ينفُث في أقوالنا
قوَّة التأثير حُسْنُ العَمَلِ
|
|