وقفنا في الأسبوع الماضي مع ندوة ماذا يريد المجتمع من التربويين؟ وماذا يريد التربويون من المجتمع؟ سؤالان يحتاجان منا لوقفة مصارحة ومكاشفة كبرى ما بين بعدين: بعد تربوي يمثله العامة وليس النخبة من التربويين وبعد مجتمعي يمثله عدد أكبر وليس قلة ممن يعملون في مجالات بعيدة عن التعليم، هذان السؤالان طرحا في الندوة ولأجلهما كانت هنالك أوراق عمل حضرت مسبقاً ومنذ أشهر مع أن من الأولى أن يجاب عنهما خلال الندوة، فجاءت معدة كتوصيات وتنظيرات مستندة لمراجع وبحوث منشورة مسبقاً، وكذلك لقاءات تشاورية نفذت منذ عدة أشهر «؟؟؟!!!»، لذا فلدي وقفة مع الندوة محفوفة بتساؤلات عدة:
أليس من الأولى قبل تنفيذ الندوة أن تقدم دراسة أو محاورة مع المعنيين بالسؤالين من عامة التربويين وعامة المجمع حول كيف يرى المجتمع واقعنا التعليمي؟؟ وما هي مآخذه على نظمنا التعليمية؟؟ لنجد من خلال هذا الحوار مؤشرات تقويمية تقوم على استفهام كبير.، ما تقويمكم لحالة التعليم الراهنة في مدارسنا؟ وما تقويمكم لحالة طلابنا مع التربية التي هي من أهم وظائف المدرسة إن لم تكن أساسها؟؟؟ وهل مدارسنا تبني شخصية الطالب أم أنها فقط تعلم وتحفظ وتزوده بمعلومات؟؟؟!! ف«45 دقيقة» هل تكفي المعلم لكي يتطرق لأي سلوكيات أو يناقش طلابه حول أي مواقف تبنى شخصيتهم من خلالها، أم أنه يركض لاهثاً لإنهاء عناصر موضوع الدرس ويركض لاهثاً طوال العام لإنهاء مفردات المقرر وتوفير مستلزماته من وسائط تعليمية تعد معجزة لو وفرتها المدارس له؟؟!!! هل ترون يا أرباب المجتمع أن أهدافنا التعليمية التي حددت في وثيقة التعليم الصادرة منذ أكثر من 50 عاماً تتناسب معكم ومع أهدافكم من التعليم ومن مخرجاته؟؟ وكيف بالإمكان تطويرها وجعلها أكثر مناسبة لعصرنا الحالي؟؟ كذلك الأهداف العامة التي وضعت لمقرراتنا الدراسية جميعها أهداف على مستويات محدودة؟ اللوائح التعليمية والأنظمة هل تتناسب مع متطلبات عصرنا ومع أجيالنا؟ ولعلي هنا على هامش هذه التساؤلات أتطرق لتعليمات صادرة مؤخراً بشأن سن القبول لطلاب وطالبات الصف الأول الابتدائي والتي يظهر فيها التشدد حول سن القبول بأن لا يتجاوز عمر الالتحاق ست سنوات أو يقل عنها إلا بتسعين يوما مع أن سن التعليم في بلدان سبقتنا صناعياً كالصين يصل ل4 سنوات وتتناسى الوزارة أيضاً أنها بهذا القرار قد تحجم بهذا القرار من لديهم قدرات أعلى من سنهم من موهوبين وموهوبات والذين قد يضطرهم هذا القرار للاستفادة من عملية التسريع التعليمي التي نرجو أن لا تمنع أيضاً؟؟؟ كل هذه الاستفهامات كانت الندوة بحاجة إليها قبل عقدها للإجابة عنها من خلال دراسة الواقع من وجهة نظر المجتمع فما يصدر من قرارات ما رأي المجتمع؟ وعنصره الأساسي الفرد هو المستهدف بالموضوع وليست إجاباتها عن طريق أوراق عمل تكتب وتعد إعداداً منمقاً وإنما كان بالإمكان مخاطبة كافة الجهات المجتمعية وإعداد دراسة مسحية وعلى ضوء هذه الدراسة يتم تعديل وإصلاح الواقع وليس تطويره وهي الكلمة المتكررة في أروقة الوزارة تطوير التعليم، تطوير المعلم، تطوير المقرر.. الخ ويكون هذا الإصلاح محدداً بفترة زمنية عامين دراسيين ومن ثم بعد عامين يطلب من المجتمع تقييم الواقع مرة أخرى لنعرف ماذا يريدون بعد هذا الإصلاح؟!! فإذا كانت الوزارة قد غيرت وليس طورت في أسلوب القياس والتقويم من خلال لائحة تقويم الطالب التي ما تغير منها سوى تعليمات وضوابط للاختبارات فإن من الأولى قبل تغيير بنود التقويم تغيير المقرر الدراسي لتتناسب مفرداته مع أدوات التقويم وخاصة التقويم المستمر الذي مني به معلمو ومعلمات الصفوف المبكرة وكان أغلبه يقوم على قياس مهارات معرفية أكثر منها مهارات تفكير وإدراك وملاحظة عملية وحدث ولا حرج عن بنود تقييم بعض المقررات كالرياضيات والعلوم الطبيعية في المراحل العليا «؟؟!!!» أيضاً ما نسمعه ونقرؤه من مشاريع تطرحها الوزارة بهدف التطوير على حد قولهم خذ مثلاً هنالك مشروع تحت مسمى مشروع تطوير استراتيجيات التدريس وهو مختص بالمعلمين لكن أستغرب أن شعاره «علمني كيف أتعلم» مع أن من الأولى أن يكون «علمني كيف أربي وأعلم» وأنه حدد له ضمن خطته عائد تربوي يقوم على بناء قدرات الطلاب في مجال الاتصال والمهارات اللغوية الأساسية واستخدام وسائل الاتصال التقنية بما يناسب كل مرحلة فكيف نعلم المعلم كيف يعلم المتعلم مهارات الاتصال وتجهيزاتها غير متوفرة له قبل أن تكون متوفرة للمتعلم بين يديه ؟؟؟؟!!! إضافة إلى أن آلية هذا المشروع اعتمدت على مرحلة إعداده على النواحي النظرية وتم طرحها في المشروع محددة ب13 استراتيجية للتدريس فهل هذه الاستراتيجيات هي فقط التي يحتاجها المتعلمون لدينا؟؟ أليست تعد قليلة قياساً بحجم ما يجب أن يتعلمه المعلم ويتدرب عليه من استراتيجيات ويتاح له المجال بعد ذلك لتصميم التعلم وبيئته، فمثلاً استراتيجية التعلم عن بعد لماذا تم تجاهلها؟!!! من قبل هذا المشروع؟ فهل الوزارة تخاف أن يسحب البساط من تحت قدميها وأقدام معلميها فيما لو طبقت هذه الاستراتيجية؟؟؟!!!! فإذا كانت تقنيات التعليم قد تطورت، وأصبحت قادرة على تقديم برامج للتعليم من بعد، سواء للطلاب أم للمعلمين. وهؤلاء بدورهم يقومون بتعليم أنفسهم بأنفسهم، من خلال استخدام أوعية متعددة للبرامج تشتمل على المواد المكتوبة، أو المواد المسموعة، أو المواد المرئية. ويتطلب إعداد برامج التعليم من بعد، توفير المتخصصين القادرين على إعداد هذه البرامج وإخراجها، باستخدام مختلف الأوعية والوسائط. وهنا يكمن دور الوزارة في توفير هؤلاء المعدين لهذه البرامج، ولها دور في إخضاع المتعلم عن بعد لتقييم شامل فيما تعلمه، لكي يحصل على مبتغاه من مؤهل أو شهادة «تنفعه عند التوظيف» وفي نفس الوقت وجدنا أن هذه الندوة تحدثت عن البيئات المدرسية لكن دون سبر لأغرار البيئات الحالية فهي بيئات تعليمية مغلقة بدء من المبنى المدرسي وانتهاء بالمعمل الذي يعلوه الغبار خوفاً من ضياع بعض العهدة منه، وانتهاء بمعارف ومحتويات لمقررات لا تبني ولن تبني بحال شخصية طلابنا أو طالباتنا لأن ما نراه حالياً أن تربية الأبناء تقوم على أسرهم وعلى من يقطنون في منازلهم من عمالة وافدة بينما بقاء الطالب في المدرسة مدة ست ساعات «لا يعدل ولا يبدل في سلوكياته المكتسبة منزلياً» فالمدرسة أصبحت مجرد ناقل للمعلومات فقط بل أحياناً تفقد هذه المهمة أيضاً فقد أضيف لكاهل الأسرة ونفقاتها الشهرية ظاهرة تفشت بكثرة وهي ظاهرة الدروس الخصوصية فما سبب نشأة هذه الظاهرة إلا غياب العمل المخلص الذي يراعى فيه الخوف من الله وأداء الأمانة من قبل البعض من المعلمين أو المعلمات نحو مهنتهم فالضمير المهني للمعلم أو المعلمة للأسف غائب، هذا الضمير الذي ندرسه لأبنائنا آلياً منذ الصف الثالث الابتدائي في مرتبة من أهم مراتب ديننا الإسلامي القويم وهي (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فأنه يراك) فالإحسان يقوم على مراقبتنا لله سبحانه وتعالى في السر والعلن وجعل ضمائرنا تحاسبنا قبل أن نحاسب لكن المعلم حين كان طالباً كان درسه آلياً وحفظه غيباً فقط وعاد ليقدمه بنفس الصورة والأسلوب «؟؟؟» ونفس الأمر ينطبق على القيادات التربوية التي بين يديها زمام الأمور ومفتاح القرارات فلا شك أنه إذا صلح الرأس صلح الجسد. عموماً ملخص هذا أنه قبل هذه الندوة كان من الأولى أن يتم التعديل والإصلاح من واقع التعليم ونضع خطوات هذا الإصلاح بعد تطبيقها وظهور نتائجها أمام المجتمع ليتم تقييمها وتعديلها على ضوء المرئيات، لأننا نظلم أنفسنا لو جعلنا تقيمنا قائماً على ما تم تنفيذه وتقريره منذ أكثر من نصف قرن؟؟ ولأمور أكل عليها الدهر وشرب، «!!!»
بل من خلال ما يمكن أن يفعله فالأولى أن يبدأ التربويون بإصلاح واقعهم ومن ثم ينحون نحو ما يطالبهم المجتمع به لأنه في ظل الواقع الذي انبثق عن الندوة ستجد الوزارة نفسها أمام أكثر من خمسمائة توصية إن لم يكن أكثر.. ففي نظري أنه لا بد أن يكون هنالك إصلاح وعمل فعلي للتعديل قبل أي ندوات؟؟ ولماذا ندوات ومؤتمرات هي التي تصنع قراراتنا ورغباتنا في التغيير؟؟؟ هل لأجل الصيت والأضواء الإعلامية؟؟؟!!
فمثلاً لماذا لا يتم عقد اجتماع مثلما تعقد اجتماعات أسبوعية مكرّرة في مكتب الوزير يدعى له مسؤولون من المجتمع أو بالإمكان أن تكون جلسة مغلقة ما بين مسؤولي التعليم ومسؤولين من المجتمع وعلى ضوئها أقترح أن تقدم بطاقة تحت مسمى «بطاقة دعم للتعليم» ليست مجرد دعم بمبالغ مالية من قبل رجال الأعمال فقط بل دعم من كافة الجهات هذه البطاقة تحدد نوعية الدعم بمالي، استشاري، تدريبي، ..الخ
فمثلاً فيما لو كان ضمن الجلسة مسؤولون ومهندسون ممن قد يكون لهم دورهم في تقديم استشارات ومخططات لمبان مدرسية مستقبلية تطوعاً منهم، وغيرهم كثيرون فهناك الأطباء والطبيبات والمختصون بالتغذية بالإمكان أن يقدموا إرشاداتهم فيما يخص تغذية الطلاب عن طريق المقاصف المدرسية، وهنالك جهات التدريب المهني والتقني التي بإمكانها أن تتبرع ببرامج تدريبية مجانية إما للطلبة أو للمعلمين و.. الخ هذه البطاقة تعد التزاماً فعلياً وإجرائياً منذ توقيعها خلال الجلسة المغلقة ومن ثم تقام مثل هذه الندوة لمناقشة نواتج البطاقات التطوعية من خلال مقدميها وفي نفس الوقت يتاح المجال للراغبين والراغبات في تقديم بطاقات دعم لا توصية نظرية نطرحها ضمن أوراق عمل وجلسات تتكلف الوزارة في تنظيمها مبالغ طائلة وخاصة المطبوعات الورقية التي قد يستلمها بعض الحاضرين والحاضرات وتهمل دون اهتمام أو عناية بها وكان من الأولى ترشيد نفقاتها لأجل تجهيزات المدارس فتكلفة خمس مطبوعات مما وزع في هذه الندوة يوفر مقعداً وطاولة لطالب يفترش الأرض في مدرسة بقرية نائية وتكلفة مطبوعة واحدة يوفر علبة طباشير أو قلم سبورة لمعلم يخسر من راتبه ثمن هذه الأدوات، فإذا كان لهذه الندوة جوانب ومحاورات ومناقشات فمن الأولى أن نعد أوراقنا قبل عقد أي ندوات أو مؤتمرات تربوية مستقبلاً فليس المهم كم عقدنا وكم حضر ومن حضر بقدر ما هو المهم ماذا سنقدم من عمل فعلي؟؟؟ ففي نظري جولة تفقدية يقوم بها من هم على رأس المسؤولية لمدارس بحاجة لمتابعة وتلمس احتياجاتها بدلاً من أن تكون مكاتباتهم قد بعثت بريدياً من المسؤولين في المدرسة للجهات العليا وضاعت في ظل البيروقراطية القابعة في أدراج الوزارة أفضل بكثير من ندوة يحضر لها على مدار أشهر لتخرج بتوصيات قد تفعل أولا تفعل «وإنما مثلها مثل غيرها» فماذا عن توصيات لقاء مديري الإشراف التربوي الثامن والذي عقد مدة ثلاثة أيام في مدينة الرياض قبل عام تقريباً وطرح في توصياته ما يقارب من نصف ما طرح من توصيات في هذه الندوة وبنفس الفكرة والمضمون؟؟؟!!!!!
إن الحديث يطول ويطول عن واقع ما قبل الندوة ومن الطموحات فيما سيكون وفيما سيتم؟؟ لكن الأمل والرجاء في الله سبحانه وتعالى مخرج الناس من ظلمات الجهل إلى بينات من النور ومن ثم في قياداتنا الرشيدة لأننا في عصر نستشعر فيه كل يوم خطورة المسألة التربوية، وخصوصاً الجانب التأسيسي منها، فطفل اليوم، هو مسؤول الغد.والله نسأل السداد والتوفيق
(*)مشرفة تربوية ورئيسة مجموعة هتون الصباح الخيرية لثقافة الأطفال
|