(2)
لا يمكن اعتبار أي دولة تسعى للحرب من أجل الحرب، قد تشن دولة حرباً لتحقيق هدف يتعلق بأمنها القومي، أو لتأمين مصالحها الوطنية، اقتصادية كانت أو سياسية أو مداً للنفوذ الإستراتيجي الذي يحقق جملة أهداف. والولايات المتحدة الأمريكية ليست نشازاً مختلفة عن باقي الدول ولذا لا يمكن أن توصم بكل بساطة بأنها دولة محبة للحروب وتسعى لشنها لأتفه الأسباب. وفي الحالة التي نتحدث عنها «الحرب الأمريكية التي تعمل واشنطن ولندن على شنها على العراق» فإن المصلحة في أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة يريدان من العراق تنفيذاً صادقاً وحقيقياً للقرار الدولي 1441 الذي يركِّز على آليات تدمير ونزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، إضافة إلى إلزام العراق بتنفيذ باقي القرارات الدولية الأخرى التي صدرت أثناء وبعد حرب الخليج الثانية.
إذن فإن لدى واشنطن ولندن هدفاً واضحاً وهو ما يتحدث عنه الأمريكيون الذين يرون في امتلاك العراق أسلحة دمار شامل خطراً على الأمن القومي الأمريكي خاصة والغربي عامة ويسوقون مبررات منها أن إمكانية انتقال ما لدى العراق من أسلحة دمار شامل إلى جماعات الإرهاب الدولي إمكانية واردة نظراً لتاريخ النظام العراقي ولعلاقة القيادات العراقية بجماعات الإرهاب الدولي.. هكذا يردد الأمريكيون ليل نهار رغم أنه حتى الآن لم يثبت امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وما كان يمتلكه من أسلحة كيماوية وبيولوجية وصاروخية قد دمَّر ولكن من يثبت أن العراق لا يمتلك هذه الأسلحة.
هنا تظهر المعضلة، الأمريكيون يطالبون الرئيس صدام حسين وحكومته بإثبات خلو بلادهم من الأسلحة الممنوعة.
العراقيون يردون بالعكس مؤكدين خلو بلادهم من هذه الأسلحة ويطالبون من يدّعي العكس أن يثبت ذلك.
الأمم المتحدة لديها فرق تفتيش عجزت حتى الآن عن العثور على دليل على امتلاك العراق للأسلحة المحظورة وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تعطي شهادة بخلو العراق منها.
إذن ما هو الحل؟ هل تشن أمريكا وبريطانيا ومن معهما حرباً وهي لا تعرف أين تكون تلك الأسلحة وهل يكون هذا العمل مبرراً مستساغاً أخلاقياً وقانونياً...؟!!
الشعب الأمريكي ومن خلال استطلاعات الرأي وبنسبة 72% منهم يطالبون إدارتهم بإبراز دليل على امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
ويرد كبير موظفي البيت الأبيض بأن الحكومة لا تتخذ قراراتها بناء على نتائج استطلاعات الرأي.
أيضاً 63% من الذين شاركوا في استطلاعات الرأي التي نفذتها ثلاث من أهم وأكبر المؤسسات الإعلامية يطالبون الرئيس بوش بضرورة الحصول على موافقة الأمم المتحدة قبل ضرب العراق...!! وأن أي عمل ضد العراق يجب أن يتم بالتعاون مع تحالف دولي قوي.
هذه المطالب الثلاثة التي أظهرتها استطلاعات الرأي في أمريكا غير متوفرة بالصورة المطلوبة للإدارة الأمريكية ولكن هل يكفي هذا لعدم شن حرب على العراق؟!!
لا اعتقد ذلك ليس لأن الحكومة الأمريكية وأي حكومة أخرى لا تتخذ قراراتها بناء على نتائج استطلاعات الرأي، بل لأن لدى الإدارة الأمريكية أهدافاً ما كان لها أن تقوم بكل ما قامت به من حشد عسكري ضخم وتهيئة القواعد العسكرية حول العراق والتكاليف الباهظة التي صرفت وتصرف ثم تعلن تأجيل كل ذلك.. ولكن ومع ذلك وكما ينصح حلفاء أمريكا بأنه يمكن تحقيق الأهداف بإعطاء مزيد من الوقت لفرق التفتيش لتأدية دورها وأن يترك للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بأعضائه الأربعة عشر الباقين أن يؤدوا دورهم لمساعدة أمريكا والعراق معاً.
مساعدة أمريكا في تحقيق أهدافها دون حرب وأن يتم التخلص من الأسلحة الممنوعة وينفذ ما تبقى من قرارات مجلس الأمن الدولي بالحوار وبالاقتناع المدعم بالقوة وهو ما تمثله الحشود العسكرية الأمريكية التي يستطيع الرئيس بوش القول بأنه حقق بها ما كان يريد تحقيقه دون أن تطلق صاروخاً.. بل ولا حتى طلقة...!!
|