إذا أصرت الولايات المتحدة على تنفيذ تهديداتها المتزايدة بتهميش الأمم المتحدة وشن حربها ضد العراق فإنه من السهل رصد مجموعة من العواقب الفورية لمثل هذه الخطوة الأمريكية، فهذه الحرب ستكون غالية الثمن بالنسبة للأمريكيين سواء من التكاليف المادية أو الخسائر البشرية حتى إذا ما كانت هناك بعض الجهود المساعدة من جانب الدول التي أطلق عليها الرئيس بوش «تحالف الدول التي لديها الرغبة» في خوض الحرب ضد العراق إلى جانب الولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة سيكون لها دور كبير في تشكيل العراق ما بعد الحرب.
ويؤكد بعض الخبراء ان أي حرب في الشرق الأوسط تخوضها أمريكا بمفردها غالبا أو بالتحالف مع بريطانيا سوف يكون لها آثار واسعة على المجتمع الدولي والقواعد التي ساعدت في توجيه العالم بالنسبة لاستخدام القوة على مدى السنوات الخمسين الماضية.
ضربة للنظام العالمي
يقول شارلز كوبشان خبير العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون الأمريكية إن مثل هذه الحرب يمكن أن تصبح نقطة تحول أو ضربة قوية للنظام العالمي الذي ظل قائما منذ الحرب العالمية الثانية، والواقع أنه في الوقت الذي يركز فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش على عجز الأمم المتحدة في التعامل مع «الدول المارقة» فإن النتيجة المحتملة لمثل هذه الحرب يمكن أن تتمثل في لفت المزيد من الانتباه العالمي إلى استخدام القوة الأمريكية، وقد بدأت بعض الدول الأخرى بالفعل في محاولات إقامة نوع من التوازن المضاد مع القوة الأمريكية، فالفرنسيون الذين يشيرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها «القوة العملاقة» بالعالم يأملون في صياغة موقف أوروبي خلال الاجتماع الهام لمجلس الأمن خلال الأسبوع الحالي لمناقشة الملف العراقي بعد تقديم المفتشين الدوليين تقريرهم الأول عن الالتزام العراقي بقرارات مجلس الأمن اليوم الاثنين.
وفي ظل تزايد معارضة الرأي العام للحرب فقد نجح الفرنسيون في تكوين قوة لمواجهة القوة الأمريكية، وتحت ضغط من جانب فرنسا وألمانيا رفض حلف شمال الأطلنطي «الناتو» الموافقة على طلب أمريكا بالحصول على مساعدة الحلف في حالة قيام حرب ضد العراق. يقدم المفتشون الدوليون تقريرهم عن العراق اليوم الاثنين ثم يبدأ مجلس الأمن الدولي مناقشة التقرير يوم الأربعاء في الوقت الذي تصر فيه فرنسا وروسيا على أن المفتشين الدوليين يحتاجون إلى المزيد من الوقت لإنجاز مهامهم وأن مجلس الأمن هو الوحيد صاحب قرار استخدام القوة العسكرية ضد العراق.
فشل الأمم المتحدة
وفي هذا السياق فإن أي حرب أمريكية ضد العراق سوف تثير المزيد من الشكوك حول أسباب فشل نموذج الأمم المتحدة في ضبط استخدام القوة في العالم، ولكن هذا لا يعني عدم وجود احتمال حدوث انقلاب في موقف أمريكا، يرى بعض صناع السياسة في إدارة الرئيس بوش أن شن حرب سريعة تؤدي إلى الإطاحة بصدام حسين وتسمح بإقامة نظام ديموقراطي في العراق سوف تؤدي إلى تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم ويساعد على انتشار النموذج الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
وبالنسبة لهؤلاء المسؤولين فإن معارضة الحرب الأمريكية ضد العراق هي محاولة من جانب هؤلاء المعارضين لمقاومة تحسين الهيبة الأمريكية في العالم.
القواعد الدولية للقوة
ويؤكد بعض الخبراء وجهة النظر التي تقول إن الحرب القادمة سوف تؤدي إلى إعادة كتابة وتطبيق القواعد الدولية لاستخدام القوة المسلحة، يقول مايكل جلينون استاذ القانون الدولي في مدرسة فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تفتس الأمريكية إن النظام الدولي الذي وضعه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتطبيق القانون واستخدام القوة ينهار بالفعل وأن استخدام القوة ضد العراق سوف يؤكد هذا الانهيار قبل أي شيء آخر.
ويضيف أنه إذا انتهت هذه الحرب بسرعة وبنجاح بالنسبة للأمريكيين فإن فرصة وضع قواعد جديدة لاستخدام القوة سوف تتقلص، وبالطبع سيتم اعتبار أي حرب قادمة ضد العراق باعتبارها حربا تقودها أمريكا وتأتي في إطار تدخل أمريكا في شؤون الدول تحت أي ظروف، ولكن الخبراء يقولون إن الموقف سيختلف بالطبع بالنسبة للرأي العام العالمي في حالة شن هذه الحرب بصورة فردية من جانب الولايات المتحدة أو شنها بدعم دولي، ولكن في ظل القلق العالمي من استخدام أمريكا لقوتها فإن الكثير من الدول الأخرى سوف تحاول عدم التصرف بطريقة تزيد من تجاهل الولايات المتحدة للأمم المتحدة، وقد أدى ظهور الأزمة النووية لكوريا الشمالية على الساحة الدولية إلى دعم موقف الدول المناهض للولايات المتحدة.
كوريا والعراق
ومن غير المحتمل أن يؤدي الاختلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص العراق إلى عرقلة الجهود الأمريكية لنقل الأزمة الكورية إلى مجلس الأمن الدولي كما يرى أغلب المراقبين.
يقول لورانس كورب المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان والخبير الحالي للعلاقات الدولية في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك ان هناك غموضا كبيرا للموقف لدى للشعوب سواء داخل أمريكا أو خارجها في ظل وجود قضيتين شديدتي الوضوح هما العراق وكوريا الشمالية، لذلك من الصعب أن تحصل على دعم الشعوب في الوقت الذي لا يبدو فيه تصرفات الحكومة واضحة، ولكن هذا لا يعني أن الشعوب لن تؤيد التحركات إذا ما اتضح أنها تصب في مصلحتها.
وفي العاصمة الكورية الجنوبية سول قال نائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون منع انتشار الأسلحة والأمن الدولي جون بولتون انه يتوقع حشد التأييد الدولي لمعالجة أزمة الأسلحة الكورية الشمالية من خلال مجلس الأمن الدولي خلال أيام.
وهذا الموقف الأمريكي يتناقض بوضوح مع ما يراه بعض حلفاء أمريكا وشركائها من «نفاد صبر» أمريكا بالنسبة لدور الأمم المتحدة في الأزمة العراقية.
قال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فليبيان الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة التي تتحرك بصورة فردية بالنسبة للحرب ضد العراق يمكن أن تؤثر بصورة سلبية على التعاون الدولي بالنسبة لقضايا دولية أخرى مثل الأزمة الكورية الشمالية، ولكن من غير المحتمل أن يدفع المجتمع الدولي الولايات المتحدة إلى المزيد من التحرك الفردي من خلال عدم التجاوب مع رغبتها في التحرك الجماعي بالنسبة لكوريا الشمالية.
يقول جلينون إن دولا مثل فرنسا وألمانيا التي تستعد لرئاسة مجلس الأمن الدولي خلال فبراير القادم تقع بين شقي الرحا فهي تريد أن تظهر لأمريكا عدم رضاها عن الموقف الأمريكي وفي نفس الوقت لا تريد أن تغامر بجعل أمريكا أقل رغبة في العمل من خلال مجلس الأمن، ويمكن لأعضاء مجلس الأمن أن «يقسموا» القضايا المختلفة إلى فئات بحيث يمكن العمل مع الولايات المتحدة في أحد هذه الموضوعات حتى إذا كان هناك خلافات بينهم حول موضوعات أخرى كما يقول بول تيلور مديرالمعهد الأوروبي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن.
ويضيف تيلور ان أكثر ما سيؤثر على العمل المشترك بين الولايات المتحدة ودول العالم بخصوص القضايا العالمية هو عدم الثقة لدى بعض الدول الأوروبية في حقيقة النوايا الأمريكية، وقد تجسدت كل المخاوف الدولية بشأن استراتيجية الضربة الوقائية التي أعلنها الرئيس الأمريكي جورج بوش وكذلك استراتيجية التحرك الفردي تجسدت جميعها في الأزمة العراقية.
يقول بول تيلور إن هذه الأزمة دعمت الشكوك لدى الأوروبيين بأن إدارة بوش كانت قد اتخذت قرارها بغزو العراق حتى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأن ما يحدث حاليا هو محاولة أمريكية للحصول على غطاء دولي لهذه العملية العسكرية.
أما الدكتور كوبشان مؤلف كتاب «نهاية العصر الأمريكي» فيقول إن التحرك الفردي الأمريكي سوف يؤدي إلى تحول في مواقف الدول التي ترحب باستخدام أمريكا لقواتها من مناطقها بصفة عامة بحيث تقاوم هذه الدول الوجود العسكري.
ويضيف ان هذا يحدث بالفعل حاليا في كوريا الجنوبية وقد يكتسب زخما في اليابان وأوروبا والشرق الأوسط.
وتعد منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي تقول إدارة بوش انها يجب أن تظل مفتوحة أمام موجات الديموقراطية الأمريكية بعد الحرب والإطاحة بصدام حسين.
(*) خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص بـ «الجزيرة»
|