أن تكون عاطفياً فهذا أمر ممكن، أن تكون خيالياً محلقاً فهذا شأنك.. لكن أن تكتب شيئاً في أمور الإبداع والأدب بطريقة عاطفية فهذا أمر غير مقبول.. لك أن تفتش فيما يكتب اليوم.. ستجد أن النزعة القوية في أي كتابة تنطلق من العاطفة وليس من العقل.. وهذا أمر -من وجهة نظرنا - غاية في الخطورة.. بل إنها كارثة تهدد الموهبة الأدبية.
تتكاثر حالات الكتابة، وتتزاحم الطروحات الأدبية ولا سيما الإبداعية لكنها - للأسف - تذهب نحو الاغراق في النرجسية والذاتية التي تمور في ذات الإنسان، وتتوهج في قلبه.. في وقت لا تدرك أي ملمح عقلي لما يطرح.
إن كانت هذه العاطفة هي المحرك الرئيسي لبعض الآراء النقدية فكيف بها في بعض الأعمال الأدبية التي يتوسَّم فيها القارئ الإبداع كالقصة القصيرة أو القصيدة، فإن تكالبت العاطفة على هذا المشروع فسيكون مسخاً مشوهاً، وعملاً عبثياً لا يلبث إلا أن يتوارى مع الزمن.
«جناية العاطفة» على الرأي الأدبي مدمرة وخطيرة فكيف بها إن مارست سلطتها على الابداع لتعطل العقل وتذهب بالرؤية إلى حالة الهذيان والضبابية، لنرى المشروع الكتابي أصبح مجرد خواطر يتسلى بها البعض، وينفسوا فيها عن ذواتهم المكبوتة فلا يتورعون عن القول أن ما قدموه هو من قبيل العمل القصصي أوالشعري.
ما زال النقاد والمنظرين يرفعون أصواتهم، ويشهرون أقلامهم في وجه مروجي الخواطر قائلين: الأدب باختصار قصيدة أو قصة أو مقالة.. وما سواه ضرب آخر من ضروب التجريب الكتابي، ومحاولة أخرى من محاولات الكاتب للوصول إلى أي فن من الفنون، ورؤية النقاد هنا تحاول الوقوف في وجه عبث «الخاطرة» التي تدفعها العاطفة للنهوض نحو القارئ لكن الأمر لا يعدو كونه محاولة من المؤكد أن الفشل حليفها.
كم من المرات، وكم من المحاولات التي تصدر من النقاد والباحثين للفت الأنظار نحو حالة الشعر وحالة القصة وحالة الرواية بوصفها عوالم واضحة مستقلة لا تقبل الجدل الطويل حول كنهها وحياتها.. بل إن هناك من أشار إلى أن صراع العقل مع العاطفة في هذا السياق الكتابي هو حالة من الكشف الضروري لما هية الفن الإبداعي، ورسالة عقلية أيضاً توضح ضرورة أن نسمي الأشياء بأسمائها وأن نقول إن ارتباط «الخاطرة الكتابية» بالعاطفة هو من قبيل الهذيان ليس إلا، في وقت نؤكِّد فيه على سلامة الفن الشعري والقصصي والروائي من هذه المحاولات العاطفية لدمجه وتقليمه وتهذيبه حتى يتداخل كل لون بالآخر بطريقة تنم عن عبث ورغبة في الوصول إلى عوالم غير واضحة للقارئ ربما أولها اشباع الذات بقدرة «الأنا» على الوصول نحو أي شيء حتى وإن كان الفن الإبداعي.. وهذا في يقيننا عين المعضلة وكيانها.
|