«القمر هذه الليلة
يتكئ على نصفه الباهت
ليطل على موسيقا هاربة
من مقهى المهزومين
يسكب في صحونهم لونه
الضائع
في ردهات المدن المعزولة
...
ها هم
يشاهدون ملامحهم طافية
في مرآة هذا المتكئ
على نصفه المهزوم
في بقاء باهت»
للشاعرة / صالحة غابش
فجأة وقف.. اتجه إلى الخارج
قالت له زوجته:
- إنني من مشيتك، ونسيانك باب البيت مفتوحاً، عرفت أنك ذاهب إليهم في الأيام التي سبقت ذلك أوصاها على البنات مراراً وتكراراً
فيما هو جالس بينهن.. قبل أن يخرج بقليل.. حدث نفسه:
- سأكون صادقاً في كل ما أسأل عنه.. لا أستطيع الكذب.. لم أذكر أنني اقترفت كذباً طول حياتي..
التفت عند خروجه من البيت إلى الخلف.. رآها تقف بالباب.. تمسح دموعها.. قال لها:
- احرصي جيداً على نفسك وعلى البنات.. إنني لا أعرف متى سأعود!
حزن ثقيل يعصر قلبه.. متعب كان.. لكنه لم يكن غريباً عليه.
أن يكون في مثل هذه الحال.
لا يعلم أي طريق سلكه.. رغم أنه وجد نفسه في المكان المحدد!
لم يكن خائفاً لدى دخوله.. لكنه كان يتذكر بيت شعر يقول: أنا يقتلني البرد ويقتلني نصف الموقف أكثر.
**
اقترح بعد جلوسه على المقعد أن تكون المسألة كتابة.. فصوته لا يساعده على التحدث.
ساعات طوال من الكتابة لم تكد تنتهي.
هاتف أهله يبلغهم أنه في الطريق إليهم.. ثم هاتفهم أخرى، وقد اشتدت حدة حديثه مع من حوله.
- لم أكن في الطريق إليكم ولا إلى أحد غيركم!
- ماذا تقول.؟
- هي هكذا، حتى أنا لم أفهم.
- ومتى سوف...؟
وقبل أن تكمل زوجته ما تريد قوله، أغلق الخط.
اشتد عليه الغضب.. وبدا منفعلاً ومرتبكاً.. اشعل سيجارة
ومشى بسرعة.. أشعل سيجارة أخرى.. ودخل الغرفة
تلفت يبحث عن السرير.. أسرع نحوه.. وارتمى عليه.. وخلال دقائق قليلة.. نام نوماً عميقاً.. لم يستيقظ إلا في اليوم التالي..
حين فتح عينيه.. انتبه إلى الغرفة.. لقد كانت واسعة جداً لكنها موحشة.. وسأل نفسه:
- هل الغرف سبب للأمراض النفسية
وتذكر أنه قد رأى فيما يرى النائم أن غرباناً كثيرة تحوم حول منزله جعلت السماء سوداء.. طفق يقذفها بالحجارة.. لكن الحجر عندما يرميه يسقط قبل أن يصل إلى الغربان.. وأنه حين أراد أن يقذف بقوة لم تتحرك يده.. كابوس هذا..
كاد ألا يخرج منه
قال: وقد ملأ الحزن قلبه
- حتى في المنام
وحشة وحزن وآلام كثيرة وأسئلة لا تنتهي.. وأحلام
في اليقظة يذهب به قلبه إلى البنات.. فيتوجس في نفسه خيفة يرفع رأسه إلى أعلى.. ويدعو.. ألا يصبن بأذى.. ويتمنى أن يطمئن عليهن.
هواجس وكوابيس وخوف وليال تمضي ولا تمضي.
وحدث صاحبه:
- هأ نذا عدت كما ذهبت.. أما ما يستقر في القلب وفي الذاكرة فيبقى.. احتمالاته كثيرة.
توضأ..وجلس إلى مكتبه.. وفي يد ثابتة أمسك قلماً وعلى ورقة ناصعة البياض كتب:
- إنه مني إليّ ومن معي.. وليس إلى أشباه الرجال وكتب ما يشبه الوصايا.. حتى جف القلم.
حائل /5/8/2002
|