إن القدرة على التحدث أمام الجمهور، تدل على تمتع الشخص بثقة كبيرة في صورته الكلية، فإذا أردت أن تبرز نفسك في مجال ما، أو أن تجذب انتباه الآخرين إليك، أو أن تحسّن من صورتك في مجال عملك، فبإمكانك أن تقوم بذلك بسهولة وفاعلية، إن أنت تعلمت كيفية التحدث أمام الجمهور ببراعة.
يقال (إن الخوف يهزم من الناس أفواجاً لا حصر لها).. والخوف وإن كان سببه من الخارج إلا أن مصدره من الداخل، ولعل عدم التفرغ، وعدم تركيز الفكر في كيفية التعامل مع المسبب الخارجي.. أثر سلبياً على تفكيرنا.. وولّد الحيرة في كيفية التعامل مع ذاتنا التي هي المصدر الداخلي.
هل سبق لك أن حاولت وأنت وحدك في غرفة نومك مثلاً أن تلقي خطاباً أمام جهاز تسجيل؟!
أنا أذكر شخصياً أنه ارتج علي وتلعثمت ولم أستطع التكلم.. بل تصبب العرق مني.
كيف يحدث هذا ولماذا؟ مع أنني إنسان غير انطوائي وأصنف نفسي ممن يجيدون التعبير عن أفكارهم..
لم أستطع معرفة السبب في حينه واكتفيت بالتجربة السابقة ولم أعد لها.
بعد سنين وقراءات.. وجدت أن ذلك الخوف لم يكن ينتابني وحدي، بل إنه شائع وله اسم في علم النفس وهو رهاب المسرح (رهاب المنبر).
هذا الرهاب قد يستفز حواس المرء فيزيد تركيزه، وانتباهه، وسرعة تفكيره، وقلقه... إلخ.
وهو - وإن كان مستفزاً للأعصاب محفزاً للعضلات - إلا أنه مفيد، إذ يجعل المرء مستعداً مسبقاً لمواجهة التحديات الطارئة والتحضير لمواجهتها.
الخوف من جهة أخرى هو وليد العجز، وانتصار الخوف علينا ليس غالباً وليد العجز، بل بسبب الجهل والكسل.. فالتمرين والتدريب هما الطريق الوحيد إلى القدرة على التعامل مع الخوف الداخلي.
هل سبق لك أن ذهبت إلى محاضرة أو ندوة؟..
سوف تجد شخصاً أمام الميكروفون يتحدث بطلاقة أمام جمهور قد يزيد عن المائة.. بطريقة انسيابية، ولو حاولت طرح سؤال أو مداخلة ستجد أن انتباه الجميع تحول إليك.. وستجد أيضاً أن حرارة جسمك ارتفعت، وقد تصدر عنك حركات غير إرادية في وقفتك أو أثناء حديثك ويطغى على تفكيرك أن ذلك الجمهور يقوم بالحكم عليك وتظهر بعض الصفات (غير المحببة) مثل التحدث بانفعال ولي اللسان أثناء الكلام - والتي لا تتم ملاحظتها في المواقف العادية - تظهر بشكل مبالغ فيه عند التحدث أمام جمع كبير.. والسبب هو أن صورتك الكلية قد وضعت فجأة تحت مجهر جمهور يحكم عليك وعلى وقفتك ولغة جسدك وتعبيرات وجهك وصوتك، إضافة إلى مظهرك.
لو سألت نفسك عن السبب فيما اعتراك وأنت الرجل المثقف الفصيح الحسن المظهر والهندام، ولماذا لم يعتر المحاضر ما اعتراك.. لوجدت أن السبب هو قلة التمرين والتدريب.. وكلنا للأسف يهمل ذلك الجانب ولا يوليه اهتماماً في الكثير من نشاطاته الحياتية، فنحن لا نفرق بين التحدث إلى شخص عادي أو إلى جمهور مثقف.
إن الأشخاص الذين يجيدون بطبيعتهم التحدث أمام جمهور، إضافة إلى كونهم موهوبين أصلاً، لا يكتفون بذلك، بل يعتمدون كثيراً على تجارب غيرهم، لكي يطوروا من مهاراتهم.. وأنجح المتحدثين هم الذين يقدمون صورة حقيقية لأنفسهم تبرز أفضل النواحي في شخصيتهم.
وللحديث بقية،،
|