يحرص بعض الاشخاص أن يَبْدَهَ المجتمع ذات زمن برأي غريب لم يُسمع من قبل.. يطرحه صاحبه، في زمن عسرة.. لعله أن يجد صداه.. ويحرك به دائرة التَّمَوُّج في بركة كبرى من بِرك الحياة.
وهو يفعل ذلك لأحد سببين:
أحدهما لفت النظر إليه.. بأنه صاحب تخصص، أو نظرية في مجال ما.. وأنه إنسان طموح إلى شيء ما! كأن يكون مغفولاً عنه.. وهو بذلك يصبح (طالب صَيْد).. وكلنا في هذه الحياة طُلاّب صيد.. حتى (عمرو بن عبيد) الذي استثناه أحد الأمراء الأمويين من انطباق هذه الصفة عليه إلا أن ذلَكَ لا يصح أن يكون بدعم الرأي الغريب.
السبب الثاني في طرح (الرأي الغريب): هو تسويق اسم الطارح.. إعلاميا ليتناقل المجتمع مقولته في مجالسهم ومنتدياتهم.. وهو بذلك يضمن لَوْكَ اسمه.. بحق أو بباطل؛ مدة من الزمن.. ولكنه لوك سخرية وانتقاد لا يحسد عليه..!.
لعل مثالين على بَدْهِ المجتمع السعودي بالرأي (الغريب) الذي لاقى استغراباً وانتقاداً حاداً ما ألقاه أحد الاكاديميين قبل عقد من السنين، بأن المملكة العربية السعودية تحوم على بحيرة من الماء (تقدر بما ينقله نهر وادي النيل من مياهه طيلة (خمسمائة سنة)!!.
ومازال الناس يتندرون بهذه المقولة حتى اليوم. والى الغد.
أما المثال الثاني من الآراء الغريبة حول المياه في المملكة ما كتبه أحدهم منذ أيام قليلة في إحدى الصحف السعودية بأن «مخزون المياه في المملكة.. يكفيها مدة (ألف مليون سنة)..!! إذا ما أحسن استخدامه»!
وان كان الدكتور غازي القصيبي وزير المياه.. قد فَنَّدَ هذا الإدعاء.. وأنه ادعاء لا يستند إلى حقائق.. بل أضَاف القصيبي أن هذا المخزون لا يكفي ولا لمدة (عشرين مليون) سنة..!.
الآثار السلبية لهذه الآراء
أقل ما يمكن أن تحدثه هذه التقديرات الخيالية حسبما سمعنا من علماء المياه في ندوة (الجنادرية) قبل سنوات قليلة يحددون نفاد المياه الجوفية لو اعتمد عليها دون مياه البحر المحلاة أنها لا تصمد لعشرات السنين وليس (لملايينها).. إن خطورة هذه التقديرات المبالغ فيها تفتح أبواباً واسعة لكل مقتدر أن يحفر ويعمق الحفر حتى يحصل على مياه كثيرة تروي حقوله ومزارعه ومسطحاته الخضراء الواسعة...!.
مما يمثل عاملاً من عوامل استنزاف المياه الجوفية التي لا تتعوض إلا عبر آلاف السنين.
لقد تسببت أقوال من هذا القبيل بأن المملكة على بحيرة ماء ممتدة من نجد حتى الأناضول في تركيا في تلك (الكارثة) التي تولتها وزارة الزراعة.. في ذلك الحين.. بتوسيع رقعة الزراعة آلاف الأضعاف عما كانت عليه قبل ذلك.. واستنزفت قسماً كبيراً من مخزون مياه المملكة العربية السعودية في زراعة القمح وتصديره وبيعه في الخارج بنصف قيمة التكلفة.. من أجل أن يقال إننا بلد ننتج الغذاء ونصدر الفائض منه إلى الدول الأخرى.
وتلك (غلطة كبرى) لوزارة الزراعة في فترة معينة من تاريخها.. لابد أنها أخذتها في الحسبان فيما بعد.. وبخاصة حين صار للمياه وزارة ترعى شئونها.
لا نحب التصريحات التي تعينُ على التبذير والاستهلاك الزائد في المياه عن حدها.. في أغلى موجود.. وأعز مفقود.. بل الواجب على المسئولين عن المياه والزراعة، وعلى المجتمع ككل.. التوجيه لترشيد الاستهلاك وعدم الاسراف في استعمال الماء بما يزيد عن الحاجة الطبيعية.
|