يعتبر طب امراض النوم احد التخصصات المعروفة في عالم الطب، الا ان اهميته لم تقدر حق قدرها من قبل بعض المشتغلين بالطب او غيرهم. وسأعرض فيما يلي وصفاً موجزاً لهذا التخصص ولبعض الحقائق المهمة عنه.
يقضي الشخص الطبيعي 30% من فترة حياته نائماً، وهذه الحقيقة اسرت العلماء منذ زمن ابقراط وحتى الآن. وازداد هذا الاهتمام بالنوم واضطراباته الى ان اصبح في الوقت الراهن تخصصاً طبياً معروفاً في المجال الطبي، بل واصبحت له برامج تدريب تخصصية يمنح دارسوها درجة الزمالة الطبية وله جمعيات ومراكزه الطبية. وكدلالة اخرى على الاهتمام المتزايد باضطرابات النوم تم افتتاح عدد متزايد من مراكز علاج مثل هذه الحالات. ففي عام 1977م لم يكن يوجد في الولايات المتحدة الامريكية الا ثلاثة مراكز معترف بها لعلاجه، ثم ازداد هذا الرقم في عام 1991م الى «201» مائتين ومركز واحد، بينما وصل هذا الرقم في عام 1996م الى «337» ثلاثمائة وسبعة وثلاثين مركزاً. يشتكي المرضى الذين يعانون من اضطرابات النوم من الارق، والنوم مدة طويلة في النهار، والشخير، وقد يحضر بعض المرضى وهم يشتكون من اعراض غامضة مثل الاحساس بالتعب والاكتئاب وضعف التركيز الذهني. وهذه الشكاوى قد تسببها اسباب عديدة لا حصر لها وتتطلب تمحيصاً لها من قبل طبيب مختص، يكون قادراً على تشخيصها ومعالجتها في حالة كل مريض على حدة تشخيصاً وعلاجاً مناسباً لحالته.
ولما كانت الاضطرابات المتنوعة تؤثر في طبيعة النوم وما تحدثه من ازعاجات اثنائه، لذلك ومع التطور السريع الذي لحظه هذا التخصص الطبي، نشأ اهتمام خاص لتصنيف اضطرابات النوم من قبل المختصين فيه. وهكذا وبعد نقاش مستفيض، ظهر الى الوجود في عام 1990م التصنيف العالمي لاضطرابات النوم وفيه تعداد ل «84» اضطراباً مع ذكر المعايير التشخيصية التفصيلية التي تفصل بين اضطراب وآخر. وعلى اية حال فان التقويم الاكلينيكي للمرضى الذين يعانون من اضطرابات النوم تقويم مهم، الا ان النجاح في اعطاء تشخيص دقيق ومعالجة ناجعة يتطلبان وجود مركز متخصص لهذه الحالات.
وبالرغم مما ذكر آنفاً، فان اهمية هذا التخصص مايزال ينظر اليها باستخفاف من قبل المجتمع عموماً، ومن قبل العديد من المشتغلين في الميدان الطبي خصوصاً. ولاعطاء القارئ فكرة عن مدى خطورة تجاهل هذه الاضطرابات واعتبارها كأن لم تكن، سأذكر مفصلاً اضطراباً واحداً منها، وهو الاضطراب المعروف باسم «متلازمة عسر التنفس المتقطع». وفيه يحدث الشخير وانغلاق متكرر للمجرى الهوائي العلوي الذي يمر به الاوكسجين عبره الى الرئتين، وتبلغ نسبة انتشاره 2-4% في الاشخاص الذين يكونون في متوسط اعمارهم. ولتقدير حجم مدى انتشار هذا المرض فسنعقد مقارنة بنسبة انتشاره مع نسبة انتشار امراض اخرى تستهلك الموارد المرصدة في الانظمة الصحية. فمثلاً تبلغ نسبة انتشار مرض الربو القصبي 4%، السكري 21%، اختلال نظام المناعة اقل من 1%، خطر الاصابة بسرطان القولون 5% «حسب نسبة الانتشار في الدول الغربية».
مما تقدم يمكننا تكوين فكرة عن نسبة انتشار اضطرابات النوم لنا ان نتخيل كم مريضاً يمر تحت ناظرنا ونحن لا نعرف انه مصاب باضطرابات النوم. وعلاوة على ذلك ان هذا المرض منتشر في المجتمعات، فان تأثيره محسوس اذ ان بعض العلماء شبه ضرر هذا المرض بضرر التدخين. واثبت علمياً بان «مرض متلازمة عسر التنفس المتقطع» له صلة بعدد من الامراض، حتى انه مسؤول عن زيادة تفاقمها مثل صلته بأمراض ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع ضغط الدورة الدموية الرئوية، وعدم انتظام عمل القلب، واحتباس الدم الموضعي في القلب، واحتشاء عضلة القلب، والجلطة الدماغية، كما برهن ان نسبة الوفيات عند الذين يعانون من «متلازمة عسر التنفس المتقطع» الحاد اعلى من غيرهم. وقد ظهر ان التشخيص الصحيح والمعالجة المناسبة «لابقاء المجاري الهوائية مفتوحة بواسطة ضغط الهواء المستمر» جعلا نسبة المرضى وتأثير هذا المرض على ما ذكر آنفاً فقط، بل ان المريض المصاب به يكون عرضة اكثر من غيره للاصابة بضعف الادراك، وعته التفكير والفهم، والتذكر والتحدث مع الآخرين. كما ان نسبة انتشار الاكتئاب عند المرضى اللذين يعانون من هذا المرض اعلى من غيرهم، ونظراً لاستسلام هذه الفئة من المرضى للنوم الطويل نهاراً فان نسبة خطر تعرضهم للحوادث الوظيفية او على الطرق اعلى من غيرهم بنسبة ضعفين الى ثلاثة اضعاف. ويقلل علاج هذه الحالة من حدة الاعراض المصاحبة لها كثيراً. وفي عمل سابق بينا ان مجموعة المرضى الذين يعانون من متلازمة عسر التنفس المتقطع يلجؤون الى مراجعة المستشفيات والعيادات بكثرة مقارنة مع غيرهم، مما يعني زيادة اعباء الرعاية الصحية لهم في الوقت الذي كان يمكن تفادي ذلك لو ان هذه الفئة من المرضى شخصت حالتها تشخيصاً صحيحاً واعطي لها العلاج المناسب في اول الامر.يتبين لنا مما ذكر سابقاً مدى جدية المشكلات الصحية التي تفرضها الاصابة باضطرابات النوم، واهمية توفر الموارد والتجهيزات المناسبة لعمل التشخيص الصحيح ووصف العلاج الناجع في مرحلة مبكرة. يتطلب التغلب على هذه المشكلات:
1- تعليم الاطباء والطلاب عن حالات اضطرابات النوم، وتحويل المرضى الذين تظهر عليهم في مرحلة مبكرة من مرضهم لعمل التشخيص الصحيح لحالتهم ووصف العلاج المناسب لهم.
2- توعية الجمهور بأهمية طلب المعالجة الطبية لدى ظهور العوارض المرضية في مراحلها الاولى.
3- وجود مراكز متخصصة لعلاج اضطرابات النوم تكون مجهزة بالكوادر الخبيرة والمعدات اللازمة لتشخيص وعلاج هذه الاضطرابات.
(*) استاذ الامراض الصدرية واضطرابات النوم المساعد
بكلية الطب جامعة الملك سعود
والاستشاري غير المتفرغ بمركز اضطرابات النوم
بمركز النخبة الطبي الجراحي