ضمن إشكاليات وتناقضات وتحولات كثيرة نجا منها المهرجان الوطني للتراث والفنون الذي ينظمه الحرس الوطني ما يتعلق بإشكالية شاعت في العالم كله وتعرضت للبحث والتنقيب هي العلاقة «الأصالة والمعاصرة» أو مايسميها البعض «التراث والحداثة...» أو أية مسميات ومصطلحات أخرى كلها تمضي في نفس الاتجاه وتبحث في ذات الموضوع.
نجاة هذا المهرجان لم تأت بالهروب من التساؤلات المطروحة، ولا بتهميش النقاش فيها، ولا حتى بالإجابات المراوغة لأسئلة الأصالة والمعاصرة، لكنها جاءت أولاً وفق منهج عام محدد لا يرى ان هناك تناقضاً أساسياً جوهريا بين ان تكون أصيلاً جداً ضارباً بجذورك في أرضك ومستلهماً روح حضارتك القديمة المتجددة، وبين أن تكون «معاصراً» تأخذ بناصية العلوم الحديثة في إطار عام هو «الحفاظ على الهوية».
واللافت للنظر أيضاً ان ذلك المنهج الذي اعتمده الحرس الوطني يرتكز على قدمين متساويتين يسير عليهما بدقة ومهارة تحسبان للقائمين على شؤونه، فأي قارئ بقدر معقول للتاريخ والتراث سيدرك ان الاهتمام بالثقافة على تطور وتنوع اهتماماتها وأوعيتها كان ومنذ فجر الحضارة العربية مسألة لا تغيب عن أي فعل عسكري، فالعرب يعرفون ويُعرفون أيضا الشاعر الفارس المقاتل، فهو يكتب شعراً للقتال، بل ويقاتل أحياناً من أجل الشعر؛ وهي ظاهرة فريدة في ثقافات الأمم والشعوب.
هذا الفارس الشاعر المقاتل؛ هو أيضاً «العالم» بالجغرافيا والتضاريس وأحوال الطقس و«صناعة» السيف والرمح، وهو «البنّاء» الذي يدق أوتاد الخيمة ويثبتها.
وهكذا فإن مهرجان الجنادرية أجاب - من حيث كان يطرح السؤال - عن الهوية، ولا شك ان سؤال الهوية له ما له من شأن حاسم في عالم تتجاذبه قوى وثقافات متباينة.
|