ورحل عن دنيانا فارس من فرسان العلم.. ورجل من رجالات القلم.. ومعلم من معالم الأخلاق الحميدة.. وحكيم من ذوي الآراء السديدة، وكفيف من ذوي البصائر المستنيرة.. إنه أستاذي الشاعر المثقف الأديب الأستاذ ناصر بن إبراهيم الفريح رحمه الله رحمة واسعة الذي تأثرنا به جميعا حين كنا ندرس بمعهد النور في الرياض، فكان أستاذاً مرموقاً، ظريفاً محبوباً، شاعراً مجيداً، ينظم لنا الأناشيد المدرسية في المناسبات، أذكر منها أنشودة نظمها في مناسبة زيارة الملك فيصل رحمه الله للمعهد يقول مطلعها:
مليك البلاد فداك القلوب
وباسمك سوف نشق الدروب
بكف رحيم أخذت الكفيف
فأنقذته من مصير مخيف
|
لقد عانى الفقيد رحمه الله لبضع سنوات من أثقال المرض ومرارته ولكنه كان يسترجع ويحتسب ويصبر صبر المؤمنين بقضاء الله وقدره، وكان يشد من أزره ويرافقه دائما في السراء والضراء شقيقه الوفي الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم الفريح الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، فكان هو وأخوه مثالاً نادراً في الحب، والإخلاص، والوفاء، وبر الأخ بأخيه، لا يكاد أحدهما يفارق الآخر إلا لعمله، ثم يلتقيان على الحب والمودة والتراحم، حتى ان الاثنين سكنا في منزلين متجاورين، وضُرب على المنزلين بسور من الألفة وحسن المعاشرة، حتى إذا ما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر يوم الثلاثاء 4/11/1423ه، فاضت روح الحبيب الغالي الأستاذ ناصر الفريح فهرع الى بيته عديد من أقاربه وأصدقائه ومحبيه، فخرج عليهم برداء الموت في رحلة أخيرة تشيعه دعوات الجميع بالرحمة والمغفرة وجنات الرضوان.. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم آله وذويه الصبر والسلوان، وحسبنا في هذا المقام أن نقول ما أمرنا الله به في كتابه العزيز {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}.
وإذا كنت فيما سبق قد عبرت عن غيض من فيض مشاعري نحو الفقيد، فليسمح لي القارىء الكريم بأن أزيده من الشعر بيتاً عن حياة الفقيد، فلا أجد أفضل من تلك النبذة المختصرة عن حياته التي صاغها بوجدانه شقيقه الوفي الودود الدكتور عبدالعزيز الفريح فيقول عنه:
نبذة مختصرة عن حياة الراحل الأستاذ ناصر بن ابراهيم الفريح.
الاسم: ناصر بن إبراهيم بن ناصر الفريح.
الميلاد: جلاجل بسدير عام 1360هـ.
الحالة الاجتماعية: متزوج وله ابنان وسبع بنات.
المؤهلات العلمية:
1 بكالوريوس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 88/1389ه.
2 الماجستير في الأدب والنقد من كلية اللغة العربية بالقاهرة التابعة لجامعة الأزهر عام 1393ه.
3 دبلوم تربية وتوجيه وتعليم المكفوفين من المركز النموذجي لتربية وتوجيه المكفوفين بالقاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1395ه.
المؤهلات العملية: عمل منذ تخرجه في كلية اللغة العربية عام 88/1389ه مدرساً في معهد النور للمكفوفين بالرياض وظل في هذا المجال حتى أحيل إلى التقاعد في 1/7/1419ه بعد أن أمضى رحمه الله في التدريس ثلاثين عاماً كان فيها مضرب المثل في التفاني والإخلاص لهذه المهنة الشريفة.
مواهبه: كان رحمه الله شاعراً مجيداً نظم الشعر في عدد من الأغراض وشارك بشعره في كثير من مناسبات بلده (جلاجل) ومملكته وأمته كما كان صاحب قصص جميل وله إلى جانب ذلك عدد من المقامات والمناظرات الأدبية الشائقة.
صفاته وأخلاقه: فقد بصره وهو ابن عشر سنين إثر إصابته بمرض الجدري الذي ترك أثراً في وجهه، مربوع الجسم، متوسط القامة، حسن المظهر.
وكان يتمتع بخلق رفيع وأدب جم ولين في الطبع وحلاوة في الحديث، يُزين ذلك كله علم واسع وإدراك واعٍ بمجريات الأمور، وحدة ذكاء، وبعد نظر.
نشاطه العلمي: لم يكن معنياً كثيراً بالبحث على الرغم من قدرته عليه، ولم يكن مهتما بنشر إنتاجه، ومن أهم إنتاجه الفكري:
1 بحث بعنوان «الشافعي الأديب» قدمه للحصول على درجة الماجستير.
2 بحث عن المكفوفين في المملكة مقدم لنيل درجة الدبلوم.
3 مجموعة من القصائد والأناشيد.
4 مجموعة من القصص والمقامات والمناظرات الأدبية.
حالته الصحية ووفاته: أصيب في حادث سيارة في طريق عودته من مكة في ربيع عام 1406هـ وكانت إصابته بالغة عوفي منها ولكنه لم يعد إلى حالته التامة التي كان عليها من قبل، وفي المحرم من عام 1420هـ أصيب بنزيف في المخ نتج منه شلل في الشق الأيمن وفقدان للذاكرة وعدم قدرة على الكلام وظل على هذه الحال الى أن جاور ربه في منزله بالرياض فجر يوم الثلاثاء 4/11/1423هـ الموافق 7/1/2003م، وقد صُلي عليه بجامع الراجحي بالرياض بعد صلاة عصر اليوم نفسه وشيعه جمع غفير من أقاربه وأصدقائه ومحبيه وعارفيه.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب.
(*) المشرف العام على التربية الخاصة بوزارة المعارف رئيس تحرير مجلة الفجر
|