Monday 27th January,2003 11078العدد الأثنين 24 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحج في أدب الرحلات الحج في أدب الرحلات
صور من رحلة الحج كما في القرن الخامس الهجري كما وصفها الرحالة ناصر خسرو
عبدالله بن حمد الحقيل/ أمين عام دارة الملك عبدالعزيز الأسبق

تعد الرحلات من مصادر التاريخ التي تضيف الكثير من المعلومات والأحداث وتقدم وصفاً للأماكن والبلدان والشخصيات والمواضع والطرق ومناهل المياه والجوانب التاريخية والجغرافية والاجتماعية والحضارية للمناطق والبلدان ولقد قيل:


سفر الفتى لممالك وديار
وتجول في سائر الأمصار
علم ومعرفة وفهم واسع
وتجارب ورواية الأخبار

ونستعرض في هذا اللقاء رحلة ناصر خسرو إلى الحج في القرن الخامس الهجري وقد نقلها إلى اللغة العربية الدكتور يحيى الخشاب حيث يقول: لقد نشأ ناصر خسرو في جو مضطرب سياسياً ودينياً وقد ولد في قباديان عام 394هـ وتثقف ثقافة واسعة وبدأ حياته في بلاط حماة السنة وقتذاك.
ويحدثنا ناصر خسرو في رحلته المسماة سفر نامة، قائلاً إن الذي دفعه إلى رحلته هو ما قرأ في القرآن الكريم في سورتي محمد والفتح من قوله تعالى:{أّفّلا يّتّدّبَّرٍونّ القٍرًآنّ أّمً عّلّى" قٍلٍوبُ أّقًفّالٍهّا} (47 24). إذن ففي القرآن، إذ أمعن النظر فيه وتدبر معانيه، ما يفرج كربته ويبدد الشك من نفسه، ويشع فيها من الهدوء والاطمئنان ما يوصل إلى إيمان قوي سليم. ولم يكد يستمر في القراءة قليلاً حتى قرأ في السورة التالية قوله تعالى:{إنَّ الذٌينّ يٍبّايٌعٍونّكّ إنَّمّا يٍبّايٌعٍونّ اللّهّ يّدٍ اللهٌ فّوًقّ أّيًدٌيهٌمً فّمّن نَّكّثّ فّإنَّمّا يّنكٍثٍ عّلّى" نّفًسٌهٌ وّمّنً أّوًفّى" بٌمّا عّاهّدّ عّلّيًهٍ اللهّ فّسّيٍؤًتٌيهٌ أّجًرْا عّظٌيمْا} (48 10). ثم قوله تعالى: {لّقّدً رّضٌيّ اللّهٍ عّنٌ المٍؤًمٌنٌينّ إذً يٍبّايٌعٍونّكّ تّحًتّ الشَّجّرّةٌ فّعّلٌمّ مّا فٌي قٍلٍوبٌهٌمً فّأّنزّلّ السَّكٌينّةّ عّلّيًهٌمً وّأّثّابّهٍمً فّتًحْا قّرٌيبْا} (48 18)، حينئذ أخذ منه الحماس كل مأخذ فنهض من مقعده وعزم على الرحيل إلى حيث الشجرة التي بايع المؤمنون تحتها النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا معه، المؤمنون من أمثال جعفر والمقداد وسلمان وأبي ذر، فلعل من سحر المكان ما ينفذ إلى نفسه الحائرة بالسكينة والأمن. وقوّى هذا الرأي عنده ودفعه إلى العمل على تحقيقه، ما صادفه من تفاؤل توالى عليه بعد عزمه على الرحيل، يصفه في سفر نامه، فيقول إنه سافر إلى بنج ديه في عمل من أعمال الديوان وصادف ذلك اليوم اقتران الرأس والمشتري، ويقال إن الله تعالى يستجيب الدعاء في هذا اليوم، فذهب إلى زاوية ودعا ربه أن ييسر له أمره ويهديه. وعاد بعد الصلاة إلى رفاقه فوجد أحدهم ينشد شعراً فجال بخاطره أن ينشد قصيدة معينة، فهم بكتابتها ليعطيها للمنشد لينشدها له، ولم يكد يفرغ من الكتابة حتى كان المنشد ينشد القصيدة نفسها. فتفاءل ناصر وعلم أن الله تعالى سيقضي حاجته ويروي غلته بمعرفة الحقيقة.
ويبدأ وصف الرحلة حيث غادر مرو مستصحباً أخاه أبا سعيد وغلاماً هندياً، وبعد أن زار بيت المقدس، قصد الحج لأن محدثه في الرؤيا أشار إلى القبلة حين سأله أين يجد ما يبدد شكوكه، ولأن قراءة القرآن هدته إلى الذهاب حيث الشجرة التي تعاهد تحتها المؤمنون على نصرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى النهاية مهما كلفهم الأمر. وعاد إلى بيت المقدس فعزم على زيارة مصر على أن يغادرها إلى مكة، ولم يكن في نيته أن يرحل إلى بلاد أخرى، لذلك لم يكن استعداده كاملاً لهذه الرحلة الطويلة الشاقة التي سطرها في كتابه سفر نامه، والتي دامت سبع سنوات، والذي يعنينا من هذه الرحلة الطويلة ما يتصل بالحج.
وقد بدأ في وصف مدينة جدة حين وصلها قائلاً:
وجدة مدينة كبيرة لها سور حصين، تقع على شاطئ البحر، وبها خمسة آلاف رجل، وهي شمال البحر «الأحمر»، وفيها أسواق جميلة. وقبلة مسجدها الجامع ناحية المشرق، وليس بخارجها عمارات أبداً، عدا المسجد المعروف بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولها بوابتان إحداهما شرقية تؤدي إلى مكة، والثانية غربية تؤدي إلى البحر ويبلغ السائر من جدة جنوباً على شاطئ البحر، اليمن ومدينة صعدة، والمسافة إلى هناك خمسون فرسخاً. وإذا سار شمالاً بلغ الجار وهي تابعة للحجاز. وليس في جدة شجر ولا زرع، وكل ما يلزمها يحضرونه إليها من القرى. وبينها وبين مكة اثنا عشر فرسخاً. وأمير جدة تابع لأمير مكة تاج المعالي بن أبي الفتوح الذي هو أمير للمدينة أيضاً. وقد ذهبت إلى أمير جدة فأكرم وفادتي وأعفاني مما كان يجب علي من المكس ولم يطلبه. وهكذا خرجت من البوابة في سلام. وقد كتب إلى أمير مكة يقول عني: هذا رجل عالم فلا يجوز أن يؤخذ منه. وفي يوم الجمعة بعد صلاة العصر قمت من جدة فبلغت باب مكة يوم الأحد سلخ جمادى الثاني.
وكان قد حضر إلى مكة للعمرة خلق كثيرون من نواحي الحجاز واليمن في أول رجب، وهو موسم عظيم مثل عيد رمضان، وهم يحضرون وقت الحج. ولأن طريقهم قريب وسهل يأتون إلى مكة ثلاث مرات كل سنة.
ثم أخذ في وصف مكة المكرمة قائلاً:
تقع مكة بين جبال عالية، ولا ترى من بعيد، من أي جانب يقصدها السائر، وأقرب جبل منها هو جبل أبي قبيس، وهو مستدير كالقبة، لو رمي سهم من أسفله لبلغ قمته. وهو شرقي مكة، فترى الشمس من داخل المسجد الحرام، وهي تشرق من فوقه في شهر «ديسمبر». وقد نصب على قمته برج من الحجر يقال إن إبراهيم عليه السلام رفعه عليه.
وتشغل هذه المدينة الوادي الذي بين الجبال والذي لا تزيد مساحته عن رمية سهمين في مثلها، والمسجد الحرام وسط هذا الوادي، ومن حوله مكة والشوارع والأسواق. وحيثما وجدت ثغرة بين الجبال سدت بسور قوي وضعت عليه بوابة، وليس بمكة شجر أبداً إلا عند الباب الغربي للمسجد الحرام المسمى باب إبراهيم، حيث يوجد كثير من الشجر الكبير الذي يرتفع على حافة بئر.
وعند الجانب الشرقي للمسجد سوق تمتد من الجنوب إلى الشمال، وفي أولها ناحية الجنوب جبل أبي قبيس الذي تقع الصفا على سفحه، وتبدو على هذا السفح درجات كبيرة من الحجارة المستوية التي يصعد الحجاج عليها ويدعون ربهم.
والمروة في نهاية السوق، شمالي الجبل، وهي أقل ارتفاعاً في وسط مكة، وقد شيدت عليها منازل كثيرة. وما يسمى السعي بين الصفا والمروة هو المسعى في هذه السوق من أولها لآخرها. ويجد من يرغب العُمرة وهو آت من بعيد، أبراجاً ومساد على مسافة نصف فرسخ حول مكة فيحرم منها للعمرة. والإحرام هو نزع الملابس المخيطة من على الجسد، وشد المحرم وسطه بإزار، ولف جسده بإزار أو وشاح آخر، وصياحه بصوت عال أن «لبيك اللهم لبيك»، ثم يسير نحو مكة. فإذا أراد حاج أن يعتمر وهو بمكة، فإنه يذهب إلى تلك الأبراج ويرتدي ثوب الإحرام ويهتف لبيك ويدخل مكة بنية العمرة. فحين يبلغ مكة يدخل المسجد الحرام، ويسير نحو الكعبة ثم يطوف ناحية اليمين بحيث تكون هذه على يساره، ويتوجه إلى الركن الذي به الحجر الأسود فيقبله، ثم يمضي ويستمر في الطواف حتى يعود إلى الحجر الأسود مرة أخرى فيقبله، وبهذا يكون قد أتم طوفة واحدة.
وعلى هذا النحو يطوف سبع مرات، ثلاثاً منها بسرعة وأربعاً على مهل. وبعد إتمام الطواف يتوجه نحو مقام إبراهيم عليه السلام، وهو أمام الكعبة، فيقف خلفه، بحيث يكون المقام بينه وبين الكعبة، وهناك يصلي ركعتين، هما صلاة الطواف. ثم يذهب إلى حيث بئر زمزم، فيشرب من مائها أو يمسح بها وجهه، ثم يخرج من المسجد الحرام، من باب الصفا الذي سمي كذلك، لأن جبل الصفا يقع خارجه، فيصعد على عتبات الصفا مولياً وجهه شطر مكة ويدعو بالدعاء المعلوم، ثم ينزل ويتجه ناحية المروة ماراً بالسوق التي يسير فيها من الجنوب إلى الشمال، وعليه أن ينظر إلى أبواب الحرام حين يمر بها، وأن يحث الخطى في المسافة التي سعاها الرسول عليه الصلاة والسلام مسرعاً، والتي أمر الناس باجتيازها مسرعين، وهي خمسون خطوة. وعلى طرفي هذا الموضع «الذي يسار فيه بسرعة» أربع منارات، على الجانبين. فإذا بلغ الحاج الآتي من الصفا ما بين المنارتين الأوليين أسرع حتى يصل إلى ما بين المنارتين الثانيتين، ثم يسير الهوينى، حتى يبلغ المروة فيصعد عتباتها، ويدعو ذلك الدعاء المعلوم. وهكذا يكرر هذا السعي في السوق، بحيث يسعى من الصفا إلى المروة أربع مرات، ومن المروة إلى الصفا ثلاث مرات. فيكون قد سعى في هذه السوق سبع مرات.
وعندما ينزل الحاج من جبل المروة يجد سوقاً فيها عشرون دكاناً متقابلة، يشغلها جميعاً حجامون لحلق شعر الرأس. وحين يتم الحاج شعائر العمرة ويخرج من المسجد الحرام، يدخل السوق الكبيرة التي تقع ناحية الشرق، والمسماة سوق العطارين، وهي سوق جميلة البنايات وكلها عطارون.
وبمكة حمامان بلاطهما من الحجر الأخضر السنان. وقدّرت أن سكانها، القاطنين بها، لا يزيدون على ألفين، والباقي ويقربون من الخمسمائة، من الغرباء والمجاورين. وفي ذلك الوقت كان بمكة قحط، فكان الستة عشر منا من القمح بدينار مغربي، وقد هاجر منها كثيرون.
وقد كان لأهالي كل مدينة من خراسان وما وراء النهر والعراق وغيرها منازل بمكة، ولكن أغلبها كان خراباً وقتذاك. وقد بنى بها خلفاء بغداد عمارات كثيرة وأبنية جميلة، وكان بعضها، وأنا هناك، خرباً والبعض الآخر اشتراه الناس «أصبح ملكاً خاصاً». وماء آبار مكة مالح ومر لا يساغ شربه. ولكن بها كثيراً من الأحواض والمصانع الكبيرة، بلغت تكاليف الواحد منها أكثر من عشرة آلاف دينار. وهي تملأ من ماء الأمطار الذي يتدفق من الأودية. وكانت فارغة ونحن هناك.
ويمضي في حديثه قائلاً: هذه هي المرة الرابعة التي أزور فيها مكة، وقد مكثت بها مجاوراً من غرة رجب 442 «10 نوفمبر 1050» إلى العشرين من ذي الحجة «3 مايو 1051». وقد أثمر بها العنب في الخامس عشر من «مارس إبريل» فأحضر من السواد إلى مكة وبيع في السوق. وكان البطيخ كثيراً في أول «أبريل مايو». وكانت الفاكهة متوفرة طول الشتاء فلم تنقطع قط.
ونراه في وصف المسجد الحرام والكعبة يقول:
قلنا إن الكعبة تقوم وسط المسجد الحرام، وإن المسجد الحرام يقوم وسط مكة، والمسجد ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، وعرضاً من الشمال إلى الجنوب. وسوره ليس قائم الزوايا، بل أركانه مقوسة، تميل إلى الاستدارة، وذلك حتى تكون وجوه جميع المصلين شطر الكعبة، في أي جهة كانوا يصلون بالمسجد. وأقصى طول للمسجد من باب إبراهيم إلى باب بني هاشم، أربع وعشرون وأربعمائة ذراع، وعرضه من باب الندوة، وهو جهة الشمال، حتى باب الصفا، وهو جهة الجنوب، وأقصى اتساعه أربعة وثلاثمائة ذراع. وبسبب استدارته، تبدو ساحة المسجد أضيق في جهة وأوسع في جهة أخرى. وحوله ثلاثة أروقة رفعت أسقفها على أعمدة من الرخام. ووسط هذه الأروقة مربع. وعلى طول السقف من ناحية ساحة المسجد خمسة وأربعون طاقاً، وعلى عرضه ثلاثة وعشرون. وعدد الأعمدة الرخامية التي فيه أربعة وثمانون وأربعمائة عمود، قيل إنها كلها، أرسلت من الشام عن طريق البحر، بأمر خلفاء بغداد. وقيل إنه حين بلغت هذه العمد مكة، بلغ ثمن الحبال التي شدت بها إلى السفن والعجلات، والتي قطعت قطعاً، ستين ألف دينار مغربي. ومن هذه العمد عمود من الرخام الأحمر وضع عند باب الندوة، قيل إنه اشترى بوزنه ذهباً، وللمسجد الحرام ثمانية عشر باباً، عليها طيقان مقامة على عمد من الرخام، وضعت بحيث لا تعوق فتح الأبواب. وعلى الجانب الشرقي أربعة أبواب هي من الركن الشمالي: باب النبي وبه ثلاثة طيقان مقفلة. وعلى هذا الجانب نفسه عند الطرف الجنوبي «للباب الأول» باب آخر يسمى باب النبي أيضاً، وبين هذين البابين أكثر من مائة ذراع.
والكعبة في وسط ساحة المسجد، وهي مستطيل طوله من الشمال إلى الجنوب ثلاثون ذراعاً، وعرضه من الشرق إلى الغرب ستة عشر ذراعاً. وبابها شرقي، بحيث يكون الركن العراقي على يمين الداخل، وركن الحجر الأسود على يساره. ويسمى ركنها الجنوبي الغربي بالركن اليماني، وركنها الشمالي الغربي بالركن الشامي، والحجر الأسود مركب على زاوية الحائط في حجر كبير، بحيث إذا وقف رجل طويل القامة يكون مقابلاً لصدره. وطول هذا الحجر شبر وأربعة أصابع، وعرضه ثمانية أصابع، وهو مستدير الشكل، وبينه وبين باب الكعبة أربعة أذرع ويسمى ما بينهما الملتزم.
ويمضي في وصف باب الكعبة قائلاً:
هو باب من خشب الساج، له مصراعان. ارتفاعه ست أذرع ونصف ذراع، وعرض كل من مصراعيه ذراع وثلاثة أرباع الذراع، فعرضهما معاً ثلاث أذرع ونصف. وعلى صدر الباب وأعلاه كتابة، كما أن عليه دوائر زخرفية من فضة، وكتابات منقوشة بالذهب والفضة، وقد كتبت عليه هذه الآية حتى آخرها: {إنَّ أّوَّلّ بّيًتُ وٍضٌعّ لٌلنَّاسٌ لّلَّذٌي بٌبّكَّةّ مٍبّارّكْا وّهٍدْى لٌَلًعّالّمٌينّ}. وله حلقتان كبيرتان من الفضة، وقد ركبتا في مصراعيه بحيث لا تصل إليهما يد إنسان. ومن تحتهما حلقتان أخريان من الفضة، أصغر حجما، وموضوعتان بحيث تصل اليد إليهما. وفيهما قفل كبير من الفضة أيضاً يقف به الباب ولا يفتح ما لم ينزع القفل.
ويقول في وصف الكعبة من الداخل:
يبلغ سمك حائطها ستة أشبار. وأرضها مغطاة بالرخام الأبيض. وبالكعبة ثلاث خلوات صغيرة، كأنها دكاكين، إحداها تقابل الباب والأخيران على الجانب الشمالي. والأعمدة التي بالكعبة والتي أقيم عليها السقف كلها من خشب الساج المربع، إلا عمودا واحدا مدورا. وفي الجانب الشمالي قطعة مستطيلة من الرخام الأحمر.
أما مقام إبراهيم عليه السلام شرقي الكعبة. وهو الحجر الذي به آثار قدمي إبراهيم عليه السلام. وهو مركب في حجر آخر وعليه غلاف مربع من الخشب، بارتفاع قامة الرجل، وهو في غاية الدقة، ووضعت عليه ألواح من الفضة. وقد أحكم ربط الغلاف بالحائط بسلاسل من الجانبين، وعليه قفلان، وذلك حتى لا يستطيع أحد أن يلمس الحجر. وبين الكعبة ومقام إبراهيم ثلاثون ذراعاً.
وعن بئر زمزم يتحدث قائلاً:
بئر زمزم شرقي الكعبة، حذاء ركن الحجر الأسود. وبين زمزم والكعبة ستة وأربعون ذراعاً. وسعة البئر ثلاثة أذرع ونصف في مثلها.
وأما البئر ناحية المشرق، بناء آخر مربع عليه قبة، يسمى سقاية الحاج، وضع به أزيار يشرب منها الحجاج. وبعد هذا البناء، ناحية الشرق، بناء آخر مستطيل، عليه ثلاث قباب، يسمى خزانة الزيت، به الشمع والزيت والقناديل.
وحول الكعبة أعمدة يتصل بعضها بالبعض بواسطة عروق من الخشب، عليها زخارف ونقوش من الفضة، ومعلق بها الحلق والكلابات، حتى يوضع الشمع في هذه وتدلى المصابيح من تلك بالليل، ويسمى هذا الموضع المشاعل، ويفصله عن الكعبة خمسون ومئة ذراع، وهي مسافة الطواف.
فجملة المباني التي بساحة المسجد الحرام، عدا الكعبة المعظمة، شرفها الله تعالى، ثلاثة، هي بيت زمزم وسقاية الحاج وخزانة الزيت.
ثم أخذ في وصف فتح باب الكعبة:
امتازت قبيلة من العرب تسمى بني شيبة، بحفظ مفتاح باب الكعبة، وهم خدمها.
وعمرة الجعرانة التي تقع على أربعة فراسخ من شمال مكة، مكان يسمى الجعرانة، كان به النبي عليه السلام مع جيشه في السادس عشر من ذي القعدة فأحرم منه وجاء إلى مكة واعتمر.
ويفيض في الحديث عن حجه قائلاً:
في التاسع من ذي الحجة سنة اثنين وأربعين وأربعمائة «27 ابريل 1051» قضيت الحجة الرابعة بعون الله سبحانه وتعالى. ولما غابت الشمس عاد الحجاج والخطيب من عرفات، وسار فرسخاً إلى المشعر الحرام، ويسمونه المزدلفة، وهناك بناء جميل كالمقصورة يصلي فيه الناس ويأخذون منه حجارة الرجم التي يرمونها بمنى. والعادة أن يقضي الحاج هذه الليلة. وهي ليلة العيد، هناك، حيث يصلون الفجر، وعند طلوع الشمس يتوجهون إلى منى حيث يضحون. وهناك مسجد كبير يسمى مسجد الخيف. وليس من المفروض إلقاء خطبة وصلاة العيد بمنى في ذلك اليوم، ولم يأمر بهما المصطفى عليه السلام. ويكون الحجاج بمنى في العاشر من ذي الحجة، وهناك يرمون الحجارة، وشرح ذلك مذكور في مناسك الحج. وفي الثاني عشر من ذي الحجة يغادر منى من عزم على العودة لبلاده. ويذهب إلى مكة أهلها.
وبعد إتمامه الحج يقول، وقد ودعت بيت الله يوم الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة «7 مايو 1051». وقد وجدنا مرجا بعد سبعة فراسخ من مكة عنده جبل، ولما بلغناه وجدنا سهلاً وقرى وبئراً اسمها بئر الحسين بن سلامة. وكان الجو بارداً، وقد سرنا ناحية المشرق.
وانتهت بذلك رحلته إلى الحج وأخذ بعد ذلك في وصف جزيرة العرب وبلاد العراق ومصر والشام وإيران وبإلقاء نظرة على هذه الرحلة من خلال الاستعراض السابق بها.
فقد اشتملت هذه الرحلة على وصف دقيق وامتاز المترجم لها بدقة الترجمة وشرح بعض النصوص الواردة فيها. لقد أسهب في وصف رحلته إلى الحج ويدل على مدى قدرته وتناوله للأحداث والمواضع والأماكن التاريخية وما فيها من عبر وعظات ذاكراً أطوالها وعروضها ومبينا مواقعها وكان أبرز ما عرضه في رحلته هذه جولته في ربوع الأماكن المقدسة ووقوفه على المشاعر وتوج رحلته بالحج إلى بيت الله الحرام وتقديم وصف دقيق لماشاهده مع اهتمامه بذلك مما جاء في كتب التاريخ وما جاء عن العلماء ممن حازوا قصب السبق في هذا الميدان، وهذه الرحلة وغيرها تضيف الكثير من المعلومات عن تلك الحقبة من الزمان.
هذا والله أسأل دائماً التوفيق والسداد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved