لندوة ماذا يريد المجتمع من التربويين وماذا يريد التربويون من المجتمع التي انعقدت في الرياض في الفترة من 18 29 من الشهر الحالي برعاية صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لها أهمية غير عادية تختلف عن أي ندوة أو مؤتمر تربوي لأسباب كثيرة منها:
1 انها أول ندوة تعقد على هذا المستوى من الكثافة العددية من التربويين وكذلك ممثلي المجتمع.
2 انها أول سابقة من التربويين لفتح المجال للمجتمع ليشارك ويحاور ويداخل بمرئياته ومقترحاته ومتطلباته في العملية التربوية «مناهج، معلمين، طلاب، بيئة مدرسية ..إلخ» وهذه نقلة نوعية تحسب للتربويين بقيادة معالي وزير المعارف الأخ الأستاذ الدكتور محمد الرشيد وزملائه في الوزارة.
3 ان نتائج هذه الندوة وحينما تستدخل وتستكمل الأفكار التي طرحت قبل وأثناء وبعد الندوة ستدفع بلا شك بالعملية التربوية إلى مستوى أفضل ومتزامنا معها أو تليها النقلة النوعية للمجتمع كما تحدثه التربية من تغيير وتطوير للمجتمع. فماذا عن الندوة؟ وماذا بعدها؟.
لقد اتبع المنظمون والمخططون للندوة سياسة جيدة وفاعلة حين بدأوا مرحلة الإعداد للندوة بندوات لقاءات تمهيدية في جميع المناطق التعليمية في المملكة العربية السعودية هذا بالإضافة إلى تشكيل فرق عمل في الوزارة معها العديد من المهتمين والمشاركين من التربويين وممثلي المجتمع.
ولقد سعدت أن أكون أحد ممثلي المجتمع بصفتي ولي أمر في محور ماذا يريد الآباء من التربويين وقد استلمهم المشاركون في هذا المحور ما ورد إليهم من آراء وأفكار من الآباء وأولياء الأمور الذين تمت مقابلتهم أو استفتاؤهم حتى وصلت الأفكار التي تعبر عن مطالب وتطلعات الآباء وأولياء الأمور إلى عدد هائل منها تمت إضافتها جميعاً ودمجها إلى المحور الأكبر وهو ماذا يريد المجتمع من التربويين وبنفس الطريقة ثم عمل فريق ماذا يريد التربويون من المجتمع.
وفي اعتقادي ان عقد الندوة بهذا الأسلوب مناسب جدا وفاعل ذلك لأن التربويين يعملون دائماً في دائرة واحدة هم الذين يخططون وهم الذين ينفذون وهم الذين يقيّمون، وبطبيعة الحال يستحضرون آراء وأفكار المجتمع مما يريدها من أفكار مشتتة أو من استشعارهم بقيم المجتمع ومتطلباته بصفتهم أفراداً في المجتمع وبدون أن تكون هناك قصدية في البحث عن مطالب المجتمع.
لقد فتحت هذه الندوة الباب للاستماع للحوار والنقاش وتبني الأفكار من طرفي العملية التربوية الأساسية «المجتمع والتربويين» وما ينتج من تفاعل بينهم في المشاركة الحقيقية في التربية التي هي مسؤولية الجميع.
ولأولئك الذين لم يحضروا الندوة ولم يطلعوا على الأفكار التي طرحت ولأهميتها للمجتمع سوف يجدون الكثير والكثير لدى الوزارة سواء مكاتبة أو على صفحات الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» التي أوجدتها الوزارة لهذا الغرض ولكن هناك بعض الأفكار الجديرة والهامة التي رأيت طرحها في هذا المقال ومنها:
1 فكرة ثقافة الإنكار: وهي فكرة طرحها الأخ الدكتور عبدالواحد الحميد في ورقته الأولى في الندوة وهي ورقة أجد من الضرورة الإشادة بها وفي نظري انها لم تلق الاهتمام الكافي بالرغم من المداخلات التي تبعتها وحاولت إثارة الاهتمام بها لما لها من علاقة بالندوة والرغبة في إصلاح التعليم لدينا. انها تلقي الضوء حول أسلوب تعاطينا مع المشكلات في حياتنا بصفة عامة والتي تبدأ في الأساس من المنزل ثم تستمر في المدرسة وهي تعني هل نحن نعترف بمشكلاتنا ثم نعمل على معرفة أسبابها وكيفية حلها؟ وفي ورقة الأخ الدكتور الحميد إجابة على هذا السؤال .. إنها ثقافة الإنكار أي أننا لا نعترف بوجود مشكلات لدينا حتى يتحدث الآخرون عنها ثم نبدأ في التّعرف عليها وان كاتب هذا المقال يتفق تماماً مع الدكتور الحميد بل وأضيف إلى ذلك أننا كأفراد نرفض الاعتراف بوجود مشكلات لدينا إلى أن تتضخم وربما يصبح حلها أمراً عسيراً بل وأسوأ من ذلك أننا كأفراد نرفض الاعتراف بأن نكون نحن أحد أسباب مشكلاتنا بل وننسبها للآخرين:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
|
وفي علم النفس يوصف أولئك الذين ينسبون أسباب إخفاقهم للآخرين بأنهم العاجزون غير الواثقين في قدراتهم وإمكانياتهم والتربية دورها في نظري تضمين المناهج والأساليب التربوية كيفية التعامل مع المشكلات والمساهمة في حل عقدة الإنكار على المستوى الفردي أو على المستوى الاجتماعي وهذه إحدى المسؤوليات التربوية التي من شأنها التأثير في المجتمع في مستقبل الأيام.
2 فكرة بناء التفكير المستقيم والتفكير الناقد: وهي من الأفكار التي وردت في ورقة معالي الدكتور محمود سفر ورقة متميزة كذلك وفيها آثار الدكتور سفر وهي موضوع تعليم وتعويد الأطفال والناشئة كيفية التفكير وهذا الموضوع في حد ذاته في نظري جدير بإقامة ندوة خاصة من قبل وزارة المعارف وهي التي دأبت على تبني الأفكار النافعة والمفيدة والتي تتعلق بالتربية والتعليم ومعالي الدكتور محمد الرشيد «وهو المفكر والمربي» لن تعوزه أهمية طرح مثل هذا الفكر للبحث والنقاش إن لم يكن بتشكيل لجنة أو لجان لكيفية تقييم مناهجنا ومخرجات تعليمنا وقياس واقع التفكير لدى أبنائنا وبناتنا الطلاب هل هم يفكرون باستقلالية؟ هل هم يفكرون تفكيراً ابتكارياً؟ هل هم يفكرون تفكيراً ناقداً؟.
إن مشروع وزارة المعارف الخاص بمراكز الموهوبين والمتمثل في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين هو مشروع جبار ونقلة نوعية بلا شك ولكنه لا يكفي لأن الاهتمام بفئة خاصة سواء مبتكرين ومبدعين أو معوقين هو اهتمام رائد وهام ولكن الفئة الكبرى الفئة الوسطى بحاجة إلى اهتمام مواز ومن أهم علامات الاهتمام بالطالب وتربيته هو الاهتمام بفكرة واستقلال شخصيته فنحن الآن في مرحلة النوع والجودة النوعية.
فبدلا من أن نجعل الطالب يحفظ مفردات النجاح والدرجات العالية في الاختبار علينا أن نعلمه كيف يفكر لكي ينجح في الحياة وكما تقول الحكمة الصينية بدلا من تطعم السمك للآخرين علمهم كيف يصطادون السمك.
إن مناهجنا وتربيتنا تحتاج إلى غربلة حقيقية، ومن ضمن عناصر الغربلة النظر في مسار التفكير لدى الطلاب من خلال المناهج وطرائق التدريس وإذا علمنا أبناءنا وبناتنا كيف يفكرون باستقلالية استطعنا أن نسهم في حل كثير من الإخفاقات التربوية وهي مخرجات التعليم وطوابير الحافظين من الخريجين الذين تعودوا الاعتماد على الآخرين ونسوا ما تعلموا بمجرد أن ينتهوا من اختباراتهم وهنا يلتقي حل مشكلة الإنكار مع مشكلة عدم التفكير بل ويترتب على ذلك كذلك المساهمة في إزاحة عبء وكاهل الآباء في المذكرة للأبناء وهي التي أشار إليها معالي الدكتور على النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية في تعقيبه المتميز في تلك الندوة. وكأنه يغمز من طرف خفي عن الحاجة إلى حفز الطلاب وتنمية دوافعهم الداخلية للقراءة وللعلم بل وفي نهاية المطاف إلى تحبيب الطلاب في الدراسة وأداء الواجبات.
3 فكرة تنمية ورفع مستوى المسؤولية الاجتماعية لدى الطلاب: وهي فكرة حظي كاتب هذا المقال بشرف إدخالها ضمن محور ماذا يريد المجتمع من التربويين وقد أدرجت ضمن الأفكار المطبوعة في الندوة. فماذا تعني هذه الفكرة؟ لقد تبين من نتائج العديد من الدراسات ومقابلة العديد من الآباء وأولياء الأمور وملاحظات الكثير من الكتاب والمفكرين أن هناك نقصاً واضحاً في مستوى المسؤولية الشخصية والاجتماعية لدى أبنائنا الطلاب وكذلك الشباب نحو أنفسهم وبيئتهم والممتلكات العامة والخاصة وبالتالي فنحن بحاجة إلى مناشدة التربويين في تضمين مطلب المساهمة في رفع مستوى المسؤولية لدى الطلاب والطالبات في المدرسة من خلال تضمين ذلك في المناهج ومن خلال تضمين ذلك في الأنشطة المدرسية الصفية واللاحقة وإشراك أكبر عدد من الطلاب في نشاطات وجماعات الكشافة هو مثال على كيفية تنمية روح المسؤولية الاجتماعية لدى النشء.
4 فكرة العولمة والتربية: وهذه فكرة أيضا اقتبسها من الأفكار التي وردت في ورقة معالي الدكتور محمود سفر المتميزة وهي فكرة تنادي بالاهتمام بما حولنا في قريتنا الصغيرة في العالم ونبذ التقوقع حول أنفسنا علينا أن ننفتح فكراً وثقافة وتربية بتسامح ومرونة انطلاقاً من خصوصيتنا وثوابتنا. وبفعل ذلك نستطيع أن نقوي من شخصينا الفردية والاجتماعية بل ومن موقعنا بين العالم، وعلى التربويين أن يفكروا في كيفية التعامل مع هذا المتغير.
5 حجم الفجوة بين ما يريده المجتمع وما يريده التربويون من المجتمع: بقراءة أولية لمتطلبات المجتمع من التربويين ومتطلبات التربويين من المجتمع أجد تلاقياً كبيراً وتقاطعاً واضحاً بين هذه المتطلبات. مما يشير إلى أن الفجوة بين وجهي العملة «التربويين والمجتمع» بسيطة وغير مقلقة بل وفي نظري يدل ذلك على أن التقييم الذاتي من قبل التربويين للمؤسسة التربوية لا ينفصم عن كون هذه الشريحة هم آباء وأولياء أمور بل وهم صفوة في المجتمع. وهذه بشرى طيبة للانطلاقة نحو الإصلاح أو التطوير التربوي.
ماذا بعد الندوة ؟
إن اللقاء الذي تم وما سبقه من إعدادات وإرهاصات في حد ذاتها تستوجب الإشادة والإشادة المخلصة. بل ان الثروة الفكرية والمحصلة العلمية التي نتجت عن هذه الندوة وكذلك الأهداف النبيلة للندوة وما بعدها تقتضي عدم التوقف بل وإني اعتبرها البداية الحقيقية التي يجب أن تبدأ بها وزارة المعارف في تقييم ذاتها وتطوير مناهجها. يجب أن تكون هناك متابعة لأفكار الندوة وكيفية تفعيلها بل ويجب أن تكون هناك ندوات مستمرة في شكل هرمي أو تفصيلي لاستثمار تلك الأفكار والأهداف النبيلة وهذه في نظري إحدى الرسائل النبيلة لوزارة المعارف. وفي الختام أقول هنيئاً لنا جميعا مجتمعا وتربويون بهذا الاحترام المتبادل للأفكار والإقبال على العملية التربوية بروح أخوية غير عادية وحرص على الإصلاح والتطوير. والله ولي التوفيق.
|