قالت: هذه البعوضة تذكِّرني بذبابة الشَّاعر القديم، كانت تعابثه وهو يصلِّي... لم تجد قمَّة أعلى من أرنبة أنفه... وحين تخاتله الهجوع إلى خشوعه... تقفز، وتستَّقرّ، تبعد، وتلتصق... أمَّا هذه البعوضة فقد تسلَّلت في هذا الشتاء إلى حجرتي..، لا أكاد أنكفئ على عملي إلاَّ أجدها تعابثني... كذبابة الشَّاعر..، فأين لي بموهبته كي أجلدها قصيدةً عصماء؟!..
قالت الأخرى: لكن تخيَّلي ما ستجد عندك البعوضة، وقد جفَّ دمُّك من هول حيرة ما يستفزُّنا في هذه الأيام من أحداث...، حتى خيل لي، بأنْ لا أحد يمشي على الأرض، وفي عروقه قطرة دمٍّ..، من خجل الموقف...، فما لكِ وللشعر، وما لكِ وللانتباهة، دعي البعوضة والذبابة، ودعي كافَّة الحشرات، والزواحف، والطيور،...و... ترتع ما شاءت في حياتها، فهي الحرَّة الطليقة، التي لا تتحرك فيها نخوةٌ، ولا تتوارى فيها كرامةٌ، ولا يخزيها شيءٌ...، كانت أضعف خلق اللَّه أو أقواهم، ألا ترينها وهي تلتصق. بجلود الجياد وهي تركض في السبق.. تمنِّي نفسها بالفوز؟.
قالت الأخرى: إيه.. ما أمتع حلم البعوضة بفوز الجياد..، حين تركض معها.. وتؤوب... حتى إذا ما تسنَّمت الجياد مقاود الصَّدارة...، كانت البعوضة أوَّل من يصفِّق؛ إذ ذهبت مع الركض، وعادت بالفوز...
لكنَّ صديقتي...
لا تزال تفكر...، من أين لها برأس الشَّاعر، كي يمنحها لبَّه، فتمنح البعوضة شيئاً من الشعر، وتُسبل عليها ثوباً من لآليء الكلام... كي تتباهى بنصرها..؟!.
|