«1»
يظل منع ضرب العراق الهدف الأكثر إلحاحاً وضرورة لجميع العرب والمسلمين وبالذات دول المنطقة، ولجميع الطامحين إلى السلام والأمن والاستقرار والعدل في العالم.
وفق هذا الالتزام والمفهوم الذي لالبس فيه بذلت الدول العربية والإسلامية المحورية جهوداً ولاتزال لتحقيق هذا الغرض، ولكن هذا الالتزام وهذا المسعى الذي سيتصاعد في الأيام القادمة سيكون بلا معنى وبدون جدوى إذا لم يجد الدعم والتعاون من الأطراف المعنية، وبالذات من القيادة العراقية، والإدارة الأمريكية والأمم المتحدة، وأخيراً دول المنطقة.. كيف..؟!!
لا نتحدث ألغازاً ولا أحاجي، والصراحة تستدعي القول بأنه بدون تعاون جاد من قبل القيادة العراقية.. تعاوناً يتجاوز «الاستجابة تحت الضغط العسكري» أي بمعنى أن تقدم بغداد على القيام بمبادرات جادة وعملية تظهر للقريب قبل البعيد أن العراق يسعى بصدق إلى تجاوز الحرب نهائياً، وليس تأجيل الحرب بتجميد الوضع مؤقتاً، وبما أن المسألة ليست فقط وجود أو عدم وجود أسلحة دمار شامل، وليست فقط وجود برامج تصنيع للأسلحة فقط، بل المعروف وهو الذي يعلمه العراقيون جيداً، ويعلمه كل متابع للمسألة العراقية، أن هناك عدة قرارات صدرت من مجلس الأمن الدولي ذات صلة بتبعات الغزو العراقي للكويت، وهذه القرارات مرتبط بعضها ببعض، وإذ يجري الآن التركيز على البحث عن أسلحة الدمار الشامل وتخليص العراق منها، فهذا ليس إلا فصلاً من الأزمة، فحتى لو حصل العراق على «صك براءة» من المفتشين الدوليين.. صك يؤكد خلوه من أسلحة الدمار الشامل، فهذا لا يكفي لإلغاء فكرة الحرب.. صحيح سيتأجل الحسم العسكري، ولكن ستبقى بنود أخرى معلقة يستوجب تنفيذها، واتخذت بشأنها قرارات من مجلس الأمن الدولي، هي بمثابة قنابل موقوتة قابلة للتفجير في أي وقت، وهنا يأتي دور الإبداع السياسي الذي يجب أن يدفع القيادة العراقية إلى تقديم مبادرات حقيقية وعملية تبطل مفعول القنابل الموقوتة، ومثلما نجحت القيادة العراقية في تقديم صورة جيدة عن تعاونها مع عمليات التفتيش وكسبت احترام دول عديدة جعلتها تقف ضد الرغبة الأمريكية في شن الحرب، فإن مبادرات عراقية أخرى تعجل في تنفيذ ما تبقى من قرارات دولية لا بد من أن تقوي موقف العراق وموقف الرافضين للحرب.
قد يتساءل البعض: ماذا تبقى من قرارات لم تنفذ..؟
ونرد: الكثير وإن كان اهمها إعادة ترتيب البيت العراقي بالإقدام على مصالحة وطنية حقيقية بضوابط وأسس تطمئن من ترك العراق ليعود لوطنه، وتطمئن من ابتعد بالتشطير من الشمال ليعود للحمة الوطن أرضاً وإنساناً، وتطمئن رجال العراق وساسته للإسهام في انتشاله مما آلت إليه الأوضاع.. وكل هذا يتطلب مبادرة شجاعة تزيل الخوف وتوفر الأمان لأناس شركاء في وطن للجميع.. ومثلما تفعل الدول الأخرى يتاح للإرادة الدولية، أن تراقب وتساعد على إنجاز هذه المصالح الوطنية التي لو تحققت لأنجز العراق أهم إبداع سياسي، يعيد اللحمة للعراق أرضاً، وبشراً، وفكراً، والتفافاً حول وطن يكاد يضيع..!! وهو ما يجمع كل العراقيين وسط احتضان كل العرب والمسلمين.
قرار آخر يتطلب مبادرة شجاعة نابعة عن إبداع سياسي، وهو حل مشكلة الأسرى الكويتيين، فهذه المسألة الإنسانية لا يمكن أن يجري الالتفاف حولها والتلاعب بمصير مئات الأشخاص وراءهم الآلاف في بلد صغير أبناؤه يعرف كل واحد منهم الآخر، ولنكن صادقين فليس الكويتيون وحدهم لا يصدقون كلام العراقيين بأنهم لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الأسرى، وأنهم فقدوا أثرهم أثناء معارك عاصفة الصحراء.. فمثل هذا القول ردده العراقيون كثيراً عن الأسرى الإيرانيين الذين أطلق سراح الآلاف منهم بعد سنوات من نفي العراق المتكرر.
قد تكون هاتان المبادرتان بداية التعامل العراقي الجاد لإبعاد الحرب نهائياً.. ويكملان ما بدأته القيادة في بغداد بانتهاجها أسلوب التعاون مع المفتشين الدوليين.
|