Monday 27th January,2003 11078العدد الأثنين 24 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مواقف من حرب العدوان على العراق - 2 - مواقف من حرب العدوان على العراق - 2 -
عبدالله الصالح العثيمين

في خضمِّ بحر الكوارث المأساوية الفادحة التي تمرُّ بها الأمة العربية المسلمة يكاد المرء يفقد القدرة على التركيز، ليحدد من أين يبدأ كلامه وإلى أين ينتهى، ويظل يردد متألماً ما قاله الشاعر حافظ إبراهيم:


أنا لولا أن لي من أمتي
خاذلاً ما بتُّ أشكو النُّوَبا
أمة قد فتَّ في ساعدها
بغضها الأهل وحب الغُرَبا

وما قاله الشاعر عبدالرحمن البواردي:


كان ما تفزع اليسرى ليمناها
قل ترى ما وطا هاذيك واطيها
ديرةٍ لي بلاها اليوم برداها
كيف تبرا البلاد وعيبها فيها

على أن كاتب هذه السطور يجد نفسه مضطراً إلى أن يبدأ كلامه، على أي حال، وإن جاء هذا الكلام وهو يحس بأنه غارق في ذلك الخضم الذي استهلَّ به هذه الحلقة.
اعتدت أن استمع كل صباح - ما أمكنني ذلك - إلى إذاعة لندن التي تورد الأخبار، وما يوافيها به مراسلوها المنتشرون في العالم من تقارير، وشيئاً مما يُكتب في الصحافة البريطانية والصحف العربية الصادرة في مدينة الضباب بكل أبعاده المحسوسة والمعنوية.
وفي صباح يوم الجمعة الماضي (21/11/1423هـ)، كان من بين الأخبار التي وردت في تلك الإذاعة أن أكثر من خمس مئة بريطاني من العاملين في مجال الطب وقَّعوا على وثيقة يعبِّرون فيها عن معارضتهم الشديدة لمشاركة بلادهم في حرب عدوانية ضد العراق.
وقد ذكروا سبب معارضتهم لتلك الحرب؛ وهو أنهم يتوقعون أن يُقتل فيها أكثر من ربع مليون إنسان، وأن تدمَّر البنية الأساسية العراقية مما سينتج عنه كوارث إنسانية فظيعة.
ذلك الموقف النبيل الذي وقفه الموقِّعون على تلك الوثيقة يذكر فيشكر. ولو كنت من المتفائلين لقلت: ويؤمل أن يشعرهم زملاؤهم النبلاء في المهنة الإنسانية من العرب والمسلمين تقديرهم لموقفهم النبيل. ولقد تردَّد في وسائل الإعلام المختلفة أمثال ذلك الموقف من فئات شعبية في جهات كثيرة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وهي التي سبق أن شجعت حاكم العراق على تصنيع ما تدَّعي زوراً أنها تريد الآن القضاء عليه. أما أطماعها الحقيقية؛ وهي السيطرة على ثروات العراق النفطية، والتحكُّم أكثر فأكثر بسياسة نفط المنطقة العربية كلها، فلم تعد خافية على أحد. بل إنَّ رموز التشدد اليميني الحاكم الفعلي لأمريكا أخذوا يصرِّحون بتلك الأطماع، وإن قالوا: إنهم سيبقون عائدات النفط العراقي المستولى عليه «أمانة» - هكذا - لديهم. وليس للمرء أن يستغرب مثل هذه الإهانة لأمته بعد أن همشت روح كرامتها.
وإن الاستطلاعات الأخيرة لتفيد أن أكثرية الشعب البريطاني تعارض موقف حكومته المتحمسة للمشاركة في حرب عدوانية شاملة ضد العراق. وأقول: «شاملة» لأن بريطانيا ما زالت تشارك متبوعتها، التي يقودها اليمين المتشدد، في العدوان المستمر على هذا البلد المنكوب منذ سنوات.
وكان مما ورد من أخبار في إذاعة لندن - إضافة إلى الوثيقة المذكورة - نبأ عما توصل إليه وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية الذين اجتمعوا في تركيا لبلورة موقف تجاه المسألة العراقية. وأهم ما توصل إليه أولئك المجتمعون - حسب ذلك النبأ - حث حكومة العراق على إبداء مزيد من التعاون مع المفتشين الدوليين للكشف عن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها (هكذا) العراق، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإلا فإنها ستكون المسؤولة عما سيحدث على بلادها من ويلات وكوارث.
وبلهجة متَّسمة بالأدب الجم ألمحوا إلى مراعاة الشرعية الدولية في الموضوع دون أن يشيروا إلى اسمي الدولتين اللتين تحضِّران بكل جدِّية واستخفاف بالعرب والمسلمين للعدوان على بلد عربي إسلامي، ويصرِّح زعماؤها أنهم سيقومون بذلك العدوان وإن لم يصدر قرار مؤيِّد لهم من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
ومن الواضح جداً أن ما توصل إليه أولئك المجتمعون لا يختلف في جوهره عن موقفيْ المتشددين من زعماء أمريكا وقادة بريطانيا، فالمجتمعون قد استبقوا الأحداث، فرددوا ضمناً ما يردده الزعماء المتشددون والقادة التابعون من اتهام العراق بأنها تخفي أسلحة دمار شامل، ولم ينتظروا حتى يصدر المفتشون الدوليون تقريرهم رسمياً عن الموضوع؛ علماً بأن من المعروف مدى تحكُّم أمريكا بالمنظمة الدولية التي هي صنيعتها؛ نشأة ومسيرة؛ وبخاصة انحيازها الواضح ضد قضايا الأمة العربية المسلمة وفي طليعتها قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية الباسلة.
وكان مما ورد في إذاعة لندن ذلك الصباح، أيضاً، أن دبلوماسيين غربيين علَّقوا على مؤتمر تركيا بأنه مجرد محاولة من الدول المشاركة فيه لتظهر اهتمامها بالمسألة العراقية. وقد لا تصح نظرة الدبلوماسيين الغربيين إلى الأمور دائماً، غير أن الأيام علَّمت من يحاول التعلُّم أن احتمال صحتها - مع الأسف الشديد - أقوى من احتمال عدم صحتها؛ وبخاصة أن ما يقوله بعض زعماء الأمة العربية المسلمة لأولئك الدبلوماسيين سراً يختلف عما يقولونه علناً. والرقيب العالم هو الله وحده.
هل جاءت نتيجة مؤتمر الوزراء الذين اجتمعوا في تركيا لبلورة موقف تجاه المسألة العراقية حسب البيان المعلن مخيِّبة للآمال؟
أما كاتب هذه السطور المسكين فيجيب عن هذا السؤال بالنفي. وربما شاركه هذه الإجابة كثير من الناس. لم تكن تلك النتيجة مخيِّبة للآمال لأنه لم يكن هناك أساساً أمل في أن يتخذ أولئك المجتمعون غير الموقف الذي أتخذوه.
إن من شبه المؤكد أن موقف المجتمعين في تركيا لم يعبِّر عن رأي أكثرية الأمة العربية المسلمة. ومن الواضح أن ذلك الموقف لا يتفق مع آراء كثير من شعوب العالم الحرة التي لا تمتُّ بصلة دين أو أرومة مع العراق، ولا يصل إلى مستوى موقف قيادات أوروبية وغير أوروبية، بعيدة عن ذلك الدين وتلك الأرومة، هل نصمد في هذا الموقف إذا بدأ العدوان المرتقب؟ ما حدث في أفغانستان يضع أسئلة حول ذلك الصمود.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved