بدأت أعبر عن سروري بمسيرة السعودة والتي توليها الدولة جل اهتمامها في هذه الأيام بالعمل على إحلال المواطن السعودي مكان الوافد في المهن التي تكاد تكون محصورة على الوافدين حيث كان آخر قرار في هذا المجال هو سعودة سيارات الأجرة العامة وهو بالطبع لن يكون الأخير بإذن الله.
لن أكون هنا مقيماً لما تم في عملية السعودة فكثيراً من الدراسات التي أجريت عن سعودة سوق العمل (وهو لدينا سوق ضخم جداً حيث يبلغ عدد الوافدين أكثر من ستة ملايين حسب آخر الإحصاءات، وكثير من المقالات تطرقت بالنقد والتقييم لذلك وأشبع الموضوع بحثا وتحليلاً إلا ان هناك أموراً أخرى يجب النظر إليها من أجل إيجاد قاعدة ثابتة يمكن ان تستعمل في هذا المجال:
أولاً: يجب الاعتراف بأن هناك مشكلة في سوق العمل آخذة بالتزايد خلال العشرين سنة الماضية بتكدس العمالة الوافدة، وان تلك المشكلة لايمكن حلها خلال أشهر محدودة أو بسعودة مهنة أو أخرى.
ثانياً: إيجاد خطة ذات أهداف محددة لفترة السنوات العشر القادمة لإيجاد فرص عمل جديدة للسعوديين في سوق العمل.
بنظرة سريعة لهيكل سوق العمل نجد ان مايقرب من 60% من فرص العمل المتاحة هي في قطاعات البناء، النقل، الإنتاج، وقطاع الخدمات وهو مايعادل أربعة ملايين عامل تقريباً، وجميع العمالة المنتسبة الى هذه القطاعات هم من الحرفيين والمهنيين الذين اكتسبوا مهارات العمل بالتدريب أو من مزاولة العمل مثل الكهربائي، الميكانيكي وخلافهما.
وهذا هو بيت القصيد حيث ان تلك المهن في هذه القطاعات تناسب الفئة المنسية من ابنائنا وهم:
1- الأشخاص الذين لم يحالفهم الحظ في إكمال المرحلة الابتدائية، والآخرين الذين أكملوا الابتدائية ولم يصلوا إلى نهاية المرحلة الإعدادية كذلك ممن أكمل الاعدادية ولم يكمل الثانوية وأخيراً من أكمل الثانوية ولكن لم يسعفه الحظ لإكمال مابعد الثانوي.
علماً ان ما بين 18% و30% ممن أكملوا الثانوية يستمرون إلى نهاية الدراسة الجامعية في دول العالم بينما قد بلغت نسبتهم 59% محلياً.
ومن الملاحظ انه لا توجد إحصاءات دقيقة حول أعدادهم وتوزيعهم الاقليمي، الفئات العمرية، الحالة الاجتماعية.. الخ.
فمهارات العمل الوحيدة التي يمكلها هؤلاء الأشخاص هي القراءة والكتابة فقط (حيث ان تلك المهارة هي هدف نظام التعليم الحالي) حيث لم يتعلموا شيئاً من المهارات الفنية الابتدائية خلال سنوات التعليم العام.
لذلك يجب ان يعاد النظر الى تلك الفئة وإيجاد الفرص للاستفادة منهم في سوق العمل وهذا يكون عن طريق إيجاد مراكز تأهيل تقوم بتأهيلهم عملياً لمزاولة تلك الأعمال على ان يكون القبول في هذه المراكز هو بالعمر حسب نظام العمل المعمول به في المملكة.
حيث يكون العمل داخل تلك المراكز بمزاولة العمل الفعلي تحت إشراف مدربين ممن زاولوا هذه المهن لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وتحدد فترة التدريب حسب المهنة ومتطلباتها ومن ثم يعطى الفرد شهادة مهنية مصدقة من قبل المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني (والتي بلغ عدد الملتحقين بالدراسة في معاهدها لعام 1423هـ 55 ألف طالب) ويمكن الاستفادة من تلك المراكز لخدمة القطاع الخاص بتدريب العمالة لديهم.
كذلك يمكن ان تقوم هذه المراكز باعادة التأهيل للعمالة حيث يؤهل العامل للعمل في أكثر من حرفة أو مجال متقدم في الحرفة نفسها.
وهذه المراكز تحتاج إلى تمويل دائم ومستمر (مثل الاستفادة من صندوق تنمية الموارد البشرية) لكي تقوم بالدور المنوط بها علماً أنه يوجد مثل هذه المراكز في معظم الدول المتقدمة وعادة مايتم تمويلها من قبل المدينة حسب احتياجاتها ونوعية الأنشطة الاقتصادية الموجودة بها.
وقفة أخيرة مع السعودة، يجب أن تكون دراسة أوضاع العمالة السعودية المهيأة لدخول تلك السوق من حيث المستوى التعليمي، العمر، الحالة الاجتماعية..الخ هي الركيزة الأساسية لسعودة السوق حيث يمكن تقسيمهم إلى مستويات حسب إمكانيات وظروف كل فئة ومن ثم ايجاد فرصة العمل لكل فئة بما يناسبها.
|