صراع السياسة مع الاقتصاد، صراع قديم. وإذا كان سلاح رجال السياسة هو البندقية، التي ترمز لكل أسلحة وآليات الحرب والدمار، وسلاح رجال الاقتصاد هو الموارد الاقتصادية، التي ترمز لكل الموارد الطبيعية والبشرية، فإننا نخطىء كثيراً عندما نتصور أن الغلبة ستكون لرجال السياسة في النهاية، فالتكوين الإلهي للنفس البشرية يفرض سيادة العقل، والسيادة تعني التمكّن بقدرة والتصرف بثقة. وعندما يسود العقل فذلك تطبيق وممارسة فعلية لخصائص النفس البشرية على الطبيعة.
لقد عشنا مرحلة تفوق السياسة على الاقتصاد، عندما هيمنت قوتان عظميان على خريطة العالم واصطفت خلفهما مجموعة من الدول الكبرى لتحجب النظر عن بقية دول العالم التي صنفت بالدول النامية أو العالم الثاني والثالث والرابع والخامس، وارتضت الدول العربية أن تكون من بين هذه الدول.
وكثيراً ما تؤول حالة الرضى إلى القناعة، والقناعة الى الخمول والكسل والاستسلام. وذلك هو المأزق، وتلك هي المرحلة التي يراهن أصحابها على أنها صيغة النهاية المرتقبة.
لقد عشنا تلك المرحلة، وجاء غيرنا ليكسر اندفاع الرهان فسقطت إحدى القوتين العظميين وبدا أن كفة الصراع أخذت تميل نحو منطق الاقتصاد، وتغيرت قاعدة الرهان ليلعب الاقتصاد دوره. لعبة الاقتصاد لا تحتكم إلى سلاح البندقية، بل ترتكز على الإيمان بما يمتلك الاقتصاد من موارد طبيعية وبشرية والادراك بأن الاقتصاد العالمي يتكوّن من معادلة معقدة تحتوي على جزئيات الموارد والتقنية والإنتاج والتسويق وتخضع لعوامل العرض والطلب ومكوناتهما من سوق ومنافذ توزيع وقوة شرائية وغير ذلك.
ومن أقصى الشرق، أفصحت دول نامية عن قدراتها ومكامن اقتصاداتها فانطلقت النمور الآسيوية تخترق الصفوف وصولاً إلى الصف الأول. فقالت اليابان لأمريكا لا. وقالت ماليزيا لبريطانيا لا. وفرضت اقتصادات دول شرق آسيا كلمتها بقوة الاقتصاد وبالإرادة الوطنية. ألقت هذه الدول بسيادة تلك المرحلة في مزبلة النظام السياسي القديم وشاركت في تكوين النظام الاقتصادي العالمي الجديد. بديل يتجه نحو القمة ليعلن سيادة حقبة الاقتصاد.
جميل أن تكسب الصراع بالعقل، وأن تحسن استغلال مواردك بما يحقق ذاتك ويجسد قدراتها ويعطيك الحجم الذي لا يحجبه شيء عن نور الحياة. العقل هو أن نتعلم من تجارب الغير، وأن نبدأ من حيث انتهوا. ومن الخطأ أن تعتقد أن الوقت قد فات. الاقتصاد.. الاقتصاد.. يا عرب. فالاقتصاد العربي يزخر بإمكانات كبيرة وموارد اقتصادية مهمة. وقد حان الوقت لأن تنتظم الاقتصادات العربية المتفرقة في ظل منظومة اقتصادية متكاملة لتكوّن قوة إقليمية تضع الأمة العربية في موقعها الدولي الصحيح.
|