Sunday 26th January,2003 11077العدد الأحد 23 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
مراكز المعلومات
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

من يملك المعلومة يملك القدرة على التخطيط السليم، والقرار السليم، والرأي المناسب للمواقف والأحداث، إن «المعلومة» هي الأساس في الحكم على الأشياء والتعامل الصحيح معها، ولا يستطيع ان يتخذ قراراً سليماً مَنْ فقد المعلومة الصحيحة لأنه كمن يسير مغمض العينين في طريق كثير المنعطفات، ربما يتجاوز الطريق، وربما تزلُّ به قدمه إلى مكان سحيق.
إنَّ هنالك قاعدةً فقهية تقول: «الحكم على الشيء فرع من تصوُّره»، وهي قاعدة ذهبية مهمة للأفراد والجماعات والدُّول لأنها الطريق السليم إلى الحكم السليم.
كان الرسول عليه الصلاة والسلام القدوة الأولى لأصحابه وللناس جميعاً في هذا الجانب، حيث شرع للأمة وجوب التثبُّت والتريُّث في اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام، وكان لا يقدم على غزوة، ولا يبعث سرية إلا بعد أن يجمع عنها ما يمكن جمعه من المعلومات التي تيسِّر وضع الخطط الصحيحة، وتحديد الوقت المناسب، والعدة المناسبة والعدد المناسب.
وقد وعى أصحابه رضوان الله عليهم هذا الدرس المهم، فكانوا من أحرص الناس على جمع المعلومات قبل إصدار القرارات، وفي الرسائل المتبادلة بين الرسول عليه الصلاة والسلام وقوَّاده الذين يبعثهم، وبين الخلفاء الراشدين وقوَّادهم ما يؤكد هذا المعنى، ويوضح له أهمية «مركز المعلومات» لكل إنسان يريد أن يقدم على عملٍ من الأعمال.
إنَّ التعليمات التي تلقَّاها معاذ بن جبل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعثه إلى اليمن، والنصائح التي وجَّهها إليه، والرسائل التي بعث بها إلى أقيال اليمن وأذوائهم وملوكهم لتؤكد لنا مدى سعة المعلومات التي تكوَّنت لدى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن اولئك القوم حتى كان خطابه لهم مناسباً لأحوالهم مؤثِّراً فيهم.
وإنَّ التوجيهات الدينية والعسكرية التي تضمَّنتها رسائل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي لتؤكد لنا حرصهم الشديد على «جمع المعلومات» عن الآخرين اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً ودينياً، ولذلك فإنهم يبعثون برسلهم، وجيوشهم على أرضيَّة ثابتة واضحة المعالم، حتى إنَّ بعض توجيهاتهم لتثير الإعجاب بما فيها من معرفة بالآخر تدلُّ على رصدٍ دقيق للمعلومات يجعل الخليفة في حالةٍ من وضوح الرؤية وكأنَّه يعيش مع جيشه في المعركة بالرغم من المساحات الشاسعة، وعدم وجود وسائل سريعة للاتصال كما هو موجود الآن.
وإذا نظرنا إلى العالم الغربي في هذا العصر، وهذا ما يعنينا الآن وجدناه يعنى بجانب «المعلومات» عناية فائقةً جعلته قادراً على تحديد الموقف منا بقدرٍ كبيرٍ من الدّقة وهذه العناية الغربية ليست وليدة هذه الفترة التي نحن فيها، إنما هي عملٌ متواصل منذ قرنين، وأكثر حيث توالت الرَّحلات للرحَّالة الأوروبيين على بلاد المسلمين بصورةٍ لافتةٍ للنظر وتعاقبت الزيارات الطويلة للمستشرقين، وعلماء الآثار وغيرهم، وما كانت تلك الزيارات إلاَّ لجمع المعلومات الدقيقة عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية وعاداتها وتقاليدها وطبائع أهلها، في الوقت الذي كان الكرم العربي يغمر أولئك المبعوثين إلى بلادنا، ويمهِّد أمامهم الطريق، ويسهِّل عليهم الحصول على كل ما يريدون من المعلومات.
ومازلت أذكر حكاية رواها لي ذلك الرجل المسنُّ من أقاربي عن رجلٍ إيطالي قابله في سوق السبت في مدينة بلجرشي، وسأله عن كثيرٍ من المنتجات الصناعية المحلية التي كانت معروضةً في السوق، سواء أكانت مصنوعات الفخار، أو الحديد، أو منتجات «السعف» على اختلافها، أو المواد الغذائية المختلفة، من خضروات ولحوم، سأله عن مصدرها، فلما أخبره أنها منتجاتٌ محلّية ينتجها أهل البلاد على قدر طاقتهم قال: هذا الاكتفاء الذاتي من أهم عوامل قوَّة المجتمعات البشرية، ثم ظلَّ ذلك الرجل الإيطالي، الذي يسميه صاحبي «الطلياني»، يسأله عن تفاصيل حياة الناس بصورةٍ جعلت الرجل المسنَّ يقول: أحسست أنه يريد أن يعرف كل شيءٍ عنا.
«مراكز المعلومات» في الغرب هي المصادر التي تعتمد عليها الدول في هذا العصر لتحديد علاقاتها بالآخرين، ومواقفها من الدول والجماعات والأفراد.
أين نحن من هذه المراكز وما دورنا فيها؟!.
سؤال مؤلم لأن الإجابة مؤلمة، فما زلنا نحن المسلمين بعيدين عن الاهتمام بهذه المراكز، ولذلك أصبحنا في مؤخرة الصفوف، ولم نستطع أن نصنع لنا مكانةً قويَّة في هذا العالم، لأننا لا نملك المعلومة الصحيحة عن كثير من القضايا والأحداث في الوقت الذي يملك فيه أعداؤنا الصهاينة مراكز المعلومات المهمة في أوروبا وأمريكا.
إشارة:


روعة الفكر أن يحرِّك فينا
عَزَماتٍ تزيدنا إقداما

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved