|
ينحدر نسبه من بني خالد القبيلة العربية الشهيرة بالجزيرة العربية مولده في عام 1297هـ ببلدته عنيزة إحدى المدن الشهيرة بإقليم القصيم، وبعد ان أكمل الثالثة عشرة من عمره رحل من عنيزة إلى أم القرى مكة المكرمة في عام 1310هـ واستوطنها طيلة حياته، ومما لاشك فيه والعلم لله ان هذا يدل دلالة واضحة ان عبدالله الجفالي وهو في هذه السن المبكرة ان الله وفقه الى هذا التفكير السليم عندما أقدم على هذه الرحلة المباركة الميمونة إلى مكة المكرمة، كيف لا وقد ولد فيها سيد الخلق كلهم سيدنا ونبينا وإمامنا المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، وفيها بيته الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً وأنزل عليه القرآن الكريم بمكة وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فجزاه الله عن أمته خير الجزاء.
ومن قصيدة طويلة للشاعر الشهير ابن المقرب الأحسائي بديوانه المعروف والمتوفى منذ مايزيد على ستمائة سنة يحث فيها على الرحلات والأسفار والطموح والنظرة البعيدة حيث قال:
وصل عبدالله الجفالي إلى مكة المكرمة وسكن بحي الجودرية وهو الحي التجاري المعروف في وسط مكة المكرمة وله من العمر آنذاك ثلاثة عشر عاما كما جاء في أول هذا المقال وبعد ما استقر وطاب له المقام فتح محلا تجاريا بدائياً تحت منزله في الجودرية وتعرف على البعض من جيرانه من أهل مكة المكرمة ومن أهل نجد وغيرهم من المقيمين من السابق في مكة المكرمة ونظرا لما يتمتع به عبدالله الجفالي من عقل واتزان واخلاق فاضلة وسيرة حميدة فقد تكون له من هؤلاء أصدقاء كثيرون ونظراً لقرب الحي السكني المعروف بشعب عامر من محله التجاري بالجودرية فقد اشترى فيه منزلاً كبيرا في عام 1338هـ. وادخل عليه الكثير من التحسينات وسكنه هو وعائلته وأولاده مدة حياته ومن توفيق الله له أنه حرص على تعليم أبنائه منذ الصغر وهم ابراهيم وعلي وأحمد وادخلهم مدرسة الفلاح الشهيرة بمكة المكرمة ووفقوا في دراستهم وترسموا خطى والدهم السمحة الطيبة والأخلاق الفاضلة إذاً فالشيخ عبدالله الجفالي أصبح في مكة المكرمة من أعيانها ومن وجهائها المعروفين والمحترمين حتى صار موضع ثقة جيرانه وأصدقائه والكثير منهم صاروا يأخذون برأيه فيما يعرضونه عليه مما كون له تقديرا واحتراما وسمعة عطرة عند الجميع. وبعد ان تولى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الحجاز أصدر أمره الكريم بتاريخ 9محرم 1346هـ بتأسيس مجلس للشورى في مكة المكرمة بترأسه نائب جلالته في الحجاز ابنه الملك فيصل -رحمه الله- فتكون هذا المجلس من عشرين شخصا من أعيان أهل مكة المكرمة ترأسه سادن بيت الله الحرام الشيخ عبدالله الشيبي -رحمه الله- فصار الملك عبدالعزيز يأخذ برأي الجفالي في الأمور الضرورية التي يرغب جلالته معرفتها والتأكد منها لكون الجفالي أصبح موضع الثقة والأمانة ولما لديه من المعرفة الكاملة لطول إقامته بمكة المكرمة، كما عين الجفالي في مجلس الشورى المذكور بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز بالإضافة إلى الخمسة التالية أسماؤهم: الأمير عبدالعزيز بن ابراهيم، وعبدالله أحمد الفضل من عنيزة، وصالح بن عذل من الرس بالقصيم، وعبدالعزيز بن زيد من أعيان أهل حائل، وعبدالله السليمان الحمدان وزير الماليةالأسبق. ولقد جعل الله في أبناء الشيخ عبدالله الجفالي الثلاثة الخير والبركة وهم: ابراهيم وعلي وأحمد، فبمعارفهم وأخلاقهم الفاضلة ساهموا في اقتصاد البلاد السعودية وفي الأعمال الخيرية فعميدهم ابراهيم فتح باب منزله بمكة المكرمة وفي الطائف ليلاً ونهارا لمقابلة الوافدين والأصدقاء والمواطنين متصديا لإكرامهم والاحتفاء بهم والإحسان إلى الفقراء والمساكين منهم وأنا ممن شاهد هذا كثيرا، كما وفقوا في تأسيس العقارات الثمينة في مكة المكرمة وفي جدة والطائف وأخواه الكريمان علي وأحمد ساهما في تأسيس الشركات الكبيرة المفيدة للبلاد السعودية عامة وهي شركات الكهرباء وشركات الاسمنت فأول شركة للكهرباء أسساها في مكة المكرمة التي صار لي شرف حضور افتتاح محطتها المعروفة في حي العمرة بمكة المكرمة على شرف ولي العهد الملك سعود نيابة عن والده الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- وذلك بتاريخ 20/4/1370هـ والذي تلا تقرير الافتتاح أمام الملك سعود سعادة الشيخ علي الجفالي متعه الله بالصحة والعافية وقد أطلقوا على شركاتهم اسم شركة ابراهيم الجفالي واخوانه، فصار أولها كهرباء مكة المكرمة وأسسوا كهرباء جدة وكهرباء المدينة المنورة وكهرباء الأحساء واسمنت الأحساء واسمنت المنطقة الشرقية وتوكلوا لشركات عديدة من أهم الشركات العالمية وفي مقدمتها شركة مرسيدس الألمانية الشهيرة فمثلوها وأداروها بكل جدارة واتقان إلى يومنا هذا. وبما ان البقاء لله وحده سبحانه وتعالى فقد توفي الشيخ عبدالله الجفالي في مكة المكرمة بشهر رمضان عام 1354هـ بعد إقامة دامت سبعة وخمسين عاما يضاف اليها ثلاثة عشر عاما التي قدم فيها إلى مكة المكرمة من بلدته عنيزة فصار مقدار حياته في هذه الدنيا الفانية سبعين عاما -رحمه الله- ومما يؤسف له ان وفاة عبدالله الجفالي كانت والأمر لله وحده بسبب حادث سيارة وهو ذاهب من مكة المكرمة يقابل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب جلالة والده في الحجاز وسموه قادم من زيارة لوالده بالرياض على السيارات وهذه المقابلة في المركز المسمى بعشيرة شمالي الطائف، وبما ان هذا الطريق بذلك التاريخ كان غير معبد ومما زاد الطين (بلّة) كما يقال ان السيارة التي كان الجفالي يستقلها سقفها (تندة) ومكشوفة ليلا بسبب حرارة الجو ومع سرعة السيارة وفي أحد المطبات قذفت السيارة بالجفالي فإذا هو يسقط على الأرض وتوفي رحمه الله وخلّف لأبنائه وأسرته وأصدقائه رنة حزن وأسى فرحمه الله رحمة واسعة. ولما بلغ الملك عبدالعزيز بالرياض خبر وفاة عبدالله الجفالي أبرق جلالته برقية تعزية لأولاده ابراهيم وعلي وأحمد وعائلتهم وترحم جلالته عليه كثيرا ووصفه بأوصاف حميدة وذكره بكل خير والأمير فيصل حضر في منزلهم وعزاهم وترحم على والدهم كثيرا ثم دعا أولاده ابراهيم واخويه واجتمع بهم في منزل سموه المعروف بحي أجياد في مكة المكرمة وكرر سموه الترحم على والدهم ووصفه بأوصافه الحميدة وعلى رأس هذه الأوصاف محبته وإخلاصه لجلالة الملك عبدالعزيز وشكر أولاده بما هم متصفون به من أخلاق حميدة غرسها الله فيهم وفي والدهم، فيا صاحب المعالي أمين هذه البلاد المقدسة مكة المكرمة لقد شرحت في مقالي هذا شرحا كافيا عن الشيخ عبدالله الجفالي لذا فانني أرجو من معاليكم ان كان قد أطلق اسم الجفالي على أحد شوارع مكة المكرمة ففيه الكفاية وان كان حتى الآن لم يطلق اسمه على شارع فانني ارجو من معاليكم اطلاق اسم عبدالله الجفالي على أحد الشوارع اللائقة بحقه تقديرا لولائه وإخلاصه. لذا يطيب لي ان اختم مقالي هذا بقصيدة رثاء من الشعر العربي الفصيح المؤثر وهي من شعر الشاعر الكبير محمد بن عبدالله بن عثيمين شاعر البلاط الملكي في عهد جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فتقدم بهذا الرثاء لوفاة صديقه وابن وطنه حوطة بني تميم المعروفة جنوب مدينة الرياض وهو الأديب المعروف عبدالله بن أحمد العجيري -رحمه الله - المرافق لجلالة الملك عبدالعزيز في أسفاره وغزواته ويؤم جلالته في الصلاة ويقرأ عليه القرآن وكتب الأدب وهو يجيد اللغة العربية وله صوت جميل وذلك عندما كانت الأسفار على ظهور الإبل لذا رغبت ان أرفق هذه المرثية الرائعة لما فيها من التسلية والموعظة لأسرة آل الجفالي في وفاة والدهم الشيخ عبدالله -رحمه الله- فإليكم القمدمة وتليها القصيدة. هو الموت في رثاء الشيخ عبدالله بن أحمد العجيري المتوفى سنة 1352هـ والشيخ العجيري -رحمه الله- من خلصاء الشاعر، وأعز أصدقائه، فقد عاشا خدنين، تجمعهما أواصر العلم والأدب، وتربط بينهما رابطة الحوار، فكلاهما من بلدة واحدة، متقاربين في السن، متماثلي الفضل وكان العجيري راوية الشاعر، ينشد أشعاره في المحافل، ولصلته بجلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله كان يقرأ على جلالته ماينظمه الشاعر في مدحه، وقد امتاز بميزتين: جمال الصوت، وحسن الأداء، كما اشتهر بقوة الحافظة العجيبة، وسعة اطلاعه على آداب العرب وأخبارها، وعلومها وآثارها، وقد نشرت جريدة «أم القرى» ترجمة له حينما توفي بعنوان «مات أديب نجد» ونشر الاستاذ الشيخ يوسف ياسين حينما كان محررا لجريدة «أم القرى» حوالي عام 1344هـ نبذة عن هذا الأديب، ومختارات من محفوظاته. وفي هذه المرثية يذكر الشاعر شيئاً من صفات خليله أبي أحمد، وطرفا مما بينهما من خالص المحبة وصادق الرد -رحمهما الله.
|
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |