* القاهرة - مكتب الجزيرة - فتحي أبو الحمد:
الجمرة الخبيثة أحد الأسلحة البيولوجية التي تصاعد الحديث عنها واتسع حول استخدامها في الحروب الحديثة وتثار التساؤلات حولها بقوة حاليا في اطار الاستعدادات الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق وسلاح الجمرة الخبيثة يعد من أخبث أسلحة الحرب البيولوجية جميعها. وفي دراسة حديثه بعنوان الجمرة رعب كل العصور للدكتور فوزي عبد القادر أكد أن هجوما بالجمرة الخبيثة على سكان مدينة ما قد يتسبب في فشل مئات الآلاف من البشر يموتون سريعا بمرض كريه مؤلم للغاية فلو وجه الهجوم ضد مدينة عدد سكانها 5 ،2 مليون نسمه تكون النتيجة الفورية موت 160 ألف شخص وإصابة 250 ألفاً.
وتشير الدراسة الى أن جرثومة الجمرة من أخبث جراثيم الحرب البيولوجية Biological
Warfar والإرهاب البيولوجي Bio Terroriesm على حد سواء نظرا لصلابتها غير العادية
تتحمل درجات حرارة تصل إلى 140ْم لمدة ثلاث ساعات متواصلة وإذن فإن عددا كافيا منها يبقى حيا متحملا انفجار قنابله ومقاوما تأثير أشعة الشمس وقادرا على القيام بمهمته الموكولة على أكمل وجه وإذا أطلقت في أي مكان فإنها تظل قابعة فيه لعشرات السنين وهكذا تظل البيئة في الخطر المستمر نفسه كالذي تتعرض له من الإشعاع الذي ينتج عن هجوم نووي، وفي هذا الضوء يمكن أن نتفهم مأساة جزيرة جروينارد القريبة من الشواطئ الاسكتلندية، وهي الجزيرة التي شهدت تجارب في أوئل الاربعينات.
سلاح بيولوجي
ويرى د فوزي عبد القادر ان سلاح الجمرة الخبيثة هو أخبث أسلحة الحرب البيولوجية جميعها. وتشير مصادر أمريكية في الى أن الألمان عمدوا إلى تلقيح الماشية والأغنام بلقاح الجمرة في عام 1916 على جبهة بوخارست أثناء الحرب العالمية الأولى تأهبا لإطلاق هذا السلاح ثم أعادوا الكرة على الجبهة الفرنسية في عام 1917.
على أن تقارير لجنة عصبة الأمم الصادرة في عام 1924 نفت استخدم سلاح الجمرة في الحرب العالمية الأولى وفي أثناء الحرب العالمية الثانية كثف الخبراء الإنجليز من جهودهم بغية انتاج قنابل الجمرة الخبيثة وكانت جزيرة جروينارد
Gruinard (قرب شاطئ اسكتلندا) هي مسرح
تجاربهم المفتوح ولقد تسبب القلق من قرب هذه الجزيرة من البر الرئيسي للبلاد في تحول مسرح التجارب في عام 1943 إلى منطقة «صافيلد» وسط البراري المفتوحة في ألبيرتا - كندا.
وفي الولايات المتحدة بدأ برنامج الحرب البيولوجية الخاص بالجمرة الخبيثة في عام 1942 ومنذ عام 1943 اتخذ البرنامج موقعا له أساسيا في فورت ديتريكFort Detrick بولاية ماريلاند، وفي أواخر عام 1943 بدأ العمل الجدي لإنتاج قنابل الجمرة زنة 500 رطل وتحمل كل قنبلة 106 قنيبلات Bomblets زنة كل منها أربعة أرطال وهي مهيأة للتحطم عند الارتطام ونشر ما تنطوي عليه من جراثيم. وبحلول عام 1944 كانت هناك عدة آلاف من قنابل الجمرة على أهبة الاستعداد للانطلاق ولكن لم يتسن إطلاق أي منها في الحرب بسبب إحجام الألمان عن إطلاق ما لديهم من أسلحة تدمير شامل وكذلك لأن الولايات المتحدة رغبت في حسم الحرب بإطلاق قنابلها الذرية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين وظلت من ثم قنابل الجمرة تنتظر..!!
وفي عام 1979 كشف النقاب عن قدرة الاتحاد السوفييتي - السابق - على إنتاج وتخزين عشرات الأطنان من أسلحة الجمرة ظلت لسنين طويلة طي الكتمان.
وذكرت مصادر سماها مكتب التقييم التكنولوجي في جلسات لجان مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1995 أن هناك سبع عشرة دولة تعنى بتطوير أسلحة بيولوجية (ولاسيما أسلحة الجمرة الخبيثة) وهي: الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وتايوان وكوبا وجنوب أفريقيا وفيتنام ولاوس وبلغاريا وإسرائيل وإيران والعراق وليبيا وسوريا ومصر.
* سلاح للإرهاب:
ويضيف ان الجماعة اليابانية المتطرفة المعروفة باسم الحقيقة الأسمى Supreme
Truth وهي الجماعة التي استخدمت في إحدى
محطات قطار الأنفاق بمدينة طوكيو مركب الأعصاب السام السارين Sarin في عام 1995 فقتل من جراء ذلك اثني عشر شخصا وأصيب نحو 5500 آخرين.
لقد أثبتت التحقيقات التي أجريت - فيما بعد - أن هذه الجماعة قد امتلكت وطورت جراثيم الجمرة وأنها حاولت رشها فوق مدينة طوكيو أربع مرات خلال الأعوام 1990 إلى 1995.
على أن أكثر أحداث الإرهاب البيولوجي بالجمرة إثارة كانت هي التي وقعت مؤخرا في الولايات المتحدة، ففي الخامس من أكتوبر 2001 أعلن عن وفاة مصور صحفي بعد أن ثبتت إصابته بالميكروب، ثم أعلن عن وفاة اثنين آخرين من الصحفيين، ثم وفاة امرأة رابعة في نيويورك في 31 أكتوبر. ولم تمض سوى أيام حتى كانت جرثومة الجمرة تشق طريقها بثقة عبر ولايات فلوريدا، ونيفادا، ونيويورك، وغيرها وتصيب بلعنتها عشرات الأمريكيين وغيرهم عشرات الملايين ممن تولاهم الرعب والفزع من غد مجهول وهو الرعب الذي لازمهم كلما فتحوا مظروفا أو رأوا مسحوقا أبيض أو شاهدوا سائلا يرون أنه مشتبه، ووسط حالة الرعب التي اجتاحت الجميع أصبحت مكاتب وغرف البريد في سائر أنحاء الولايات وكأنما هي حقول ألغام تستوجب من سلطات الأمن نشر كلابها المدربة بحثا عن رسائل الجمرة المفخخة المندسة هنا أو هناك.
الحماية والاستشعار
ويرى د فوزي عبد القادرانه توجد وسائل للحماية من هجوم بيولوجي بالجمرة.ولكنها لا تصلح إلا في حالة توافر ظروف معينة من بينها: تحديد سلالة الميكروب بصورة دقيقة وأن تكون هذه السلالة حساسة للطعوم (الفاكسينات) التي يأخذها الناس قبل التعرض لتأثير الميكروب وبهذه المناسبة فإن اللقاح الروسي للجمرة يعد من أفضل الوسائل لمكافحة العدوى عن طريق الاستنشاق، وهو اللقاح الذي أنتج في عام 1980 على أثر تسرب جراثيم الجمرة من منشأة للحرب البيولوجية في سفردلوفسك Sverdlovsk (تسمى حاليا إيكاتر ينبرج وهي تبعد عن شرق موسكو بنحو 900 ميل) في عام 1979 والذي أدى إلى أسوأ كارثة للجمرة في العصر الحديث، فقد أصاب الوباء 79 شخصا مات منهم 68 في غضون أيام.
ونعود فنقول إن اللقاح الروسي أثبت - فيما بعد - جدارته حتى إن القوات الأمريكية المتمركزة في منطقة الخليج العربي اضطرت لطلب جرعات إضافية منه لحقن جنودها المشاركين في الحرب.
وفضلا عن ضرورة توافر اللقاحات لا بد كذلك من توفير مضادات الحيوية المناسبة والأقنعة الواقية، غير أن الأقنعة لاتوفر سوى حماية محدودة على شرط التزود بها قبيل التعرض للهجوم، وهذه إحدى مآزق الجمرة، فالمعروف أن الجرثومة تستقر في البيئة لزمن طويل ومن ثم فإن مفاهيم الحماية بالأقنعة تصبح بلا معنى في غالب الأحوال.
وثمة مأزق آخر يشير إليه الجنرال الأمريكي وولتر باسبي Walter Busbee (مدير مكتب الدفاع البيولوجي المشترك) وهو تعذر رصد سحابة مكونة من جراثيم الجمرة لدى إطلاقها بحيث أن المعرضين لها لن يشعروا قط أنهم يستنشقونها.
لهذه الأسباب وغيرها نستطيع فهم حرص الخبراء الشديد على التوصل إلى نظم متطورة لاستشعار Detection جرثومة الجمرة المراوغة.
وتوصلوا - بالفعل - إلى تقنية أكثر تحديدا وأضيق مجالا تمكن من التعرف عليها من خلال تفاعل يجمع بين الجسم المضاد ومولد الضد (المستضد) ويعرف هذا النظام باسم نظام الكشف البيولوجي المتكامل (بيدز) وهي كلمة تمثل الحروف الأولى ل : Detection System
BIDS Biological Integrated وجهاز
الاستشعار (بيدز) جهاز جوال صمم لتحذير المحاربين في الميدان من وجود خطر جرثومي في الأجواء وهو يعتمد على فكرة تعريض عينات من الهواء المشتبه فيه إلى أجسام مضادة خاصة ببعض المواد البيولوجية (من بينها بالطبع جرثومة الجمرة) ويدل تفاعل الجسم المضاد مع العينة على وجود جرثومته المناظرة.
إن بوسع هذا الجهاز إجراء عملية الكشف والاستشعار في غضون ثلاثين دقيقة ليس غير وهذه نتيجة مدهشة للغاية ولكن من المؤسف حقا أن ثمة (سيناريوهات) جديدة بدأت تظهر في السنوات الأخيرة تنذر بفقدان فاعلية نظام الكشف (بيدز) وتجعل أمل التوصل إلى نظام فاعل للاستشعار أمرا بعيد المنال.
|