شاكر عبدالحميد واحد من أبرز النقاد العرب حالياً خصوصاً فيما يعرف بالنقد الأسطوري أو النقد القائم على نظريات علم النفس.. في هذا السياق قدَّم العديد من الدراسات المهمة مثل العملية الإبداعية في فن التصوير والأدب والجنون والتفضيل الجمالي وغيرها. حول علاقة الإبداع بغرابة الأطوار والاكتئاب
ومفهوم النقد كان هذا الحوار معه.
* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح:
* اخترت مجال الإبداع من منظور سيكولوجي فيما يعتبر امتداداً لمشوار أستاذك مصطفى سويف.. فماذا تعلمت من هذا الرائد الكبير؟
هو كان الرائد ونحن التلاميذ تعلمت منه أشياء كثيرة أهمها الدقة والمنهجية واتساع الأفق وعدم الانغلاق فعلى الباحث في علم النفس أن يكون على معرفة بالفن والفلسفة ومتابعاً للحياة السياسية كما تعلمت من سويف حسه الوطني ومحبته لأمته العربية وأنه لا بد أن يخدم العلم واقع الأمم والشعوب فدراسة الإبداع ودراسة العوامل الأساسية للتقدم لأن الإبداع يسهم بشكل مباشر في تغيير الأوضاع الراهنة إلى الأفضل على سبيل المثال تقدمت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من خلال إبداع أبنائها. وكان سويف يحرص على اللقاءات المنظمة مع تلاميذه ومتابعة آخر ما يتوصلون إليه وما أحرزه من تقدم في الدراسة ولا يدخر وسعاً في جلب الكتب والدراسات الحديثة على نفقته ويقدمها لتلاميذه للاستفادة منها كما كان يحرص على التوجيه بشكل غير مباشر حتى لا يشعر الطالب بالنقص فكان مثالاً للمثابرة والدأب وحريصاً على البعد الاجتماعي للعلوم الإنسانية.
* وهل تعتقد أن هذا المناخ الأكاديمي في الجامعات كان أفضل من واقع الحال الآن؟
أفضل بكثير من الآن.. لأن العلم كان يأتي أولاً وبعده يأتي الاهتمام بالماديات كما كانت هناك ألفة بين الأساتذة والطلبة وكان للأستاذ «قيمة» انخفضت الآن إلى حد كبير من التكالب على المادة والشعور بعدم الأمان واختلال سلم القيم فأصبحت القيم العليا أقل مرتبة مما ينبغي لها.
* ما الذي يميز تجربتك عمن سبقوك أمثال الدكتور سويف ومصري حنورة وغيرهم؟
أعتقد أنني كنت أكثر المتخصصين في مجال علم النفس ممن قام بدراسات على الأعمال الأدبية والإبداعية فقد قدمت أكثر من 60 بحثاً ودراسة حول أعمال أدبية مصرية وعربية والمسألة لا تتعلق بالكم فقط لدرجة أن البعض يعتبرونني من أبرز من مزج بين علم النفس والمنهج الأسطوري في النقد.
* على المستوى الأكاديمي.. هل هناك محاولات لدراسة العملية الإبداعية بشكل تجريبي معملي؟
بالفعل هناك محاولات لكنها ليست بكفاءة الدراسات التقليدية حول الإبداع، ذلك لأن الإبداع عملية يصعب حصرها في مكان وزمان محدد وتحت شروط دقيقة منضبطة منهجياً، وهناك تطورات حدثت في التحليل النفسي ذاته فمثلاً هناك عدد من الفروق بين الجدد الذين حاولوا الانتقال من الشخص إلى العمل الأدبي ودرسوا روايات ومسرحيات كثيرة ثم حاولوا اكتشاف الآليات النفسية المهيمنة على هذه الأعمال ثم ربطوا بين نتائجهم وبعض المعلومات الخاصة بشخصية الكاتب والمجتمع الذي عاش فيه بعكس فرويد الذي كان يبدأ من شخص المبدع.
* البعض يتصور أن المبدع لا بد أن يكون شخصاً غريب الأطوار أو مضطرباً أو مكتئباً؟
ليس بالضرورة أن يكون الشخص الاكتئابي مبدعاً لأن المرض عنصر معوق والمبدع الحقيقي ا لموهوب يحول علامات الاضطراب لديه أو لدى الآخرين إلى أعمال جمالية متميزة أما فكرة غرابة سلوك المبدعين فهي فكرة قديمة تقليدية ربما ارتبطت في أذهان الناس بفكرة الإلهام في أي لحظة ويهمل مظهره وأسرته فكانت تلك هي الصورة المتوارثة مع الوعي بأنه ليس هناك إنسان سوي تماماً فهناك درجات تزيد أو تقل لدى كل منا من القلق والاكتئاب.
* من يتابع إنتاجك في غضون عشر سنوات.. يلاحظ غزارة ما قدمت من دراسات أو كتب مترجمة؟
فيما بين عامي 1987 و2000م كان هناك بالفعل غزارة في الإنتاج تأليفاً وترجمة وكان محاولة لإثبات وجودي كناقد ومترجم والتأسيس للمشروع الذي أعمل به ودفعت إلى ذلك ما لا قيته من تشجيع من أساتذتي وأصدقائي خصوصاً العالمين الكبيرين د. مصطفى سويف ود. فؤاد زكريا.. ومعظم هذا الإنتاج سواء الترجمة أو التأليف يرتبط بمحاولة تقديم كتابات قد تكون جديدة في مجال العلاقة بين علم النفس والفن وساعدتني ظروفي الحالية وسفري للعمل ببعض الجامعات العربية في شراء الكتب الحديثة ومتابعة أحدث الإصدارات في اللغة الإنجليزية.
* بالنسبة للكتب التي تختارها للترجمة.. هل هناك معايير خاصة عند الاختيار؟
أولاً ألا يكون الكتاب قد ترجم قبل ذلك وأن يكون حديثاً من حيث تاريخ النشر وأن يسد ثغرة في الثقافة العربية على الأقل من وجهة نظري.. وأخيراً أن تكون بيني وبين الكتاب محبة.
* في أطروحتك للماجستير عن الأسس النفسية للإبداع الأدبي كان هناك لقاءات مع العديد من الأدباء.. ما الذي خرجت به من هذه التجربة؟
من خلال هذه الحوارات واللقاءات أدركت الأسلوب الشخصي الخاص بالإبداع فمثلاً هناك مثيرات للإبداع تختلف من فنان لآخر فالبعض يلجأ إلى السينما كمثير للكتابة والبعض يلجأ إلى القراءة في السياسة كما استطعت من خلالها الوقوف على النماذج القدوة بالنسبة لكل كاتب.
* يقوم مشروعك النقدي على التأكيد على تعدد الأذواق وتعدد مستويات القراءة ألا يفتح هذا التعدد الباب إلى أعمال سوقية صادمة للصفوة؟
بداية الصفوة لدينا ليست صفوة بحق وحقيق فنادراً ما نجد ناقداً أدبياً لديه فكرة عن التشكيل أو إحاطة بالفنون الأخرى فمثلاً نصوص عفيفي مطر مليئة بالرموز والصور والأخيلة والمفردات القديمة بما يحتاج إلى ذائقة خاصة في الملتقى والتحليل.. وبصفة عامة أنا ضد النمط الواحد والذائقة الواحدة ووجهة نظري هنا ما بعد حداثية إلى حد ما فلكل شخص ذوقه واختياراته سواء فضل أشعار عفيفي مطر أو نزار قباني أو مظفر النواب على ألا ينحدر في اختياراته إلى مستوى الابتذال والاستسهال فيصبح شعبان عبدالرحيم مثالاً للمطرب النجم ويصبح الممثل الأول هو اللمبي ويتم تكريس ذلك في وسائل الإعلام المختلفة.
* وحالياً ما الذي يشغلك؟
أعد كتاباً عن الفكاهة والضحك وأعتقد أن لدي مكتبة في هذا الموضوع غير متوفرة للكثيرين.. أفادتني التقنيات الحديثة كالكمبيوتر والإنترنت في توفيرها.. وأرجو أن أنتهي منه قريباً.
|