كتب الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالله الماضي في جريدة الجزيرة بتاريخ 4/11/1423هـ منتقدا دعم المسلمين لشعب الشيشان في محاولته للتحرر والانفصال عن الاستعمار الروسي، ومذكرا بما وقع من أخطاء وفوضى في أفغانستان وللإنصاف والتاريخ أحب ان اذكّر الأستاذ عبدالمحسن بالحقائق التالية:
1 لقد بدأ الغزو الروسي لبلاد المسلمين منذ عام 1552م واستمر حتى عام 1979م حين غزا الاتحاد السوفيتي افغانستان ولم تختلف سياسات روسيا او الاتحاد السوفيتي في إخضاع الأقاليم الإسلامية والقضاء على شعوبها أو تهجيرهم. وقد بذلت روسيا جهودا كبيرة لتحطيم الإسلام والتدين عند شعوب القوقاز في عهد ابن ايفان الرهيب وفي عهد بطرس الكبير والقيصرة (آنا) وعادت الحملات ضد الوجود الإسلامي في عام 1924م وعام 1928م واخرج الشراكسة من بلادهم ونجحت الإبادة الجماعية لشعب من أكبر شعوب القوقاز.
2 إذاً القضية ليست في الشيشان فقط إنها قضية شعوب إسلامية مضطهدة تريد الاستقلال وأما قولكم عن اتحاد بين روسيا والشيشان دام اكثر من (90) عاماً فهذا احتلال وقهر وليس اتحاداً فلم تهدأ أوضاع هذه المنقة ابدا خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين فقد انتفض الشعب الشيشاني والداغستاني عام 1842م وكان القتال محتدما بين الروس والمسلمين في شمال القوقاز بزعامة الشيخ شامل وخسر الروس خسائر هائلة في تلك المعارك.
3 ربما لا يعلم الكاتب ان القائد الروسي (أرمولوف) كان يفجر البيوت على ساكنيها وكان جيشه يحيط بالقرى ويذبح أهلها عن بكرة أبيهم وأخذت النساء المسلمات وبعن كجوار لضباط الروس، وفي عام 1937م تم اعتقال (14000) شخص في الشيشان وتمت محاكمة جماعية أعدم بعضهم ونفي الباقون وفي عام 1943م 1944م كان كل الشيشانيين والأنغوش (نعم كلهم) قد تم ترحيلهم، حشر الرجال والنساء والاطفال في الساحات العامة ثم رحلوا في سيارات نقل امريكية (تعاون بين ستالين وامريكا) رحلوا الى سيبيريا وأحرقت القرى الجبلية حتى لا يستفاد منها، وفي القطارات التي أقلتهم إلى سيبيريا حرموا من الطعام والماء لعدة أيام وحرم على السكان المحليين (في سيبيريا) مساعدة أي شيشاني مريض، وبعد ثلاثة عشر عاما من النفي قرر (خرشوف) إعادة الجبليين إلى أرضهم وقد نشرت صحيفة (أزفستيا) الرسمية عام 1946م إقرارا سابقا بتصفية جمهورية الشيشان وترحيل سكانها.
4 إن تاريخ الشيشان وأنغوشيا هو تاريخ عقد من الصراع الدموي لشعب يحب الحرية وكانت القوقاز بما تضمه من شعوب الشيشان والداغستان والشركس وغيرهم كانت الدرع الواقي للعالم الاسلامي من الزحف الروسي المدمر وفي عام 1985م رفض المجندون الشيشان الذهاب لقتال إخوانهم مسلمي أفغانستان فهل هذه الشعوب، لا تستحق المساعدة وهل هي شعوب لا تستحق الاستقلال بينما يساعد الغرب دولاً صغيرة على بحر البلطيق مثل لاتوانيا على الاستقلال عن روسيا، فليس هناك اتحاد طوعي بين روسيا ودول القوقاز، بل بين روسيا وهذه الشعوب قتال طويل في سبيل التحرر والاستقلال.
5 وإذا جئنا الى قضية التدخل في شؤون الآخرين فلماذا لا ندين التدخل الغربي في شؤوننا، ليس في الشؤون السياسية فحسب، بل في الشؤون الثقافية ولماذا التركيز على المرأة المسلمة وهي شأن خاص بنا وبحضارتنا وشريعتنا؟ ألم يتدخل الغرب في كثير من دول العالم ظلماً وعدواناً فهل إذا ساعد المسلمون إخوانهم للانعتاق من الظلم الروسي نسمي هذا تدخلا، وإذا وقعت اخطاء في بعض المناطق فهل هذا مبرر لأن نمنع الخير عن هذه الشعوب التي تفرض الهيمنة والإمبريالية الروسية؟ إن (بابا) الفاتيكان يتدخل في شأن نصراني واحد حدثت له مشكلة في باكستان أو إندونيسيا، والجمعيات التنصيرية في الغرب تمد الانفصاليين في جنوب السودان، فلماذا لا ندين هذه التدخلات.
وأخيراً هل الشعوب الإسلامية هي الوحيدة التي يجب أن ترضى وترضخ بالذل والهوان وتكون أسيرة للنظام العالمي الجديد؟
أ. محمد العبدة
مفكر إسلامي له عدد من المؤلفات
|