* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
ألقى معالي الدكتور الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى وامام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة يوم امس محاضرة بعنوان «خطبة الجمعة وأثرها في اصلاح المجتمع» وذلك بقاعة المحاضرات الكبرى بمقر الامانة العامة لرابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة اكد فيها انه ينبغي على الخطيب ان يفرق بين الخطبة التي تلقى في المسجد والكلام الذي يلقى في المنتديات او المحاضرات العامة حيث لا ينبغي ان تكون خطبة سياسية محضة حيث ان للمسجد رسالته ووظيفته وللخطبة تأثيرها فينبغي ان تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بنصوص الكتاب والسنة واكد ان خطبة الجمعة شعيرة من شعائر الاسلام وهي عظيمة الشأن والمقاصد وعميقة التأثير وان الغرض من تكرارها في السنة «48» مرة مواصلة حوار النفس ومواجهتها ومحاسبتها ومراجعتها في اوامر الدين واحكامه ومقاصده.
وبين معاليه ان مظاهر احكام هذه الشعيرة لزوم حضورها جماعة والنهي عن البيع عند النداء لها وان يتأهب لها المسلم بالتطهر والتبكير ووجوب الانصات ونبذ اللغو مما يهيىء الى الاستفادة والرغبة في الاستماع والالتزام بما يسمع من الحق مشيرا معاليه الى ان خطبة الجمعة تعد من وسائل الاصلاح الفردية والجماعية فهي تحتل موقفاً مهماً متميزاً في تبليغ الدين ونشر الدعوة وبث الاصلاح منذ بدء الرسالة المحمدية ولا تزال هي اكثر الوسائل فعالية في نشر الحق وبث الفكر الصحيح ومخاطبة مختلف الفئات والطبقات والمستويات نظرا لان الخطيب المؤهل الموفق هو الاسرع الى فهم العامة وابلغ في التأثير على المجموعة فخطيب الجمعة هو الواعظ وله دور كبير في مجتمعه وبيئته فهو قرين المربي والمعلم ورجل الحسبة والموجه وبقدر احسانه واخلاصه يتبوأ من قلوب الناس مكانا ويضع الله له قبولا.
وأفاد معاليه ان مهمة الخطيب مهمة شاقة تحتم عليه ان يستعد استعدادا كافيا فكريا وحسن التعبير وطلاقة اللسان وان يحدث الناس بما يمس حياتهم ولا ينقطع عن ماضيهم ويردهم الى قواعد الدين ومبادئه ويذكرهم بحكمه واحكامه برفق ويعرفهم آثار التقوى والصلاح في الآخرة والاولى ومهمة الخطيب البعد عن جالبات الملل والدعوة الى التجديد والتحديث لا يغير من الحقيقة الثابتة شيئا. وعلى الخطيب ان يهدىء الثائر ويطفىء ثورة الغريزة ويخفض شدة الاحقاد ويشيع روح المودة ويبث الاخلاص والتعاون وعلى خطيب الجمعة ان يولي هموم مجتمعه وقضايا امته اهتماما كبيرا.
وتحدث عن مفهوم الاصلاح موضحا ان الاصلاح مأخوذ من الصلاح والصلاح ضد الفساد ويرد الصلاح في القرآن الكريم مقابل السيىء وقد ذكرت كلمة الصلاح والاصلاح في كتاب الله اكثر من مائة وثمانين مرة ومن اظهر مواردها في كتاب الله عز وجل ارتباطها بالايمان اذ الايمان هو اساس محاربة الفساد ومقاومته والعمل الصالح فعل قائم على اصلاح العقيدة بتوحيد الله عز وجل واصلاح الخلق بسلوك مسالك الأخلاق الكريمة من التواضع والحلم والرحمة والصبر والصدق والتودد وغيرها وإصلاح بمراقبة الله في الحلال والحرام وسلوك مسالك التقوى.
وبين معاليه ان موارد الاصلاح في الدين كثيرة من ابرزها اصلاح الاسر والاصلاح بين الناس واصلاح الحكام لشؤون رعاياهم.
وان الاسلام جعل الاصلاح من آكد شروط التوبة وعلى خطيب الجمعة ان يستمد من هذا المفهوم العام الشامل للاصلاح الاجتماعي في الاسلام ويعمل على نشره وتقوية معناه في النفوس ويجعل ذلك دعوته التي يعلنها مشيرا معاليه الى المنهج الاصلاحي لخطبة الجمعة موضحا ان الاصلاح امر اساسي في الدين يتناول جميع الجوانب التي يتحقق بها صلاح الامة ورقيها وتقدمها وامنها ولخطبة الجمعة دورها في تحقيق ذلك الاصلاح والحث عليه فاذا كان هذا هو دور الخطبة وكان هم الخطباء ترسيخ فهم الاصلاح وتعميق الشعور به والتغلب على معوقاته فانه يحتم هذا الدور مؤهلات الخطيب العلمية والنفسية ومن حيث الواقع الذي يعيشه المسلمون ومن حيث انواع المشكلات المطروحة التي ينبغي ان تعطى لها الاولوية في خطبة الجمعة.
وبين معاليه ان الخطيب الداعية يستطيع بمعرفته لتاريخ الامم ان يدحض اقوال المتطاولين التي تطعن في الاسلام وحضارته او تدعي ان الاسلام لم يحكم الحياة ولم يكن له تأثير في تاريخ الشعوب ولذا ينبغي ان يكون الخطيب ملما بعلوم عصره ولاسيما في العصر الحاضر مما يساعده في اقناع مستمعي حديثه مما يحض مستمعي خطبه الى حسن الاستجابة.
وقال: ان الشرع قد رعى في منهج خطبة الجمعة حالة المكلف ولاشك ان الغرض الاساسي منها هو التذكير والوعظ والتنبيه اذا من المفروض ان المسلم محتاج للتذكير بآيات الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليستقيم حاله وليزداد من الخير وليرتدع عن الغي ويقوم اعوجاجه ويبادر بالاجابة.
وحذر معاليه من التطويل الممل في خطبة الجمعة داعيا الى الاختصار غير المخل حيث ان مثل هذا يؤدي الى حصول الفائدة من الخطبة وذلك بالعدول عن التطويل الممل الى الاختصار غير المخل وخير الكلام ما قل ودل هو اسلوب تنفرد به الخطبة عن المحاضرة مشيرا الى جوانب الاصلاح الاجتماعي في خطبة الجمعة مبينا ان ذلك يكون من خلال عنصرين الاول يتعلق بالعوامل الخارجية وهي عوامل التأثير بالغرب والنزعة العلمانية وما يتعلق بهذه النزعة الخارجية يمكن ان تعالج من عدة امور منها اظهار ان الاسلام مختلف عن الديانات الاخرى بأصوله ونظامه واسسه واهدافه فمهم للخطيب ان يتكلم عن الاسلام ويبين حقيقته وصلاحه لكل زمان ومكان وانه دين ودنيا والتركيز على الايمان وترسيخ العقيدة والاهتمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه وحقوقه وجهاده وشأنه كله لأن هذا له تأثيره العظيم والعجيب على النفوس وكذلك الدعوة الى وحدة المسلمين والتضامن الاسلامي وتسليط الاضواء على بعض القضايا المثارة مثل قضية العدل وحقوق الانسان ونحو ذلك والتأكيد على ان الاسلام خاتم الاديان وفيما يتعلق بالاصلاح الداخلي فينبغي التركيز على تأكيد العقيدة ومقاصدها والاهتمام بالعبادات والحث عليها.
وقد حضر هذه المحاضرة جمع غفير من اصحاب الفضيلة وطلبة العلم ورؤساء الدوائر الحكومية.
|