* تحقيق : يوسف بن ناصر البواردي
كثيراً ما يشكو بعضنا لبعض من آباء وأمهات ومدرسين ومربين خطر تلك الظاهرة التي غزت واقع كثير من الطلاب بلا منازع، ألا وهي ظاهرة الغش في الامتحانات، وحقيقة أن هذا الموضوع قد يلاقي من البعض السكوت أو التهاون والتساهل وعدم الطرح نظراً لاعتقاد البعض بعدم أهميته.
من هذا المبدأ تطرقنا الى هذا الموضوع ولكي نتوغل نحن وإياكم ونتعرف على ما فيه من تفاصيل ولكي نحاور رواده ونسبر أغواره ونطلع على بعض الحقائق التي تدعو كثيرا من الطلاب الى الغش طرقناه في هذا التحقيق.
ولسنا هنا نحاول كشف الأستار والتشهير أبداً ولكن من منطلق (الدين النصيحة).
نتائج واقعية
أيضا ولما سمعنا من كثرة وقوع بعض الطلاب في هذا الجرم والتفنن فيه وابتكار الوسائل الممكنة لتطويره وتأصيله، ولنعرف تلك الحقائق استندنا الى استبيان وزع على (200) طالب وكانت العينات عشوائية في المراحل المتوسطة والثانوية ووزع على أربع مدارس، اثنتين حكوميتين واثنتين أهليتين وكانت نتيجة الاستبانة كالتالي: 74% من الطلاب يمارسون الغش في الامتحانات، وجاء كذلك ما نسبته 63% يرون ان للصديق تأثيراً كبيرا وإعانة على الغش، و72% أكدوا على أن وجود الأساليب الحديثة المتنوعة والاحترافية في الغش عند بعض الطلبة تجعل البعض الآخر يتأثر وراءهم ويطبق ما يفعلون، وأما النسبة العظمى في هذا الاستبيان فقد كانت 94% حيث اجمعوا على أن صعوبة الأسئلة في بعض المواد توقع في الغش لا محالة.
وحول سؤالنا ما اذا كنت أيها الطالب لا تميل للمدرس الذي يدقق ويشدد في المراقبة ولا تحبه فقد أجمع ما نسبته 65% مؤيدا لذلك والباقي لا يرون ذلك.
وفي سؤالنا عن الأساليب التي تجدي مع الطلاب لمكافحة الغش فقد كان ما نسبته 80% يرون ان التنشئة الصالحة وتربية الوالدين ومراقبة الله جل وعلا في الدرجة الأولى وبعضهم يرى ان الطالب الذي يقبض عليه وهو غاش يعاقب ويعلن اسمه للجميع والبقية متفاوتون فمنهم من يرى ان للمعلم دورا كبيرا في التحذير من هذه الظاهرة لشدة التصاقه بالطلاب، فيما يرى البعض أن للبيت دوراً كبيراً في التحذير من هذه الظاهرة، كما أن البعض لم يغفل دور التنشئة الصالحة من قبل الوالدين.
تعليقات صريحة
وحول بعض التعليقات التي جاءت في الاستبيان وتوضح لجوء كثير من الطلاب للغش اقتطفنا منها ما يلي: أحد الطلاب أشار: أنني أرى الطلاب يغشون ولا أحرك ساكناً. وآخر كتب: انني يؤنبني ضميري ولكني أريد ان أضمن النجاح بأية طريقة، وثالث بين بأن الشعور بالخوف من خطأ الإجابة هو الدافع لذلك، وآخر كتب: أريد درجات عالية وزينة بلا شك، وأحدهم صرح بأنني اعرف الحكم الشرعي ولا أبالي، وآخر كتب أن أغلب زملائي يغشون فلماذا لا أغش؟! وآخر صرح بأن أهله يقولون له إذا رأيت زملاءك يغشون فغش وإلا فلا!! ومنهم من كتب: انني اتعقد إذا لم أغش، وكتب أحدهم: أنا لا أغش لأن (من غشنا فليس منا).
لقاءات ميدانية
وحتى نتوصل سوياً إلى بعض الحقائق حول هذا الموضوع فقد أجريت بعض اللقاءات مع مجموعة من الطلبة في مراحل دراسية متفاوتة وكانت حوارات لا ينقصها الصراحة، ففي البداية أشار الطالب عبدالله المنديل إلى أن هناك بعض الأفلام والمسلسلات ساهمت بشكل ملحوظ في الغش خاصة في بعض القنوات الفضائية، كما أوضح أن بعض الطلاب كانوا يتحدثون عن طرق رأوها في إحدى المسلسلات وكانت مرغبة للغش في الامتحان، أما الطالب محمد العش فيؤكد على صعوبة الأسئلة وأنها من أكبر ما يلجىء الطالب إلى الغش كما أشار الى ان الطالب في بعض الأحيان يلجأ للغش لأنه تغيب ولم يحضر بعض الدروس فيضيع عليه جزءا من المواد فيتفاجأ بها أثناء الامتحانات وحول إرغام بعض الطلاب الى ان يساهموا في التغشيش وهم في حقيقتهم لا يميلون إلى ذلك فقد أشار الطالب أحمد طارق إلى أن هذا ملحوظ وقد حصل معه شخصيا أكثر من مرة وذلك بأن بعض الطلبة يقومون بتهديده حتى يمكنهم من الغش لأنه معروف عند الطلاب بتفوقه، وحينما وجهت سؤالي له لماذا لم تبلغ المدرس أو مدير المدرسة لم يرد علي.
الطالب محمد العمودي وافق الطالب أحمد في هذه النقطة كما اتفقا سويا على أن بعض الطلاب قد يرى زميله رفيق دربه قد وقع في ازمة مع سؤال أشكل عليه فتجده يرى أنها وقفة إنسانية فيمكنه من الغش وهذا من الخطأ في نظرهما، وأما الأخ عبدالهادي القحطاني فلزم الصمت طيلة النقاش ثم طالب في النهاية بتخفيف الأسئلة وعدم تعقيدها لأن ذلك في نظره من أكبر أسباب الغش.
المرشد الطلابي
وحيث أن المرشد الطلابي هو من يعول عليه بعد توفيق الله في معالجة قضايا الطلاب وحل مشكلاتهم فقد طرحنا هذه القضية على المرشد الطلابي الأستاذ فهد بن سعد الصقعبي في ثانوية عبدالله بن سعود وسألناه ما إذا كان الطالب الذي يقوم بعملية الغش هل يستحق عقوبة رادعة مباشرة تؤدبة وهل هذا هو الحل في نظره؟ فرد موضحا ان الطالب الذي قد يمسك وقد تكرر منه هذا الفعل واستمرأه فلابد أن يلقى جزاءه ويحول للنظام لردعه، وأما الطالب الذي أخطأ لأول مرة فينظر في أمره وما مسك معه من قصاصات وهل لها علاقة بالموضوع فإذا وجدنا ثغرات في موضوع هذا الطالب حاولنا الوقوف معه قدر المستطاع، مشيراً الصعقبي إلى ان ذلك لا يعني أننا نجيز الغش بهذا الفعل كلا، ولكن بما أنها حالة استثنائية فننظر في أسبابها ونحاول إقناع الطالب بعدم معاودة ذلك موضحا كذلك ان بعض الطلاب تشهد له أخلاقه وحسن سيرته للدفاع عنه.
ويستطرد الاستاذ الصقعبي قائلا: كذلك ينبغي ان لا نغفل جانب بعض المدرسين المتساهلين الذين يتساهلون في المراقبة فيكون ذلك مرغبا ومجرئا للغش حتى الذي لا يغش قد يغش وتزل به القدم فقد يمر المدير أو أحد المسؤولين في المدرسة فيلحظ ذلك فيقع الطالب في الفخ والسبب تساهل هذا المدرس.
موت الضمير
وحول بعض الأسباب المهمة لظاهرة الغش ارجعت الأستاذة أسماء الأسباب إلى ضعف الوازع الديني، وعدم استشعار مراقبة الله، وكذلك التساهل في تجديد الهمة وشحذها لطلب العلم، وإلا فعدم وجود هذه الهمة أدى بها للتساهل في الجدية في طلب العلم والحرص على حفظه، ومنها كذلك الإهمال في استذكار الدروس والتقاعس عن الاهتمام بها أولاً بأول، مشيرة كذلك لتعاون الطلبة والطالبات فيما بينهم على الغش وتشجيع بعضهم لبعض هو من أكبر أسباب انتشار هذه الظاهرة، ومنها موت الضمير والحس ومعاتبة النفس على ما ارتكبت من خطأ، وكذلك تساهل وتسامح بعض المراقبين والمراقبات مع الطلبة والطالبات الذين يقعون في هذا الأمر، وعدم التوفيق والتشديد في المراقبة، ومنها تساهل أيضا إعطاء الإدارة في إيقاع العقوبة على مرتكب هذا الخطأ.
دور المدرسة
الأستاذ صالح بن سلمان السراء مدير مدرسة عبدالله بن مسعود الثانوية شاركنا في هذا الموضوع موضحا في البداية ان ظاهرة الغش في الامتحانات تختلف من مدرسة الى مدرسة حسب مدى التوعية بخطورة هذا الجانب ومدى قوة المراقبة والملاحظة، وحول أبرز وسائل الوقاية والسلامة والتي تم اتخاذها لمكافحة ظاهرة الغش إن وجدت فيؤكد الاستاذ صالح على توزيع الطلاب بطريقة مناسبة وقت الامتحان تمنع بإذن الله من الغش، وكذلك وجود مراقبين أكفاء وتوزيعهم في قاعات الامتحان، ومنها ايضا يوضح السراء إلى الحزم مع الطالب الذي يمسك وهو حالة في غش، وقبل ذلك كله يؤكد سعادته على التوعية والتوجيه والتحذير من هذه الظاهرة وتبيين حكمها الشرعي، وفي نهاية الحديث أوضح لنا السراء إلى أنه يقوم بلقاء دوري قبل الامتحانات يجتمع بطاقم المدرسة ليؤكد على المدرسين بضرورة تحمل الأمانة ومراقبة الله قبل كل شيء إلى غير ذلك من التوصيات.
رب اشرح لي صدري
وحول بعض الخطوات والتدابير الممكنة لمساعدة الطلاب والطالبات للتغلب على هذه الظاهرة فقد أجملت الأستاذة بدرية الدوسري ذلك بالخطوات التالية:
1 المذاكرة المستمرة أولاً بأول.
2 اللجوء الى الله في جميع مرافق الحياة ومن ذلك كأن يدعو الطالب (اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين، اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وقلوبنا بخشيتك وأسرارنا بطاعتك إنك على كل شيء قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل).
3 وكذلك الدعاء بعد المذاكرة (اللهم إني استودعتك ما قرأت وما حفظت وما تعلمت فرده عند حاجتي إليه إنك على كل شيء قدير).
4 وعند التوجه الى الامتحان (اللهم إني توكلت عليك وفوضت أمري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك).
5 عند دخول الامتحان (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً).
6 عند بداية الإجابة (رب أشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، باسم الله الفتاح اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً يا أرحم الراحمين).
7 عند تعسر الإجابة (لا إله إلا أنت سبحانك تبت إليك إني كنت من الظالمين يا حي يا قيوم برحمتك استغيث ربّ إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
8 الدعاء عند النسيان في الإجابة (اللهم يا جامع الناس إلى يوم معلوم لا ريب فيه أجمع علي ضالتي).
9 بعد الانتهاء من الإجابة (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
نتائج وتوصيات
أخي القارىء: وبعد هذه الجولة في هذا التحقيق وهذا الاستطلاع الميداني فقد ظهر لنا جميعا من خلال الاستبيان أن هناك نسبة ليست بالقليلة تلجأ إلى الغش في الامتحانات في هذه الاستبانة، كما ظهر لنا أن صعوبة الأسئلة وتعقيدها من أكبر الدوافع لغش كثير من الطلاب، وكذلك الصديق الذي يعين على الغش، ومنها كذلك كان التأكيد على لجوء بعض الطلاب للغش بسبب وجود بعض الأساليب الاحترافية وتطويرها، وعلى ضوء ذلك فنوصي بالاهتمام بهذه القضايا وعدم إغفالها من قبل المربين خاصة ومن قبل أولياء الأمور وإعطائها شيئاً من الأهمية إذ أنها كانت من تلك العينات التي تعيش الواقع وتحكم عليه من وجهة نظرها الشخصية والتي هي معرضة للقبول والرد، ولكن لا مانع من الاستئناس بها ودراستها، وكذلك كان التأكيد من قبل شريحة كبيرة من الطلاب على ضرورة التنشئة الصالحة ومراقبة الله جل وعلا وزرع ذلك في قلوب الأبناء، ومنها ايضا الجد والاجتهاد في المواد الدراسية، وكذلك اكد عدد ليس بالقليل على أن اسلوب التخويف والعقاب والتشهير قد يجدي نوعا ما مع كثير من الطلاب.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|