من نعم الله علينا ان جعلنا امة مسلمة تتحدث بلسان عربي مبين، ومن نعمه - التي لا تحصى ايضاً - ان بعث خاتم انبياء البشرية منا، يتحدث لساننا ويفخر بلغتنا، وكرمنا بأن جعلها لغة العبادة ولغة اهل الجنة، ومن مظاهر تكريمه لنا ان جعل لغتنا هي الوعاء الذي يحمل رسالة هذا الدين، وشرفنا بمسؤولية نشر وتبليغ هذا الدين، واداته الرئيسية اللغة العربية.
وان كان خلقنا كعرب نتحدث تلك اللغة دون عناء قلل من احساسنا بأهمية العربية واهمية حاجتها لكمال المعتقد، فان الحقيقة ان تلك اللغة هي هاجس المسلم غير الناطق بالعربية، وهي الجسر الذي لابد من عبوره للوصول الى المعرفة الدينية ومن ثم كمال العبادة وهي قضية لا يشعر بها الا من عانى منها، او اتصل بمن يعايش ويقاسي مثل ذلك الامر.
هذا المقال يلقي الضوء على ضيوف هذا البلد من غير المسلمين الذي نجاءوا من مناح شتى لاغراض مختلفة، لعل تغيير الدين او تعلم اللغة ليس من بينها، ومع استمرار الوجود في مجتمعنا المسلم - ومع تمسك المجتمع بقيمه الدينية واظهاره لها، والاحترام الشديد من كافة شرائح المجتمع للقيم وللمبادئ الدينية وقبول المجتمع بنظامه وافراده بتوجيهات واحكام هذا الدين وظهور المعتقد واضحاً جلياً في سلوك غالبية المجتمع - فان مجموعة من هؤلاء القادمين من انظمة مختلفة تتباين في نظراتها لانظمتها القانونية وقبولها اعتقادها لقيمها الدينية والمعنوية، تبدي تفهماً واعجاباً بقيمنا الدينية، وتماسكنا الاجتماعي وموروثنا الثقافي والحضاري وقد يصل الامر ببعضهم الى التنازل عن قيمهم الاصلية والتحول الى دين الفطرة، دين الاسلام والسلام، السائد في هذا البلد ولله الحمد الاعجاب بقيمنا الدينية وانماطنا الثقافية والسلوكية هي الغالب الاعم الدافع الاساسي - مع الانشطة الدعوية - لاعتناق دين الفطرة التي فطر سبحانه الخلق عليها.
يمكن ملاحظة سهولة وبساطة الطريقة التي اهتدى بها مثل هؤلاء، فدافع تغيير دينهم الى الاسلام ينبع من قناعة محضة اساسها نظام الدين نفسه، مردها تفرد الاسلام وصلاحيته للحياة - فهو دين الحق، وهو قادر على التحكم في سلوك الافراد والمجتمع، كما انه قادر على تنظيم هذا السلوك والسيطرة عليه والتأثير فيه - كما انه هو الدين الذي ينقل الانسان الى مرتبة التميز واحترام وثقة الآخرين بعد صياغة شخصيته ومنطقه وطريقة تفكيره.
وبمقارنة بسيطة مع الجهود التي بذلها الصحابة الكرام ومن جاء بعدهم من الاجيال الزاهرة في تبليغ رسالة الدين والمشقة التي تحملوها والمعارك التي خاضوها والتضحيات التي بذلوها نلاحظ النعمة التي منحنا اياها وجاءت الينا سهلة هينة لينة ولم نولها حق ولايتها ولم نتعامل معها بالاهمية التي هي اهل له.
واذا ادركنا هذا الامر فاننا - المجتمع والافراد - قد وصلنا الى ان وضعنا انفسنا وجهاً لوجه امام المسؤولية المباشرة ازاء هذه الظاهرة الايجابية، التي تتنامى مع مرور الزمن وتتضح صورها مع اطلالة كل يوم جديد، وتجد لها صدى واسعاً في انحاء هذا البلد الطيب.
لكن يبقى السؤال: ماهي افضل الطرق للتعامل مع هؤلاء الموجودين في مجتمعنا قبل اسلامهم وبعد ان يهديهم الله الى الاسلام؟ كيف نسهل وصول مصادر المعرفة الصحيحة اليهم، وكيف نقوي ارتباطهم بدين الاسلام؟ واخيراً كيف نوفر لهم قاعدة علمية تضاعف من رصيد قناعتهم بصحة وصلاحية دين الاسلام؟
المشاهد ان الاجابة التطبيقية على الاسئلة تنحصر في اجتهادات دعوية تقوم بها المكاتب التعاونية ومكاتب توعية الجاليات على شكل زيارات دعوية، او دروس، او محاضرات مصحوبة بتوزيع الكتيبات والنشرات المترجمة بلغة هؤلاء، وهي جهود ولاشك مشكورة وموفقة ان شاء الله ونسأل الله المثوبة لمن مولها وللقائمين عليها وللمشاركين فيها. ولكن الجهود لابد ان تتضافر لتحقيق المزيد من المكاسب، فالاكتفاء بالنصيحة والدعوة والارشاد الآني، والاكتفاء بالاجابة على الاسئلة والشبهات، هو حل مؤقت، ان اقتصرت الجهود عليه فهو جهد ناقص وهو تفريط وتقاعس لا مبرر له.
تنمية المعارف ووجود القاعدة العلمية ومصادر المعرفة لابد ان تستمر مع هؤلاء، وان تكون في متناول ايديهم سواء كانوا في بلدنا او بعد مغادرتهم ولن يتأتى ذلك ولا يمكن تحقيقه الا عن طريق امتلاك الوعاء الذي توجد فيه تلك المعرفة، وهذا الاناء هو اللغة العربية، لغة الدين، ولغة احكامه ومبادئه وتعاليمه.. ولعل هذا الموضوع يستكمل في مقال لاحق ان شاء الله.
|