منذ أن بدأ الرئيس الحالي جورج دبليو بوش يدير دفة الحكم في واشنطن تباينت نظرة الدول الآسيوية إلى الولايات المتحدة فقد لاحظت الحكومات الآسيوية حدوث تحول أساسي في السياسة الخارجية الأمريكية تمثل في اتجاه تلك السياسة بشكل متزايد نحو اتخاذ موقف «أحادي الجانب» وهو التوجه الذي اتخذ شكلا أكثر تشددا بعد أحداث 11 سبتمبر بالإضافة إلى ذلك فإن تلك الحكومات ترى أن المدخل الاقتصادي متعدد الجوانب الذي ميز فترة رئاسة كلينتون قد شهد تحولا إستراتيجيا هو الآخر ليحل محله مدخل اقتصادي أحادي يركز فقط على الإرهاب.
وقد شهدت بدايات عام 2001 انقسام الدول الآسيوية فيما بينها في النظر لإدارة بوش كما انقسمت هذه الدول في الشكل التي صاغت فيه علاقاتها مع واشنطن. فرأى الحلفاء التقليديون من أمثال اليابان وكوريا الشمالية أن من الضروري التكيف والتعايش مع التحول الإستراتيجي الذي احدثته إدارة بوش في حين أن جمهورية الصين الناهضة رأت أن هناك حاجة إلى تحقيق توازن مع السياسة الأمريكية أحادية الجانب وهو ما قامت به من خلال الاتجاه نحو المزيد من التعاون مع روسيا برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين ولكن في الوقت نفسه بذلت بكين خلال العامين الماضيين جهودا مضنية من أجل جعل علاقاتها مع واشنطن علاقات طبيعية وفيما يتعلق بأقصى الجنوب نجد أن العلاقة بين الولايات المتحدة و بين دول تجمع الآسيان دخلت حالة متزايدة من التشكك والتقلب والتعقد وذلك فى أعقاب 11/9 والحملة الأفغانية وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى اصطباغ أعضاء تجمع الآسيان بصبغة إسلامية.
ويذكر أن واشنطن واتحاد دول جنوب شرق آسيا قد ظلا متحدين ضد الإرهاب الدولي وتجلى ذلك في تأسيس «مركز مناهضة الإرهاب» في كوالا لامبور وفي المساعدات الكبيرة التي قدمتها واشنطن في هذا المجال ومع ذلك فإن المتوقع أن تؤدي الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق إلى إحداث صدع في تلك العلاقات ولاسيما في وجود نوع من العداء العام تبديه دول المنطقة- خاصة في المجتمعات المسلمة - لمثل هذا الهجوم.
وقد نشر مؤخرا استقصاءان مهمان للرأي العام أظهرا انقساما كبيرا في الرأي العام إزاء إدارة بوش بالعديد من الدول وكان أولهما استطلاع الرأي العام الذي أجراه مركز بو للأبحاث «مركز مستقل» بالاشتراك مع صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون و شمل 38 ألف شخص في 44 دولة وهو استطلاع لم يكشف فحسب أن هناك معارضة شعبية قوية في الدول الإسلامية نحو الحرب المرتقبة على العراق بل كشف أيضا عن صعود موجة العداء لأمريكا.
فبصفة عامة هناك شعور سائد بأن الحرب ضد العراق سوف تؤدي إلى نفور أصدقاء الولايات المتحدة من جميع أنحاء العالم حتى في الدول غير الإسلامية.
كما تبين أن الآراء المؤيدة للولايات المتحدة في 20 من 27 دولة ممن شملها الاستطلاع قد تراجعت ففي كوريا الجنوبية على سبيل المثال هبط مؤشر التأييد من 58 إلى 53 وفي اليابان من 77 إلى 72 أما في إندونيسيا فإن الصورة الذهنية المؤيدة للولايات المتحدة تدهورت بصورة أشد وأعنف فقد هبط مؤشر التأييد من 75 إلى 61 ويأتي هذا التدهور متوازيا مع صعود «كراهية أمريكا» في الدول الإسلامية في الشرق الأوسط ووسط و جنوب شرق آسيا.
وفي الاستطلاع الآخر أجرى منتدى الاقتصاد الدولي World Economic Forum استطلاعا لآراء 300 من قادته الحاليين والسابقين على مستوى العالم «من الشباب ذوي التأثير في عالم السياسة والتجارة والتدريس الأكاديمي و الفنون» حول النفوذ الأمريكي في عصر العولمة و تبين أن من بين الأربعين شخصاً الذين أجابوا على السؤال القائل: «السياسة الأحادية» تؤدي إلى تنامي رد الفعل السلبي أجاب 80 منهم بأنهم إما موافقون تماما أو موافقون جزئيا. وفي الوقت الذي تشهد فيه موجة العداء لأمريكا تناميا عبر منطقة جنوب شرق آسيا تعد علاقات واشنطن بجاكرتا هي الأكثر تأزما من منظور الأمن الإقليمي وتحتل إندونيسيا بوصفها أكبر دولة إسلامية في العالم أهمية رئيسية بالنسبة للحملة التي تشنها واشنطن حاليا ضد الإرهاب.
وقد أدى تفجير بالي الذي وقع في 12 أكتوبر الماضي إلى إجبار جاكرتا على الاعتراف بوجود الإرهاب داخل حدودها وعلى الاقرار بأهمية المساهمة من جانبها في عمل ضد الإرهاب «المحلي» والدولي وذلك بمساعدة واشنطن ولكن ما يخشى منه الآن هو أن تؤدي ممارسات الجيش الأمريكي ضد العراق إلى حدوث مزيد من تشدد الأغلبية الضخمة من المسلمين المعتدلين في إندونيسيا ولقد تطور الموقف ليتخذ وضعا سيئا مؤخرا بسبب «مناظرة هوارد» إذ إندلعت شرارة هذا التأزم عندما تحدث رئيس الوزراء الأسترالي جون هاورد - ربما حديث للاستهلاك المحلي- حول إمكانية قيام دولته بضربات وقائية ضد دول مجاورة وذلك إذا ثبت وجود تهديدات إرهابية على أراضي هذه الدول فما كان من واشنطن إلا أن أعلنت من جانبها على لسان نائب وزير خارجيتها ريتشارد أرميتاج أنها تساند هاورد وهو ما تسبب في إثارة الفزع لماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والفلبين مما أجبرهم فيما بعد على الإفصاح علانية عن حقوقهم في الدفاع عن سيادة أراضيهم ونظرا لأن ماليزيا تمتلك جماهير إسلامية ضخمة فإن اتخاذ أي فعل ضد الإرهاب دون موافقتها أو رضاها سوف يؤدي إلى غضب حكومتها غضبا شديدا علاوة على ذلك فإن قيام الولايات المتحدة بحملة عسكرية ضد العراق من شأنه أن يؤدي إلى استقطاب شعب ماليزيا المسلم مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة على السياسة الماليزية ولاسيما في الوقت الذي يعد فيه رئيس الوزراء مهاتير محمد للتنحي عن السلطة في أكتوبر القادم ويمكن القول ان التصور السائد عن واشنطن في آسيا خاصة في دول الآسيان يتواكب مع صعود مد الرأي العام المناهض لأمريكا وسوف يؤدي العمل العسكري ضد العراق لتفاقم ذلك الموقف.
( * ) عضو لجنة الدفاع و الشؤون الخارجية ببرلمان سنغافورة.
|