إن أي استخدام للعنف الكاسح بالطريقة التي تهدد بها واشنطن العراق يعتبر شيئا مروِّعا، فكل ما نعرفه عن العنف يعطينا درسين: الأول أن استخدام القوة يؤدي دائما إلى عواقب غير مقصودة وغالبا ما تكون غير متوقعة، والثاني أن الحروب في العصر الحديث تؤدي دائما إلى خسائر كبيرة للمدنيين، ولهذين الدرسين فإن هناك إدانة قوية في القانون الدولي والأخلاق الدولية لأي تساهل أو تطوع باستخدام الحرب.
فالقانون الدولي يبيح الحرب بالفعل ولكن إذا كانت بغرض الدفاع عن النفس، وفقط كملاذ أخير بعد تجربة كل وسائل الحلول السلمية للنزاعات.
سيدي الرئيس جورج بوش، إنك لا تمتلك أي مبرر لهذه الحرب التي تهدد بها العراق، وما زال هناك وقت أمامك لكي تقلل من حجم الإنفاق العكسري على القوات الأمريكية المخصصة لضرب العراق والعودة إلى مزيج من سياستي الاحتواء والردع الذي يحقق نجاحا مع العراق حتى الآن كما حدث بصورة أكبر مع تهديد الاتحاد السوفيتي السابق في وقت سابق.
عليك يا سيدي الرئيس أن تتراجع عن هذه الحرب قبل أن تداهمك عواقبها ومعك بقية العالم، وهذه العواقب قد لا تستطيع التنبؤ بها، وعليك أن تسأل رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون ماذا حدث له بعد أن شن حربه ضد لبنان عام 1982، فهناك وجهان للتشابه بين تلك الحملة التي قادها وبين هذه الحملة التي تهدد أنت بشنها ضد العراق، الشبه الاول هو ان كلتيهما حرب اختيارية لم يفرضها أحد على اي واحد منكما (شارون وبوش)، ووجه الشبه الثاني أن شارون كان يهدف من حملته إلى تغيير نظام الحكم في لبنان كما تأمل يا سيادة الرئيس في العراق، ومن الناحية العسكرية نجحت حملة شارون، ففي خلال شهرين فقط نجح الجيش الإسرائيلي في السيطرة على نصف لبنان بما في ذلك العاصمة بيروت، كما أجبر الإسرائيليون المقاتلين الفلسطينيين بقيادة الرئيس ياسر عرفات على الرحيل عن لبنان و«أقنعوا» البرلمان اللبناني بانتخاب حليف لإسرئيل رئيسا للبنان، ولكن الأمور لم تمض كما يريد شارون على الصعيد السياسي، حيث أدى الوجود العسكري الإسرائيلي إلى ميلاد مجموعة لبنانية مسلحة مسلمة جديدة اسمها «حزب الله»، كما تم اغتيال الرئيس بشير الجميل، وقبل أن ينتهي عام 1982 كانت إسرائيل تحاول خفض وجودها في لبنان، وماذا عن الفلسطينيين؟، لقد غيِّرت حركة التحرير الفلسطينية شكلها، وانطلقت انتفاضتها الأولى من داخل قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة عام 1987، والآن لا يوجد في إسرائيل من يقدم أي شهادة مؤيِّدة لحملة شارون على لبنان، ويمكن لأي إنسان الآن أن يتخيل كيف سينظر الأمريكيون إلى نتائج الحملة المنتظرة على العراق بعد عشرين عاما؟ وماذا عن النتائج غير المرغوبة ولا المقصودة للحرب القادمة؟ لكي تجيب على مثل هذا السؤال يكفي أن تلقي نظرة فقط على الحملة التي قادتها أمريكا في إقليم كوسوفو عام 1999، كان الهدف المطلوب من هذه الحملة العسكرية هو منع الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميليسوفيتش من ممارسة المزيد من التطهير العرقي ضد المسلمين في كوسوفو، ولكن بمجرد أن سقطت الصواريخ الأمريكية على العاصمة اليوغوسلافية بلجراد صعَّد ميليسوفيتش عمليات التطهير العرقي إلى مستويات غير مسبوقة وقام بنفي أكثر من ثمانمائة ألف مدني مسلم في كوسوفو بعيدا عن منازلهم.
سيادة الرئيس.. أنت تزعم أن هدفك الرئيس هو منع العراق من تطوير المزيد من أسلحة الدمار الشامل، ولكن كما يقول ريتشارد بيت في مقاله الأخير المنشور بمجلة «فورين أفيرز» تحت عنوان «الانتحار خوفا من الموت» فإن رد فعل صدام حسين على أي هجوم أمريكي ضده قد يدفعه إلى استخدام كافة الأسلحة التي تحاول أن تنزعها من يده. والواقع أن العراق غير كوسوفو، فالهدف الحقيقي لأمريكا في العراق هو الإطاحة بالرئيس العراقي، وهذا يمكن أن يجعل صدام حسين أقل ميلا للاعتدال في ردود أفعاله من ميليسوفيتش في يوغوسلافيا، فهل فكرنا جيدا في النتائج غير المباشرة للحرب؟ وكيف ستبدو هذه الحرب في عالم اليوم الذي أصبح قرية صغيرة بفضل الاتصالات خاصة إذا شنت الولايات الحرب ضد العراق بدون أي استفزاز من جانب العراق وبدون أي دعم رسمي من جانب الأمم المتحدة؟
سيدي الرئيس.. لقد زعمت في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أصدرها البيت الأبيض في سبتمبر الماضي أن الولايات المتحدة لها «الحق» في شن ضربات عسكرية وقائية في أي وقت وضد أي مكان من العالم، ولم تؤيد أي حكومة في العالم هذا الادعاء الأمريكي، لذلك فأي هجوم منفرد ضد العراق بدون دليل واضح يبرر مثل هذه الحرب وبدون تفويض من الأمم المتحدة سوف يعتبر في كل مكان بالعالم تقريبا تطبيقا لسياسة «القوة تصنع الحق». والحقيقة أن تخيل كيفية اتباع الحكومات الأخرى لهذا المنطق يعد أمرا مفزعا.
في الوقت نفسه ماذا عن كوريا الشمالية؟ وماذا عن المهام الدولية الملحة الأخرى مثل تنظيم القاعدة وأفغانستان وعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وماذا عن القضايا الأمريكية الداخلية مثل زيادة مشكلات الميزانيات في أغلب الولايات الأمريكية؟ والواقع أنه يتم دفن كل هذه القضايا المشتعلة ويتم تجاهلها بصورة غير مقبولة في الوقت الذي تركز فيه الإدارة الأمريكية كل اهتمامها على العراق، فإلى أين سيقودنا كل هذا؟
سيدي الرئيس.. مازال هناك وقت للتراجع، الحقيقة أن الحشد العسكري الذي تم بالفعل مكلف جدا، ولكن لا يجب عليك أن تتصور أن مثل هذه النفقات يمكن أن تجعل الطريق إلى الحرب مع العراق حتميا، فالحقيقة أنه إذا اندلعت الحرب فإن التكلفة المادية والبشرية لها والفوضى السياسية التي سيشهدها الشرق الأوسط والعالم كله ستكون أكبر مما أنفقته حتى الآن بصورة لا يمكن تخيلها.
سيادة الرئيس.. تراجع وستجد العديد من الأصدقاء داخل أمريكا وخارجها مستعدين لمساعدتك في إيجاد طريقة لهذا التراجع.
( * ) كاتبة سياسية متخصصة في القضايا الدولية
خدمة كريستيان ساينس مونيتور خاص بـ «الجزيرة»
|