Friday 24th January,2003 11075العدد الجمعة 21 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بصراحة بصراحة
الأحداث.. بعيون عربية (2/3)
لبنى وجدي الطحلاوي

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لم تكن نهاية التاريخ كما توقّع فوكوياما، بل قسمت أمريكا العالم إلى ثلاثة أقسام، قسم يسير على نهجها ويعتنق كافة مبادئها السياسية والاقتصادية، وقسم يحاول الانضمام إلى النهج الأمريكي بعد أن تخلف طويلاً عنه ومعظمهم من دول الكتلة الشرقية السابقة، والقسم الثالث يضم تلك الدول التي تعتبرها أمريكا خارج السرب ولم تتمكن من أقلمتها بعد.
فتبنت أمريكا سياسة البحث عن عدو جديد، ومن خلال بحثها عن ذلك العدو منذ أوائل التسعينات، اكتشفت أعداء أربعة يمكن أن توجه حربها ضدهم، الجماعات الإرهابية، وأسلحة الدمار الشامل، وتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة، والجماعات الإرهابية ظلت من الصعب تحديدها والتعرّف على أسلحتها وتوقّع ضرباتها، فجاءت أحداث 11 سبتمبر بعد شهر واحد من وضع ملف «الخريف الخطر» أمام بوش، ذلك الملف المحاط بالكثير من علامات الاستفهام، للتوقيت الذي عرض فيه على بوش ولمحتواه.....
واستغلت إسرائيل أحداث سبتمبر واختارت اللحظة المناسبة لتقدم نفسها شريكاً في محاربة الإرهاب المزعوم، ذلك الإرهاب الذي عجزت أمتنا عن تبرئة نفسها منه ومن تهمة «رعاية صناعته» والفضل يعود بالدرجة الأولى للفضائيات العربية التي تنافست في بث تلك الأشرطة المشبوهة عن القاعدة، معتبرين ذلك سبقاً إعلامياً ومتجاهلين انعكاسات ذلك على صورتنا وقضايانا الوطنية حتى وصل الأمر أن يرتدي أحد أبطال الأشرطة لباس المقاومة الفلسطينية حتى يختلط الأمر على المشاهد في العالم ويعتبر الأمر مجرد عمليات انتحارية، لأناس مرضى بهوس كراهية الحياة، وأصبح المقاوم إرهابياً، والنضال داخل الأراضي المحتلة إرهاباً، وتحولت المنظمات الفلسطينية التي تسعى للتحرير الوطني وتعاني من جبروت المحتل الإسرائيلي إلى منظمات مقيَّدة على كل لوائح الإرهاب الأمريكية، ويعود الفضل لذلك بالدرجة الأولى لأخطاء العرب الفادحة التي يدينون بها أنفسهم.
يقول تيري ميسان وهو كاتب فرنسي ورئيس شبكة «فولتير وينشر» الاستخباراتية السياسية، ورئيس تحرير مجلة «منتنان» الشهيرة في كتابة «11 سبتمبر والخديعة المرعبة» إن لديه من الأدلة ما يكفي لإدانة المخابرات المركزية الأمريكية بالتورط في أحداث 11 سبتمبر لتعطي مبرراً للنزعة الإمبريالية الجديدة التى بدت تغزو الأفكار الأمريكية بعد أن أصبحت وحدها في الميدان، وبعد المبيعات الضخمة والنجاح الكبير الذي حققه هذا الكتاب أصدر كتاباً آخر عن «البنتاجون» يذكر فيه بالبراهين أن البنتاجون لم يقصف بطائرة، ويفضح زيف الادعاءات بالأدلة وبدقة متناهية، وفي العالم العربي يسود الرأي أن المخابرات الإسرائيلية الموساد تقف وراء الحادث حتى تثير حفيظة أمريكا ضد كل ما هو عربي وإسلامي، فوحدهم هم رجال القاعدة يظهرون على شاشات الفضائيات ليدلوا ببيانات غامضة ليلقوا بالشبهة على أنفسهم ثم يعودوا للاختباء في جحورهم من جديد.
إن تدخل أمريكا في أفغانستان ليس وليد اللحظة، فهي أول من اعترف بطالبان وغذَّى التطرف الديني وتبنى أسامة بن لادن، كما يرى الكثيرون من الحلفاء الأوروبيين الذين يعترفون بأن حرب أفغانستان وحرب العراق وغيرها لم تقم بها أمريكا سوى للسطيرة على منابع الطاقة، فلقد خاضت حربها الأولى منذ عدة سنوات على قوس يمتد جنوباً من البحر المتوسط وصعودا إلى منطقة البلقان، لعزل يوغسلافيا القديمة وروسيا عن أوروبا، والآن تشن معركتها الثانية لإغلاق القوس الثاني الذي يمتد جنوباً من أفغانستان وصعوداً حتى آخر حدود بحر قزوين لتحصر بين القوسين أكبر منابع الطاقة البترولية التي عرفتها البشرية حتى الآن، ويعلّق على ذلك الكاتب الأمريكي الهندي الأصل فريد زكريا، بأن على الرغم من أن العالم وأوروبا تحديداً تدرك تلك المخططات الأمريكية وتقر بها إلا أنها لا تتدخل لفرض رأيها، ووضع حد لتلك النزعات الأمريكية، ويسخر من أوروبا قائلاً بأنها لا تملك قوة عسكرية تدعم رأيها لأن عقدة أوروبا القديمة من الحرب سوف تجعلها تفقد هيبتها، فما دامت سمحت لأمريكا، بفرض الحماية عليها فعليها أن تسير على خطاها.
واستبدلت أمريكا مصطلح إمبراطورية الشر بمحور الشر.. وأصبح العرب والمسلمين يتعرضون في الغرب وأمريكا على وجه الخصوص لانتهاكات صارخة لحقوق الانسان، وكما يقول الدكتور إدوارد سعيد فإن «قانون المواطنة» الذي جرى تمريره في الكونجرس الأمريكي في أعقاب ضربات سبتمبر يلغي مقاطع كاملة من الدستور الأمريكي، لإلغائه إجراءات تعطي الأفراد الحق في الحصول على دفاع مناسب أو محاكمة عادلة، كما يسمح باختطاف أي أسرى واحتجازهم وتقرير مصيرهم بشكل أحادي الجانب. ويعلّق الكاتب الأمريكي الشهير بروس أكرمان، على ذلك بأن لو تكررت أحداث مماثلة لـ11 سبتمبر مستقبلاً في أمريكا فهذا يعني القضاء على كل الحريات المدنية في أمريكا التي هي أساس الديمقراطية.
وأجد سؤالاً يطرح نفسه هنا، لماذا كلما قام أحد بعمل عنيف أو قتل وصفته أجهزت الإعلام العربية «بالمسلم المتطرف» تماشياً مع لغة الإعلام الغربي؟ لماذا لا نكون حذرين في إعلامنا العربي وننتقي مفرداتنا جيداً؟ هذا لا يخدم سوى الصهيونية التوسعية، لماذا لم نصفه بالمستاء مثلاً أو بالعربي الثائر على الظلم واغتصاب حقوقه وأرضه لعجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي عن إجبار إسرائيل على تنفيذ عشرات القرارات المتعلقة بشأنها في مجلس الأمن والتي جميعها تلقى الفيتو الأمريكي لحمايتها، وفي المقابل كل ما يقوم به الإسرائيلي من قتل للمدنيين والأطفال هو دفاع عن أمن إسرائيل وعمل مشروع، مهما خلَّف من دمار ومن قتلى مدنيين أبرياء، ومن يقوم بعمل عنف أو قتل في الغرب يصفونه بالمختل عقلياً أو المستاء، فلماذا لا نستاء نحن أيضاً ونفقد عقولنا؟ ولماذا ندين أنفسنا، لنسهل على أعدائنا مهامهم وتنفيذ كل مخططاتهم التي تهدف لأن تطولنا جميعاً.. عاجلاً أم آجلاً؟
وتبقى عدة أسئلة تطرح نفسها، ما الأسباب الحقيقية، التي جعلت الدماء العربية والمسلمة رخيصة إلى هذا الحد؟ وجعلت الصوت العربي غير مسموع؟ وأمة من مليار ونصف المليار مسلم لا تملك وزناً ولا ثقلاً دولياً يتناسب وحجمها؟.. ربما أحاول أن أجيب على ذلك في المقال القادم.

فاكس: 6066701 -02 - ص.ب: 4584 - جدة: 21421

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved