في هذه الأيام يقوم وفد كبير من رجال الأعمال السعوديين يبلغ نحو مائة، من جميع الغرف التجارية بالمملكة برئاسة رئيس الغرف التجارية السعودية الأستاذ عبدالرحمن الجريسي بزيارة إلى الصين، وسوف يلتقي بعدد من الشخصيات القيادية في الصين على المستوى الحكومي والحزبي وكذلك الإعلامي، وسوف يتم التوقيع على إنشاء مجلس لرجال الأعمال يمثل كلا الطرفين، لقد عدت بمخيلتي أكثر من ثلاثة آلاف عام، لأستذكر ما كان العرب في ذلك الوقت يقومون به من رحلات تجارية إلى الصين حاملين معهم اللبان والبخور، وبعض الأدوية، وعائدين مرة أخرى وقد حملوا جمالهم أو مراكبهم بالحرير، والأدوية، وأواني الخزف، وكانت رحلتهم تلك تأخذ أكثر من سنتين ذهاباً وإياباً، وفي رحلاتهم المتعددة نقلوا بعضاً من ثقافتهم إلى تلك البلاد البعيدة كما أنهم حملوا جزءاً من تلك الثقافة إلى بلادهم، واستمر الحال كذلك، حتى ظهور الإسلام، وسطوع نوره في كل أقطار الدنيا، واستمر أولئك الجمع من التجار العرب في الترحال إلى بلاد الصين لكنهم بعد ظهور الإسلام حملوا جمالهم ومراكبهم بالبضائع، كما حملوا في وجدانهم هذا الدين العظيم الذي أخذ يستوطن مع من استوطن منهم في بلاد الصين العظيمة، واستمر حالهم هناك بين مدّ وجزر، حتى هذا اليوم الذي يتمتعون فيه بحرية كاملة، ويمارسون عبادتهم في يسر وسهولة.
إن هذا الوفد الكبير قادم إلى الصين لتحفيز التبادل التجاري بين البلدين الذي بلغ نحو 5 مليارات دولار في العام المالي الماضي، لكن الاستثمار المتبادل بين البلدين ظل محدوداً جداً، أو شبه معدوم، حيث لا يتجاوز 3 ملايين دولار، وأعتقد أن رقماً مثل هذا غير مقنع للطرفين.
إن الاستثمار الصيني في المملكة والاستثمار السعودي في الصين ضرورة لاستمرار التمازج التجاري، والاستفادة من الميزة النسبية المتوفرة لدى كل بلد، كما أنه سيعمل على نقل التقنية، ومن ثم توسعتها، لتكون أداة لبناء اقتصاداً أوسع يعمل على تعدد مصادر الدخل وتنوعه.
نحن في المملكة العربية السعودية في حاجة ماسة لنقل التقنية العالمية إلى بلادنا، ومن ثم استيعابها، ثم الانطلاق للمساهمة في ابتكارها، حتى تكون موطناً لنا، وهذا أمر ممكن بشروط كثيرة، قد لا يكون بعضها متوفراً الآن، ومن ضمن تلك الشروط: الجدية، وبذل الجهد، والالتزام بالعمل، والدقة والاتقان، وهذه ثقافة سلوكية تتطلب المصابرة والمثابرة، وهذه المصابرة والمثابرة إذا لم تكن موجودة فهي تحتاج إلى تدريب النفس على وجودها، ومن دونها لن يكون لنا نصيب في هذا العالم المتسارع في كل شيء.
نحن في المملكة جزء من العالم، وها نحن نساهم فيه، بما حبانا الله من نعمة الذهب الأسود، حيث سياسة المملكة البترولية تحمل في طياتها ضماناً للعالم أجمع بتوفير كميات كافية من البترول لسد أي عجز في المعروض العالمي منه، لكننا لا يمكن أن نبقى أسيرين للطلب العالمي على النفط في تنميتنا بأسعاره التي تفرضها قوانين العرض والطلب.
الصين اليوم منطلقة كالسهم في ميادين تنموية كثيرة ومن ضمنها، بعض الصناعات المتعلقة بالتقنية، والمملكة في حاجة إلى نقلها لكونها قابلة للتطوير، لكون أسعارها مناسبة ولكن الشعب الصيني الكريم، يكن للمملكة ومواطنيها كل محبة واحترام، فإن من الحكمة أن تتم الاستفادة من هذه الأنشطة طالما أنها متاحة.
إن لقاءات هامة كهذه لا بد لها من نتائج إيجابية لكلا الطرفين، ورجال الأعمال في البلدين هم الجسر المنفذ للتعاون والتقارب لما يخدم المصالح المشتركة بعد أن هيأ الساسة الظروف المناسبة لتفعيل هذا التعاون وسنستمر بحاجة إلى هذه المنتجات الصينية المتعددة والمتنوعة، بقدر حاجة الصين إلى مصدر هام للطاقة يتوفر بالمملكة.
|