Wednesday 22nd January,2003 11073العدد الاربعاء 19 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
صورة الفنان في زمانه
عبدالله بن بخيت

التفت إلى الفرقة وقال كلمة سريعة ثم عاد إلينا وهز رأسه فصدحت الموسيقى. كانت اللحظات الواقعة بين بداية الموسيقى وبين رد فعل الجمهور أقل من أن تذكر ولكنها بدت كدهر مديد حيث تحسس الجمهور في تلك اللحظات بهجة الاصغاء والترقب التي تنتجها نشوة الموسيقى التي تصنع أمامك. كان يمكن للجمهور أن يصمت أكثر ولكن أحد المتربين في مدرجات الكورة صاح: عاش أبو مسعود. دون أي سبب يدعو لذلك فانفجرت عندها الحناجر: اختلطت كلمات الترحيب بالتصفيق بالصفافير. ولأن الجمهور الحاضر جمهور كرة في الأساس تقاذفت التعليقات المتنوعة بما فيها التعليقات الثقيلة. إلا أن الموسيقى راحت تتخلل هذا الهواء المليء بالأصوات وتتحرك في فراغات الصراخ كالرغوة. كما شدد أعضاء الفرقة موقفهم الموالي للفن وضغطوا على آلاتهم فانتصرت الموسيقى أخيراً وراحت تملأ أي فراغ يتركه الجمهور في الهواء. فاستقر الوضع. فدخلنا في أجواء الفن وحلت النشوة محل التوتر. ارتفقت على المنصة فالليل طويل ومن حسن حظي أن المنصة لم تكن عالية. تصل إلى مستوى خصري مما أتاح لي أن أتأمل في حركات قدمي الفنان. صدمت عندما لاحظت أنه يلبس نعالا زبيرية قديمة وأظافر قدميه لم تقلم منذ زمن بعيد. ويبدو أن هناك كدمة مزمنة عند التقاء الساق مع القدم. أقدامه بصفة عامة غير منظمة تحس أنها أقدام شايب لا تليق بأن تحمل على كاهلها فنانا وصلت جماهيريته إلى الطائف وجدة وأغانيه تطبع في استديوهات أثينا. حيث برز في الفترة التي بدأت الاسطوانات الشفافة الملونة تغزو الأسواق. والبكمات تفرض وجودها حتى على المنازل المحافظة. و بدت الناس على استعداد أن تشتري الأسطوانة بأي سعر حتى بلغت سعر بعض الأغاني مثل أغنية «أبكي على ما جرى لي يا أهلي» أكثر من مئتين وخمسين ريالا عندما كان راتب أكبر موظف لا يصل إلى خمسمائة ريال. لم يصل سعر اسطواناته أكثر من عشرة ريالا، ولكن عشرة ريالات كانت مبلغا مجزياً لفنان يقف على الدرجة الأولى من سلم المجد.
صار اسمه متداولاً في سوق الاسطوانات في حراج ابن قاسم، وأخذ أصحاب التكاسي يؤمنون اسطواناته في تكاسيهم كسبا لجماهيره الواعدة. ولو أصغيت لجدال المراهقين و النساء لوجدت من يرشحه ليصبح الفنان الأول في المنطقة الوسطى متخطياً سعد إبراهيم وسلامة العبدالله وسالم الحويل وفرج الطلال وغيرهم.
وضع قدمه القوية في طريق الفن الطويل دون اعتبار لشكلها أو نظافتها كما شاهدتها على المسرح.
بلغنا منتصف الأغنية وكل شيء كان على ما يرام. فالانتقال من كوبليه إلى آخر كان سلسا لا يمكن أن تتبينه لولا هتافات الجماهير المتعودة على مثل هذه الحفلات الحية. لكن شيئاً ما بدأ يحدث لم أتبينه في البداية. بدأت أشعر من حركة قدمي الفنان أن هناك شيئاً يستوجب القلق. فحركة أصابع قدميه تتحرك باضطراب وتوجس فرفعت رأسي ونظرت في عينيه فعرفت أن هناك مشكلة. خصوصا أن الجمهور بدأ يفقد إحساسه بالتدفق وأخيراً انتهت الأغنية الأولى على خير. أنزل قدمه من الصندوق الذي كانت تستند عليه حيث يشكل فخذه منصة أفقية يستند عليها العود. والتفت بكامل جذعه ناحية الفرقة وهو يدلدل عوده ذات اليمين وذات الشمال مما يوحي بجدية النقاشات التي تدور بينه وبين أعضاء الفرقة. ثم لمحت أنه يرفع سبابته التي تتخللها ريشة العزف البلاستكية بصورة أشبه بالتهديد. عاد مرة أخرى إلى الجمهور بعد أن أتم تسوية الأمر أو هكذا بدا، وعلى فمه ابتسامة لم أثق ببراءتها حيث جاءت مختلفة عن ابتساماته العفوية التي وزعها في بداية الحفل. لم أكن أنا وحدي من لاحظ ذلك. كان الجمهور أحس بشيء ما غير طبيعي يربك التواصل بين الفرقة وبين أداء الفنان. بل أن هناك نفرا من الجمهور أصدر أصواتاً شبيهة بالضحك بصوت عال في أجواء إبداع لا تحتمل الضحك. وقد علمونا في سنوات التكوين الأولى أن الغناء يولد البكاء لا الضحك ليحدث في النفس العطوفة ذلك الحزن الجميل.
ما الذي يحدث وراء الكواليس؟... البقية يوم السبت

فاكس: 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved