يقال بأن الأسئلة هي أولى الأجوبة، وهي حتماً القلق الذي يؤدي إلى الاستغناء عن الطرق المعهودة والمطروقة والمكرورة في الحصول على الأجوبة، فالأسئلة هي مغامرة العقل الكبرى في التدبر والتفكر والتقدم خطوة أخرى في طريق الإنسانية الطويل والمضني.
ولعل اختيار صيغة الأسئلة كعنوان للمؤتمر التربوي الكبير الذي يقام حالياً في المملكة (ماذا يريد المجتمع من التربويين؟ وماذا يريد التربويون من المجتمع).
لهو اشارة ذكية عن قلق السؤال عن المفارقات التي تتم على أرض الواقع والتي لم تعد الأجوبة القديمة تقدم لها الحلول الناجعة، وعن الرغبة الأكيدة في طرق دروب أخرى للبحث عن الاجابة.
فالمؤسسة التربوية منذ انشائها كانت تتعامل مع المحيط الاجتماعي بشكل فوقي إن لم نقل منقطع عن تفاصيله ونبضه وهمومه اليومية.
المؤسسة التعليمية قبلت برصانة الملقن المتنئي عن طلابه والذي لم يطور دائرته التعليمية لتنغلق على استمرارية التيار بينها وبين المتلقين (الطلاب) أوما يسميها علماء التربية بالتغذية المرتدة (Feed Back).
ولأن المعلومة لم تعد فتاة الخدر المستكنة داخل الكتب الغائبة عن هدير العصر وضوضائه بانتظار من يأتيها ويقتحمها، بل أخذت تسبح فوقنا في الفضاء عبر الأقمار، وتقتحمنا في الهواتف والشاشات والصحف وفي الأسلاك التي تبطن الجدران.
والجميع خاضع لسلطة هذا الطوفان العالمي في صناعة المعلومة وتسليعها وتطويرها بحيث تغدو السلعة الأهم في صناعة وإعداد الثروة البشرية.
عندها يصبح هذا هو التحدي الأهم الذي يترصد بالتربويين من جهة والمجتمع من جهة أخرى، فالطالب لم يعد بحاجة أن يقضي إشراقة سنوات عقله الأولى تحت سلطة معلومة تزيد في غربته عن محيطه، تزيد في إزاحته عن مركز الهدف وروح العالم، تزيد في تقليص مغامرة العقل الجريئة باتجاه المجهول.
هو بحاجة إلى مدرسة تحترم عقله ولا تضطهده، مدرسة تعيد ما انقطع في السابق وتتوقف عن تحويل المعلومة إلى دواء مر يتغصصه الطالب ليفرغه على ورقة الامتحانات.
بالطبع التنظير الفوقي لهذه القضية لا يتطلب الكثير من الجهد بينما يتحكم في الواقع الميداني الكثير من التفاصيل والتيارات والتوجهات التي تؤطر أسئلة التعليم بداخل السقوف المنخفضة التي ترفض مغادرة المرابع القديمة حتى لو جف عشبها ونضب ماؤها وأضحت لا تغني ولا تسمن من جوع!!
|