Tuesday 21st January,2003 11072العدد الثلاثاء 18 ,ذو القعدة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أضاءة أضاءة
أحاسيس
شاكر سليمان شكوري

احيانا ما تتلبس الانسان حالة من الالم الشديد نيابة عن او شفقة على انسان آخر عزيز لديه يتعرض لموضوع من مواضع الابتلاء، ومنها المرض وما يقتضيه احيانا من جراحات في اعضاء الجسم، ما دق منها وما عظم. وكلما عظم الخطر على ذاك المريض العزيز ازداد القلق وتزايد الم المحبين من حوله فما بالك اذا كان المريض هو الاخ العزيز والصديق الصدوق؟ وما بالك لو ان الامر يتعلق بجراحة في القلب المفتوح، لتغيير جملة من شرايين ذاك الاخ الذي هو بمنزلة النفس؟! وانك لو اجد على بعض غيرك اكثر من وجدك على نفسك احيانا، او اكثر حتى من وجده هو على نفسه في موضع الالم والخطر، وهو امر لا يستغرب حتى في عالم شحت فيه العواطف فإن الاثرة تبقى شموعها في النفق الضبابي، وحين يكون المريض العزيز هو من تلك الشموع فإن الشمعة عادة ما تحترق لتضيء لمن حولها، كما يقول شخص كريم جاء ذكره وشعره في كتاب عبدالله لويحان، والبيت على الارجح من شعر الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - وكأنه - اذا صح في حقه هذا الشعر - كان يصف بذلك نفسه اذ يقول:
ترى بعض العرب عمله بروحه مثل وصف سراج
ينور للعرب والنار في جوف المسيكين
وقد تصبح النار مألوفة في جوف السراج، بحيث لا يعد يجد في حرقها وجدا، لكن العرب تجد وجداً شديداً في غياب المصباح او اعتلاله، وهذا في اعتقادي هو سبب ما يعتورنا من اسى وألم يبلغ حد الوجد اذا ما تعرض لمكروه عزيز لدينا، ومع ايماننا التام بقوله تعالى:{وّإذّا مّرٌضًتٍ فّهٍوّ يّشًفٌينٌ} وبأن المرض والموت والحياة كلها اقدار لا نملك ازاءها الا الرضوخ، فإننا نجزع بشدة تتلاءم مع درجة المعزة لإنسان اقتضت اقداره السير في اسباب الشفاء من المرض وهي الجزئية التي يقتصر عليها دور البشر دون الدخول في النتائج او السؤال عن الاسباب، نجزع بشدة اذا ما قدر لعزيز لدينا ان يخضع لمشرط الجراح. كان هذا حالي وانا اواجه اخي محمود شكوري الى المستشفى الاسبوع الفائت لتبديل اربعة شرايين بجراحة يسمونها «الباي باص». ووسط دوامات القلق والتوتر الذي يصاحب حالة على هذه الشاكلة فقد كانت هناك شمعة اضاءت نفق الحزن الاسود وجرى من الدولة لطف كالبلسم الذي يشفي في النفس شيئاً من وجدها، بالاسعاف الطائر الذي نقل مريضنا - اتم الله شفاءه - من مكة المكرمة الى الرياض مروراً بالقصيم لحمل مريض آخر، فنظام الخدمة، كان اول بادرة حنو لا تطال المريض وحده بل طالتنا جميعاً برحمة الاطمئنان الى سرعة وامان الانتقال بالمريض من موقعه الى مكان الخدمة الملائمة، ثم كانت الرعاية التي قدمها المستشفى والعناية ثاني دواعي الطمأنينة التي نزلت على ساحة قلقنا برداً وسلاماً.
الغريب في الامر انني وانا واحد من مدعى الشعر - وجدت جفافا في قصيدي وجفاء لتعابيري وشرودا لذهني واباءه الانصياع لقلبي في ضرورة التعبير عن مشاعري تجاه هذه الحالة الخاصة جداً التي نادراً ما يمر بها الانسان، لكن ايضاً نادراً مالا يمر بها كل انسان، وحين قتلني الخجل من اللسان العيي الذي اصيب فجأة بالصمم والبكم، جاء في خاطري ما جاء في خاطر «شاعرنا» منذ نيف وعشر سنين، بينما شقيقه «سعد» يخضع لمبضع جراح القلب، وهو لا يستطيع ان يحضر مع اخيه في اثناء العملية لأنه في اليوم ذاته كان عليه ان يستقبل امير ويلز في ابها صباحاً وان يحضر في المساء حفل توزيع جائزة الملك فيصل العالمية في الرياض، لكن الشعر الكامن في عباءة خالد الفيصل استطاع ان يبعث الى الشقيق الغالي ببرقية شعرية جامعة مانعة في الموقف، وما احوجني اليوم الى ان استأذن سمو سيدي الامير الانسان خالد الفيصل في استعارة البرقية وارسالها الى اخي محمود وهو يتماثل للشفاء ان شاء الله..
داعياً للجميع بالصحة والسلامة.


يا جريح القلب بي عنك الجروح
جعل قلبي فدوة لك يا سعد
مشرط الجراح في قلبي يروح
كل ماهوجست بك يوم الاحد
خفقة تجزع وخفقات تنوح
عالجوا جرحك وجرحي بك قعد
يشهد الله لو تعوض الروح روح
يا ابن ابوي فداك روحي والجسد
يا جحود الضيم ما ودك تبوح
بالخفوق جروح ولسانك جحد
شلت حب الناس بالقلب النصوح
لين صار الحب بعروقك سدد
سمح الله درب ذا الوجه السموح
زال شرك والمقابيل السعد

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved